«البيئة الشامية» رهان الدراما السورية في 2021
عودة قوية تشهدها الدراما السورية هذا العام، في ظل العدد المتزايد نسبياً من الأعمال والمسلسلات التي سيتابعها الجمهور العربي في شهر رمضان المبارك 2021، وألق رجوعها بعد سنوات طويلة من التراجع وهجرة أغلب نجومها، ونزوعهم من ثم إلى الدراما المشتركة، لأسباب تتعلق بظروف الحروب ومشكلات الإنتاج والتسويق، وعدد من العوائق التي طفت على السطح خلال السنوات الـ10 الأخيرة، إلا أن هذا العام شاهد على نوع من الانطلاقة الجديدة للدراما السورية، التي يبدو أنها بدأت تستعيد عافيتها، مستندة إلى تاريخ طويل من الأعمال والمسلسلات التلفزيونية الناجحة، التي لايزال بعضها محفوراً إلى اليوم في ذاكرة الجمهور العربي، كأعمال البيئة الشامية التي ستراهن عليها الدراما السورية مجدداً هذه المرة، وذلك عبر ما يقارب 10 أعمال سجلت الرقم الأعلى على صعيد الإنتاج الدرامي في موسم واحد، إلى جانب أعمال اجتماعية معاصرة حاولت الاتكاء، على استحياء واضح، على ما حدث في السنوات الأخيرة من أحداث اجتماعية ارتبطت في ذاكرة المجتمع السوري بأهوال الحروب والصراعات العنيفة.
انتقادات
على الرغم من الانتقادات الكثيرة والمتكررة التي طالت نوعية ومضمون أعمال البيئة الشامية المنطلقة في عام 1992 على يد المخرج، بسام الملا، بمسلسل «حارة شامية»، بسبب إغراقها في الأحداث غير الواقعية، ونأيها عن عكس الصورة الحقيقية للمرأة الدمشقية، وإصرارها من ناحية أخرى على تقديم صورة نمطية مغلوطة عن المجتمع المحلي، إلا أن فئة واسعة من الجمهور استساغت أسرار البيوت والحارات الدمشقية وحكايات «الشوارب» و«القبضايات» وكيد النساء مع «أبناء العم»، ومقارعات الاستعمارين العثماني والفرنسي، وغيرها من القصص التي لطالما استهوت صناع هذه النوعية من الدراما الرائجة، غير المحتاجة غالباً إلى قدرات إخراجية استثنائية ولا إلى إمكانات إنتاجية ضخمة.
استثمار للنجاحات
ومن بين أسماء مسلسلات أعمال البيئة الشامية، يمكن ملاحظة اعتماد بعض المنتجين هذا العام على استثمار نجاحات المواسم السابقة لعدد من الأعمال الشهيرة، أبرزها مسلسل «باب الحارة» الذي سيبلغ هذا العام جزأه الـ11، ليكون بذلك أطول مسلسل درامي عربي على الإطلاق، وذلك بعد أن تجاوزت عدد حلقاته الـ300 ساعة درامية، فيما شهدت أحداثه المتشابكة مشاركة غير مسبوقة لمجموعة واسعة من نجوم الدراما السورية المنحدرين من أجيال متلاحقة، فيما تعاقب على كتابة وإخراج أجزائه السابقة عدد كبير من الكتّاب والمخرجين، ليستقر موسمه الحالي عند الكاتب مروان قاووق، والمخرج محمد زهير رجب الذي أنجز الجزء السابق منه.
من جهة أخرى، سيضرب المشاهدون موعداً جديداً هذا العام، مع الجزء الثاني من مسلسل «سوق الحرير» للأخوين بسام ومؤيد الملا، اللذين سيحاولان الاستفادة من الانتقادات التي وُجهت لهذه النوعية من الأعمال الدرامية وتخطيها، عبر تقديم بانوراما مرئية للعاصمة السورية دمشق في منتصف القرن الماضي، وما شهدته من انفتاح فني وثقافي واجتماعي ملحوظ في تلك الفترة.
أما الجزء الثاني من مسلسل «بروكار»، للمخرج محمد زهير رجب، فسينخرط هذا العام في تقديم نمط جديد من التناولات الدرامية عبر تسليط الضوء على دور المرأة الإيجابي في الحراك الوطني، وطبيعة الحياة الاجتماعية آنذاك، بالاعتماد على نخبة من نجوم الدراما السورية.
ومع المخرجة رشا شربتجي، والكاتب أسامة كوكش، سيتابع الجمهور مسلسل «حارة القبة» الذي يتصدى لبطولته كل من عباس النوري، سلافة معمار، نادين تحسين بيك، شكران مرتجى، صباح الجزائري، وفاء موصللي، وتتزامن أحداث العمل الجديد، الذي سيعرض في السباق الرمضاني هذا العام على تلفزيون دبي وعدد من الشاشات العربية، مع اندلاع الحرب العالمية الأولى عام 1914، وانغماس السلطنة العثمانية فيها، وذلك مع إعلان السلطان محمد رشاد، النفير العام أو «السفر برلك»، الذي أجبر على خوضه أبناء البلاد الخاضعة لحكم السلطنة ومنها بلاد الشام، فكانت رحلة ذهاب بلا عودة، فيما تدور الأحداث بين شخوص إحدى الحارات الدمشقية «حارة القبة»، وشخوص إحدى قرى ريف دمشق في زمن الإقطاع وهي «قرية ضهر الجبل»، لتسير بين المكانين ضمن حبكة درامية تراهن على الإثارة والتشويق.
حكايات «غير اعتيادية»
وفي أولى تجارب النجم السوري، حسام تحسين بيك، في الكتابة، والمخرج سمير حسين في أعمال البيئة الشامية، سيتابع الجمهور هذا العام مسلسل «الكندوش» الذي يؤكد صُناعه أنه سيقدم صورة وفية عن أهل الشام في تلك الفترة، وسيبتعد عن السبك التصعيدي التقليدي للأحداث، لفائدة تكريس نسيج معطيات مكثف أكثر خصوصية في جوهر كل شخصية، وذلك من خلال الانطلاق من قصة رجل غني وطيب، له هيبته ووقاره وحضوره في الحارة الشامية، وقصة غرامه الصادمة مع امرأة أرملة، وصراعهما الدائم الذي يشاركهما فيه على الشاشة كل من النجوم أيمن زيدان، صباح الجزائري، أيمن رضا، شكران مرتجى، سامية الجزائري، كندا حنا، وغيرهم.
وللمرة الأولى يقدم مسلسل «عرس الحارة»، للكاتب مروان قاووق والمخرج كنان إسكندراني، حكايات غير اعتيادية في أعمال البيئة الشامية، من خلال ربط الأحداث مع البيئة اللبنانية في بدايات القرن الـ20، ويشارك في العمل الجديد نخبة من النجوم من سورية ولبنان.
أما مسلسل «جوقة عزيزة» لخلدون قتلان والمخرج تامر إسحاق، فيروي ضمن أجواء دمشقية العديد من الأحداث الدرامية المشوقة، التي تنسحب على أجواء مسلسل «ولاد سلطان» للمخرج غزوان قهوجي، الذي يدخل به ثانية تجاربه الإخراجية بعد مسلسل «شوارع الشام العتيقة»، ويتشارك في صنعه مع ثلة من النجوم السوريين أمثال سليم صبري وحسام تحسين بيك وعبدالمنعم عمايري وهدى شعراوي وآخرين.