«كورونا» فرض ممارسات ومخاوف أقرب إلى الوسواس
يتفق الجميع على أن جائحة «كورونا» فرضت تدابير استثنائية اتخذتها الدول والأفراد للحد من انتشار العدوى، إلا أن هذه التدابير أثرت مع مرور الوقت وتطور أشكال المرض وسرعة انتقاله بين البشر على سلوك الأفراد، ومن ثم على أشكال حياتهم الاجتماعية اليومية، فأوجدت واقعاً مغايراً، ومخاوف فرضتها ظروف الحجر الصحي، وما تبعها من تداعيات عالمية مرتبطة بفقدان موارد الرزق، وفرص العمل، وظهور أنماط تعليم جديدة للأطفال، وغياب الاتصال المباشر مع أفراد الأسرة الكبيرة والأصدقاء والزملاء، والأهم التحديات النفسية، ومشاعر الخوف والرهبة من الإصابة بعدوى الفيروس، والشعور المستدام بالقلق إزاء الأشخاص المعرضين للخطر.
«الإمارات اليوم» طرحت عبر منصاتها على مواقع التواصل الاجتماعي سؤالاً مفاده: «هل تحول الخوف من كورونا إلى فوبيا ووسواس يربك حياتنا اليومية؟»، فجاءت تفاعلات القراء وإجاباتهم متقاربة نوعاً ما، وذلك بعد أن بلغت نسبة القراء الذين أكدوا الأمر أكثر من 55%، أشاروا إلى أن الفيروس فرض ممارسات ومخاوف أقرب إلى الوسواس، مقابل 45% أشاروا إلى التزامهم بالتعليمات الصادرة عن الجهات الصحية وتوخيهم الحذر الكامل في التعاطي مع موجة الشائعات والأقاويل المتزامنة مع ظهور الفيروس وانتشاره في عدد من مدن العالم.
غير كل شيء
ووصفت القارئة مايا نجار الرهبة العامة من فيروس كورونا قائلة إنه «غير كل تفاصيل حياتنا، فأصبحنا نخاف من كل شيء»، فيما لم يخف القارئ أبوعبدالله الجابري تخوفه مما ينشر بشكل مستمر من تقارير حول عدد الإصابات اليومية بالفيروس، في الوقت الذي أيد القارئ عبدالرحمن خميس سؤال «الإمارات اليوم» حول تداعيات الفيروس المربكة لحياة الأفراد خصوصاً الفئة التي عاشت التجربة أو ما عبر عنه بالقول: «أولئك الذين يعرفون خطورة الفيروس»، ليشاركه الرأي القارئ ميشيل تقلة والقارئ سامي عياد المجالية وعادل درويش من مصر. فيما دعت قارئة أخرى إلى ضرورة دمج الأمراض النفسية ضمن التأمين الصحي العام، خصوصاً مع الارتفاع المطرد والواضح لنسب الأمراض غير العضوية، مؤكدة أن هذا الأمر سيكون «مهماً جداً لحماية المجتمع».
«تضخيم» إعلامي
أكدت القارئة دلال المري أن «الإعلام لعب دوراً سلبياً وزرع الخوف وأسهم في تضخيم الموضوع»، فيما أكدت سليمة كريم، أنها لم تصل إلى مرحلة الخوف والوساوس، بسبب ما بادرت إليه دولة الإمارات من إجراءات وقائية فعالة لحماية جميع أفراد المجتمع، قائلة «لا يوجد بلد في العالم قام بما قامت به الإمارات في هذا المجال».
أما القارئ محمد المصري، فأكد أنه لا داعي للخوف ما دام الجميع حريصاً على ارتداء الكمامات وعلى الحفاظ على التباعد الاجتماعي، وعلى قناعة بقيمة وضرورة أخذ اللقاح. في المقابل، نوه القارئ عبدالرحمن الكعبي إلى استيائه من وضع الكمامات بشكل دائم واستخدام مواد التعقيم في كل تفاصيل الحياة بالقول: «لا يتوقف الخوف من الإصابة بل يتعداها إلى إمكانية نقل الإصابة للأصدقاء والأهل والأقارب، وذلك في ظل الحديث عن تحور الفيروس في مناطق متعددة حول العالم»، بينما ذهبت القارئة بثينة المري إلى أن «التضخيم الإعلامي والترهيب الذي رافق أخبار انتشار الفيروس، أسهم بشكل كبير في إعطاء الموضوع أكبر من حجمه، ليتحول الحديث عن (فوبيا) ووسواس».
