مهرجان سالزبورغ: 5000 موظف من 60 دولة في «مَهمّة موسيقية»
يتسم مجال الموسيقى الكلاسيكية بأنه معولم جداً، فبين منتصف يوليو ونهاية أغسطس، يستعين مهرجان سالزبورغ «سالسبورغر فيستشبيليه» الدولي بـ5000 موظف من 60 دولة، حيث بيعت هذه السنة نحو 220 ألف تذكرة، على الرغم من جائحة «كوفيد-19»، راوحت أسعارها بين 5 يورو و445 يورو (نصفها أقل من 105 يورو)، ويشمل برنامج المهرجان 168 حدثاً على مدى 47 يوماً، بموازنة قدرها 60 مليون يورو.
فمنذ أشهر مثلاً، يجري العمل على نحت الأقنعة لدون جوفاني، فيما ينشغل صانعو القبعات ومصممو الأزياء كلّ في مجاله بمناسبة المهرجان، ويبدو الأمر أشبه بمدينة حقيقية تعمل داخل المدينة على تحقيق «الحلم المنظم»، كما يقول المدير الفني ماركوس هينترهويزر.
وترى رئيسة المهرجان، هيلغا رابل - شتادلر، التي ستتقاعد في الخريف المقبل بعد ربع قرن من التفاني في العمل، أن «جعل كل هؤلاء الناس من مختلف القارات يسعون إلى تحقيق الهدف نفسه، هو مهمة هائلة».
وتقول: «في عام 1920، خطط المؤسسون لبناء مركز فني عالمي على أرض نمساوية يتجاوز الأمم، ربما توصلنا تقريباً إلى تحقيق ذلك».
تحت سقف قصر المهرجانات الكبير في مدينة سالسبورغ النمساوية، حيث تصدح الألحان منذ ستة عقود، يتنافس أشهر الفنانين كل صيف لتخليد أسمائهم وذكرى مرورهم في هذا الصرح الموسيقي العالمي العريق.
فهذا المكان الذي افتُتِح في 26 يوليو 1960، وتقام فيه عروض مهرجان سالزبورغ «سالسبورغر فيستشبيليه»، يعد من أهم معالم الفن الغنائي، ويتمنى الفنانون الغناء بين جدرانه، إذ يتميز بما يوفره من إمكانات صوتية، وبخشبة مسرحه الضخمة التي تعاقب عليها كبارٌ، من أمثال بلاسيدو دومينغو ولوتشانو بافاروتي.
وتؤكد هيلغا شتادلر أن «ولادة هذه القاعة كانت معجزة خالصة».
وتستذكر رابل-شتادلر تاريخ هذا المبنى الفريد الذي يتكون من قاعتين صغيرتين متجاورتين، إحداهما سميت «منزل لموزار» والثانية «دوامة الصخور».
وتروي: «أراد المهندس المعماري كليمنز هولتسمايستر، بإدارة قائد الأوركسترا هربرت فون كارايان، تنفيذ هذا المشروع الرائد، وفي عام 1956، رصدت الدولة 210 ملايين شلن لبنائه، وهو مبلغ ضخم».
في تلك الحقبة، كان مهرجان الموسيقى والمسرح، الذي تأسس عام 1920 كمشروع سلام بعد الحرب العالمية الأولى، يقام في أحياء متواضعة، متكئة على الصخرة التي تشرف على المدينة القديمة.
وكانت جمهورية النمسا الصغيرة التي دمرتها الحرب العالمية الثانية تحررت لتوها عام 1955 من القوات المحتلة، وكانت تعوّل كلياً على الثقافة، فجعلت من هذا «القصر الكبير» الذي يضم 2179 مقعداً رمزًا للتجدد.
وبُنيت الخشبة التي يبلغ عرضها 100 متر بتفجير 50 ألف متر مكعب من الصخور بالديناميت، ويدخل الجمهور المكان من الشارع، عبر خمسة أبواب برونزية ضخمة.
وزينت القاعة والردهة بالأعمال الخشبية واللوحات الجدارية والفسيفساء والمنحوتات والمنسوجات، التي توفر أجواء متأنقة بفضل موادها الخالدة.
حميمية صوتية
ما يجعل هذه القاعة فريدة هو «صوتياتها الرائعة فعلاً»، على ما يلاحظ قائد الأوركسترا فرانتس فيلزر-موست، الذي قدم فيها 74 حفلة.
ويقول فيلزر-موست المتحمس للعودة إليها هذه السنة: «عند دخول المسرح، تشعر بالرهبة نظراً إلى ضخامة المكان، لكنّه يوفّر في الواقع حميمية صوتية تفوق الخيال».
ويلاحظ أن «أكثر الأصوات ضعفاً تنتشر بطريقة تتيح حتى للجمهور الجالس بعيداً سماعها بشكل مباشر جداً».
وإذا كانت سالزبورغ استضافت كبار الفن الغنائي، فإن دورها يكمن أيضاً في رعاية «المواهب التي ستشكل موسيقى الغد»، على ما يرى هينترهويزر.