الشتاء في الإمارات.. فصل الخير تبدأ بشائره بنجم سهيل
صفحة أسبوعية تقدمها «الإمارات اليوم»، بالتعاون مع «الأرشيف الوطني»، التابع لوزارة شؤون الرئاسة، بهدف التعريف بشكل الحياة في الإمارات قبل الاتحاد، وخلال بداياته الأولى، والجهد الكبير الذي بذله الآباء المؤسسون للدولة من أجل قيامها، وربطها بما يحققه قادة الإمارات، اليوم، وأبناؤها من إنجازات شهد لها العالم.
ارتبطت الحياة، قديماً في الإمارات، بالعديد من المظاهر والعادات والتقاليد التي شكلت ملامح الحياة الاجتماعية والاقتصادية للسكان، ومن بينها طريقتهم في حساب مواعيد فصول السنة، فقد عرف أهل المنطقة حساب الدرور، واستخدام النجوم، لمعرفة فصول السنة، والدرور هي جمع «در»، والذي يمتد 10 أيام، والفصل يتكون من 10 درور، أي 100 يوم. وكمان كان للصيف أماكن للقيظ يلجأ إليها السكان هرباً من ارتفاع درجة الحرارة، وأنشطة زراعية مختلفة، كذلك ارتبط الشتاء، قديماً، بالعديد من المظاهر والعلامات التي كانت تميزه، واعتبر سكان المنطقة فصل الشتاء وقت خير، تسقط فيه الأمطار، وتظهر النباتات المختلفة، وتنمو مناطق الرعي. أما بشائر الشتاء، فكانت تقترب مع ظهور نجم سهيل في السماء مبشراً باعتدال الطقس، ويستمر في الظهور بأقصى جنوب السماء، حتى نهاية فصل الشتاء في منطقة الجزيرة العربية.
الشتاء فصل الخير
تصف الشيخة صبحة الخييلي، في كتابها «وين الطروش»، الذي يروي حكايات من البادية في الفترة من أربعينات إلى ستينات القرن الماضي، جانباً من الحياة في البادية أثناء الشتاء، قائلة: «في فصل الشتاء، كانت النساء يجلبن الماء من الآبار على الناقة، ويحمل عليها الماء في قربتين أو ثلاث أو أربع، وهو ما كان يكفي لاحتياجاتنا اليومية، وكان البدوي على علم بوجود بئر بجوار كل نقا، كما كانوا يستدلون على البئر الحلو (المروى) من لون التربة القريبة منه، والذي غالباً ما يميل إلى (الزرقة)، وكنا نسكن على البئر طوال فترة الصيف لمدة أربعة أشهر، ثم (ننيع) في الشتاء، أي: نرتحل بالانتقال من مكان إلى آخر، بحثاً عن المرعى (العشب) والكلأ، ولا نبتعد عن البئر أكثر من ثلاثة إلى أربعة كيلومترات، وإذا وجدت بئر أخرى في المنطقة ذاتها ذهبنا إلى الأقرب. أما في الصيف فنعود إلى البئر القديمة؛ لأن الإبل والأغنام تعرف طريقها إليها جيداً». وتضيف: «في الشتاء بعد هطول (الوسمي)، أي المطر، تنتشر النباتات في كل البادية فيستبشر البدو بـ(العرايين)، و(الفقع)، و(الطراثيث)، ومفردها (طرثوث)، وهو نبات أحمر اللون له رأس تشبه (الطاقية)، وفي نهايته عقدة سوداء، ويوجد منه نوعان: الأول ينبت في الرمل الناعم، ومن مميزاته أنه طويل وحلو المذاق، ويؤكل الجزء الأوسط منه فقط، وذلك بعد تقطيعه إلى دوائر ثم يطهى مع الحليب، أما النوع الثاني فينبت في السيح ومن صفاته أنه قصير، ومالح ولا يؤكل، وإنما يتم قصه وتقديمه غذاء للأغنام. أما (العريون) فهو نبات لونه أبيض، ويشبه في شكله (الطاقية) كذلك، يؤكل بعد أن يشوى أو يحمص، ثم يرش بالملح مع البصل، ويضاف إلى الأرز أو (المكبوس). وهناك نوع آخر من النباتات الشتائية، أو التي تنبت بعد سقوط الأمطار، وهو (الفقع)، ويمتاز بلونيه البني والأبيض، ويسمى (زبيدي)، ويؤكل بعد إضافة الملح والفلفل إليه، أو يضاف إلى (العيش) أي الأرز».