الصحة النفسية
وحول تداعيات الجائحة على الصحة النفسية والحياة الاجتماعية للأفراد، أكد الدكتور جوزيف الخوري، رئيس قسم الطب النفسي والصحة السلوكية في المستشفى الأميركي بدبي، أن جائحة كورونا غيرت أنماط السلوك اليومي لعدد من فئات المجتمع، باعتبار سعي الكثيرين لتجنب التقاط عدوى المرض، مشيراً في الوقت نفسه إلى تعدد أنواع الاستجابة لهذا «الحدث الطارئ»، التي اعتبرها متوقفة عند نوعية الأشخاص ودرجات استجاباتهم المختلفة لها «يمكن الحديث هنا عن الفئة الأولى التي تعاملت بأريحية وسهولة مع التعليمات والتوجيهات الصحية الجديدة، باعتبار انتباههم القائم والدائم إلى التقاط أي نوع من الفيروسات أو الإصابات بشكل عام على عكس الفئة الثانية من الأشخاص الذين لا يمتلكون الخوف المطلوب لحماية أنفسهم، وهم مطالبون في هذه المرحلة بتغيير سلوكياتهم تغييراً جذرياً، ما يجعل الأمر أكثر صعوبة عليهم». «أما الفئة الثالثة التي تعاني بالأساس (الوسواس القهري)، فقد تخطت موضوع الالتزام بالتعليمات والتوجيهات الصحية المطلوبة، لأنها تمارس بالأساس أفعالاً تتخطى حدود النظافة والحرص على التعقيم، إلى سلوكيات وأفعال تهدف بالأساس إلى حماية أنفسهم بشكل زائد». وحول مدى استجابة الفئات الثلاث وتأثرها بمخلفات الوباء النفسية، أكد الدكتور الخوري، أن الفئة التي تعاني الوسواس القهري لم تتأثر كثيراً بالإجراءات بسبب الحماية الزائدة التي يوفرونها لأنفسهم، على عكس الفئة الأولى التي أشرنا إليها سابقاً والتي اتخذ أغلبها إجراءات الحيطة والحذر بشكل أكبر من الفئة الثانية، حيث تم ملاحظة دخول بعض الأشخاص إلى منطقة «الوسواس القهري» وتأثر علاقاتهم الاجتماعية داخل المنزل الواحد، في الوقت الذي لم يتمكنوا من استعادة طبيعتهم، فظلوا بالتالي ضمن فئة الخوف الزائد، في حين نجحت الفئة الثانية التي بدأت تعود إلى حياتها الطبيعية بعد أن بذلت المؤسسات والجهات الصحية الكثير من الجهد لإقناعها خلال فترة العزل المنزلي بضرورة الالتزام بالتعليمات الصحية.
مايا نجار:
«الجائحة غيّرت كل تفاصيل حياتنا وأصبحنا نخاف من كل شيء».
دلال المري:
«الإعلام لعب دوراً سلبياً وزرع الخوف وأسهم في تضخيم الموضوع».
بثينة المري:
«التضخيم والترهيب أسهما في تحويل الخوف من الفيروس إلى فوبيا».
• تدابير الوقاية من «كورونا» أوجدت واقعاً مغايراً فرضه الحجر الصحي وما تبعه من تداعيات اقتصادية عالمية أثرت على حياة الناس.
• التحديات النفسية ومشاعر الخوف من الخطر والحاجة للقاء الآخرين أبرز المخاوف التي عاشها الكثير من الناس خلال الفترة الماضية.
نصائح
دعا رئيس قسم الطب النفسي والصحة السلوكية في المستشفى الأميركي بدبي، جوزيف الخوري، إلى ضرورة اتباع التعليمات والتدابير الصحية الصادرة عن الجهات الرسمية الموثوقة، وعدم الالتفات إلى الشائعات المتداولة بكثرة على الفضاءات الرقمية، مؤكداً على ضرورة التريث وعدم التسرع في العودة إلى الحياة الطبيعية، مخافة العودة إلى الإغلاق الذي أثر بشكل جلي على الصحة النفسية للأفراد.
• «فئة من الناس تعاملت بأريحية وسهولة مع التعليمات والتوجيهات الصحية الجديدة».
• «من كان يعاني الوسواس القهري لم يتأثر كثيراً بسبب الحماية المعتاد عليها».