«جزيرة غمام».. ملحمة تستدعي الصراع التاريخي بين الخير والشر
من جديد يأتي الكاتب عبدالرحيم كمال، ليحمل المشاهدين إلى عالم مختلف عبر مسلسل «جزيرة غمام»، الذي يعرض ضمن الدراما الرمضانية هذا العام، ويحقق نسب مشاهدة مرتفعة، وهو أمر ليس جديداً على صاحب «الخواجة عبدالقادر»، و«شيخ العرب همام»، و«ونوس»، الذي اعتاد أن يأخذ المشاهد في أعماله، ليغوص عميقاً في النفس البشرية والحياة، طارحاً قضايا فكرية وفلسفية عدة، في إطار يستلهم الأساطير الشعبية والملاحم القديمة.
تدور أحداث المسلسل في جزيرة من خيال الكاتب، وفق ما تمت الإشارة إليه في المقدمة، في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، وتبدأ برجل الدين في الجزيرة (الشيخ مدين) وهو يوزع تركته على مريديه الثلاثة، ليعطي السلطة الدينية لـ(محارب)، الذي يجسّده الفنان فتحي عبدالوهاب، ويرمز للتشدد وهو ما يظهر في الاسم، ويعطي بيته لـ(يسري)، الذي يجسّده الفنان محمد جمعة، ويمثل التيار الديني المرتبط بالغيبيات، بينما يعطي سبحته لـ(عرفات)، الذي يؤدي دوره الفنان أحمد أمين، ويرمز إلى التيار الصوفي، كما أعطاه الدفتر الذي كان يسجل فيه خطايا سكان الجزيرة.
وفي الوقت نفسه يصل إلى الجزيرة «طرح البحر»، وهم جماعة يشبهون الغجر الرحّل الذين ينتقلون من مكان إلى آخر.
من البداية يدرك المشاهد رمزية الصراع بين الشخصيات، ولعل الأبرز الصراع بين (خلدون)، الذي يقوم بشخصيته الفنان طارق لطفي، ويمثل الشيطان أو «الشر»، و(عرفات)، الذي يمثل الخير والنقاء والصفاء، وهو الصراع الأزلي الذي بدأ من بداية الخليقة، بينما تمثل (العايقة)، التي تقوم بشخصيتها الفنانة مي عزالدين الحياة وملذاتها وشهواتها. ورغم قسوة الصراع، فإن تناول الكاتب له جعل الأحداث تنساب بسلاسة تغلفها نفحة صوفية روحانية تبرز في الحوار، خصوصاً في مشاهد (عرفات)، وهو ما جعل كثيرين من متابعي العمل يشيرون إلى أنه يقدم لهم إجابات لكثير من التساؤلات التي تدور في أذهانهم، وأشار البعض إلى أن العمل يشعر المشاهد بالسكينة والسلام الداخلي خلال متابعته.
رغم أن النص المميز لعبدالرحيم كمال يُعدّ الدعامة الرئيسة لنجاح المسلسل المصري، فإنه ليس السبب الوحيد، إذ تتضافر كل العناصر الفنية في العمل، مثل التصوير والإضاءة والأزياء والديكور والموسيقى التصويرية، لتخلق منه ما يشبه سيمفونية متكاملة. كذلك يبدو أداء الفنانين المشاركين في المسلسل، مثل مباراة رفيعة في الأداء، تحت قيادة المخرج حسين المنباوي، في مقدمتهم أحمد أمين، الذي يكشف من خلال دور عرفات عن موهبة أصيلة وحضور بارز، وطارق لطفي الذي جسّد شخصية (خلدون) بنضج وتميز كبيرين، ومي عزالدين التي تعود من خلال العمل إلى البطولة الجماعية. كذلك تألق الفنانين رياض الخولي وفتحي عبدالوهاب ومحمد جمعة ومحمود البزاوي ووفاء عامر وغيرهم.
علي الحجار وإبراهيم عبدالفتاح
جاءت أغنية مقدمة المسلسل، التي جمعت بين الشاعر إبراهيم عبدالفتاح والفنان علي الحجار، اللذين قدما معاً واحدة من أجمل أغاني فترة التسعينات، وهي «لما الشتا يدق البيبان»، وموسيقى شادي مؤنس، لتضيف مزيداً من الجمال والتكامل للعمل، ولتروي قصة الجزيرة بعد أن «حط الغمام عليها وغيّر هواها وطباعها».
• مؤلف العمل اعتاد أن يأخذ المشاهد في أعماله، ليغوص عميقاً في النفس البشرية والحياة.