من جانبه، يصف الراوي سالم سعيد سالم الحساني، في كتاب «ذاكرتهم تاريخنا»، الصادر عن الأرشيف الوطني، مزيداً من ملامح الحياة في الشتاء قديماً، موضحاً أن المنازل القديمة كانت تنقسم إلى قسمين: قسم للسكن في الصيف، وأخرى للإقامة بها في فصل الشتاء، وكانت منازل الصيف مصنوعة من دعون يحملونها معهم إلى منطقة المقيظ (التي قد تكون مزرعة أو وادياً)، ولكنهم كانوا يتجنبون السكن في الأماكن المنخفضة خوفاً من هطول الأمطار، وبعد انتهاء القيظ كانوا يحملون الدعون، والروايلة، وتعني أعمدة العريش من جذوع الأشجار، والمواد، ومفردها ماد وهو معراض خشبي يوضع أعلى الخيمة، ويعودون إلى مكان إقامتهم في فصل الشتاء.
منازل الشتاء
منازل الشتاء لها أسماء عدة، منها: المخزن، والكرين، والخيمة، ومكونات بناء هذه المنازل تتمثل في أحجار يتم إحضارها من الجبل على ظهور الحمير، وكذلك الرمل الذي كان يسمى «قنعة»، وكانت تخلط بالماء وتوضع على الأحجار ليتم البناء. وكان بناء المخزن يستغرق شهرين تقريباً، وهو غرفة مربعة الشكل أو مستطيلة لها سقف من جذوع النخيل، وتبدأ عملية البناء بوضع الدعون، وهي حزمة من جريد النخل المرصوص جنباً إلى جنب وموثق بالحبال، ويتم فرشها على الأرض وتخلط بالتراب والتبن والماء، ويوضع الخليط فوق الدعون فتتماسك لتصبح بذلك سقفاً للغرفة مبنياً بمواصفات العزل والتبريد، وأشبه بسقوف الغرف التي يتم السكن فيها حالياً، وفق ما يذكر الحساني، ويضيف: «ويوجد به المخزن درایش، وكان المخزن يجمع في داخله (القطيعة)، التي تسمى حالياً الحمام، وكنا نخزن بها خصف التمر، كما كنا نضع المروس الصغار بعد ولادتها في المخزن الذي ننام فيه معنا، وفي موسم الأمطار كانوا يضعون في مكان مرقدهم موقداً، وغالباً يكون بقرب الباب ليسهل خروج الدخان من المكان».
بناء الكرين
يستغرق بناء الكرين شهرين تقريباً، وهو غرفة مستطيلة تحدها سنطوانتان، السنطوانة هي عمود من الأسمنت يقوم عليه السقف، سنطوانة في جهة اليمين، وأخرى في جهة اليسار، وكل سنطوانة ترتفع إلى أعلى شكل مخروطي، ويبلغ ارتفاع كل سنطوانة ما بين مترين إلى ثلاثة أمتار تقريباً على حسب الدعن، ونضع فوق «الماد» الممتد بين السنطوانتين، وبعد ذلك ننزل الدعن من جهتيه ونشد بالحبل الدعن على الماد وندخل الحبل ما بين الدعن والدعن الآخر وتشد الدعون مع بعضها، ثم نضع من فوقها يواني حتى لا يدخل المطر داخل الكرين، أما السنطوانتان الأخريان فأقل ارتفاعاً. ومن مساكن الشتاء قديماً «الخيمة»، التي يستغرق بناؤها فترة أقل من فترة بناء المخزن أو الكرين، إذ بالإمكان بناء خيمة في 20 يوماً تقريباً، والخيمة في شكلها أشبه بالكرین فهي مثلثة ولها سنطوانتان نثبتهما في الأرض، فلا نرفع جوانبها إلا مسافة متر أو نصف.
مكانة خاصة
في الوقت الحالي؛ لايزال فصل الشتاء يتمتع بمكانة خاصة لدى سكان الإمارات، حيث يعتبرونه فرصة للخروج إلى البر والحدائق والأماكن المفتوحة، للاستمتاع بالطبيعة واعتدال الطقس، فيزداد - في الفترة بين شهرَيْ نوفمبر ومارس من كل عام - الإقبال على التخييم في صحراء الإمارات، وممارسة العادات والأنشطة التراثية المختلفة، والعودة إلى الطبيعة والبادية والبر، والابتعاد عن صخب المدن.
منازل الشتاء لها أسماء عدة، منها: المخزن، والكرين، والخيمة، ومكونات بناء هذه المنازل تتمثل في أحجار، يتم إحضارها من الجبل.
بشائر الشتاء تقترب مع ظهور نجم سهيل في السماء.. مبشراً باعتدال الطقس.