مسلسلات القص واللصق.. متى تعلن الشاشة العربية «الاكتفاء الذاتي»
ظاهرة درامية عربية كرّستها بعض شركات الإنتاج في المنطقة، باعتمادها وبنسق متزايد كل مرة، خلال السنوات الأخيرة، عدداً من نسخ أعمال درامية أجنبية حققت نجاحات جماهيرية لافتة في بلدانها، إذ اشترت تلك الشركات حقوق المحتوى الدرامي لإعادة صياغتها بما يتوافق مع البيئة التي ستقدم فيها، من دون المساس بالخطوط الأساسية لهذه الأعمال التي غزت الشاشات العربية، وتنافس بشدة القصص العربية في سباقات الريادة والمشاهدات، وذلك، بالتوازي مع خط الاقتباسات الذي انتهجه عدد من الفضائيات والقنوات العربية، وشمل عدداً من الإنتاجات السينمائية وبرامج منوعات ومسابقات أجنبية شهيرة ذات إنتاجات ضخمة قدمت نسخاً وأنماطاً جديدة كلياً على الجمهور العربي، كان المستفيد الأكبر من ورائها، شركات إنتاج كبيرة.
وعلى الرغم من غزارة الإنتاجات الدرامية العربية المقتصرة في أغلبها، على شهر رمضان من كل عام، إلا أن ظاهرة «النسخ الأجنبية» أو «الفورمات» حجزت مكاناً واهتماماً ملحوظين ليس فقط من قبل هواة الدراما التلفزيونية فحسب، وإنما من قبل شركات الإنتاج العربية التي انطلقت من دون تردد في التصدي لتنفيذ عدد من النسخ العالمية الناجحة، ولربما عاد ذلك، لقناعاتها بحتمية تحقيق هذه الأعمال لهوامش ربح واسعة، في الوقت الذي كرست ورش الكتابة المختصة، التي تتفاوت بدورها في «الإمكانات الإبداعية» المتاحة وفي خبرة كتّاب سيناريوهاتها على فهم واستيعاب روح العمل الأجنبي وتقديمه بمقومات فنية عربية، جهودها في ترجمة «صيغ درامية» ذات صبغة محلية مقنعة، تحاول من خلالها استثمار روح الأعمال الأصلية وحبكتها، لتتوافق مع «المزاج» العربي العام الذي مازال بدوره رهين «ثيمات» بعينها وفورمات أعمال الـ«30 حلقة» وتجارب المواسم المتكررة المعتمدة على نجاحات المواسم الأولى.
ويبرر اتجاه صنّاع الدراما ورواد الإنتاج الفني العربي عموماً إلى هذه النوعية من الأعمال المقتبسة، بضعف النصوص العربية المطروحة التي يغلب عليها فقر القصص وخلل الحبكة الدرامية الذي تضاعفه أساليب الكتابة ووهن التناول، فضلاً عن دوران معظمها في دائرة الحكايات المكررة في عشرات الأعمال السابقة، على عكس أعمال النسخ الأجنبية التي تجند لصياغتها فرق كتّاب يشهد لهم بالكفاءة والخبرة الطويلة في الميدان، الأمر الذي يضاف إلى خضوع معظم هذه الأعمال إلى شروط إنتاجية خاصة على أعلى مستويات الحرفية، ما يضمن لها النجاح والتميز، ومن ثم الشهرة التي تتخطى، في أكثر الأحيان، حدود اللغات التي قدمت فيها، وصولاً إلى العالم العربي.
ورغم كل هذه الاعتبارات، لم تسلم أعمال النسخ الأجنبية من فخاخ التكرار وانتقادات فئات واسعة من عشاق الدراما عموماً، لأسباب عدة، أبرزها عدم اختيار صناعها للوجوه المناسبة وضعف أداء البعض منهم للأدوار مقارنة بالنسخ الأصلية، أو تحديات معالجات بعض هذه النسخ التي لا يبدو لبعضها علاقة بقضايا المجتمعات العربية وأزماتها.
ويبرز مسلسل «سوتس بالعربي»، الذي عرض في رمضان الماضي، والمقتبس عن نسخة أميركية، كآخر إنتاجات هذا الطقس الفني الجديد في الدراما وأحدث إطلالاته، إذ تدور أحداث العمل في واحدة من كبريات شركات المحاماة التي تضم عدداً من الشخصيات الطموحة والمتنافسة، الساعية نحو تحقيق طموحاتها في المجال برؤية تلفزيونية مغايرة وموضوعات «حداثية» ونسق سريع وجاذب يراهن على التشويق والمفاجآت.
من جانب آخر، استطاع مسلسل «غراند أوتيل» المقتبس عن نسخة إسبانية تحقيق النجاح المتوقع، الذي انسحب بدوره على مسلسل «طريقي» للفنانة المصرية شيرين عبدالوهاب، والمأخوذ عن عمل كولومبي، فيما اقتبست فكرة مسلسل «حلاوة الدنيا» للنجمة هند صبري وظافر العابدين، من مسلسل مكسيكي ناجح. أما مسلسل «سكر زيادة» لنادية الجندي ونبيلة عبيد، فقدم نسخة كوميدية من أحداث مسلسل «الفتيات الذهبيات» الذي قدمته الدراما الأميركية في فترة الثمانينات.
وفي السياق نفسه، انخرطت الدراما السورية - اللبنانية المشتركة بدورها مبكراً في موجة الاقتباسات من النسخ الأجنبية، وذلك، بعد تقديمها لمسلسل «لو» للنجوم عابد فهد ويوسف الخال ونادين نجيم، المقتبس عن الفيلم الأميركي (Unfaithful) للنجمين ريتشارد جير وديان لين، فيما قدّم المخرج سامر البرقاوي مع يوسف الخال ونادين نسيب نجيم مسلسل «تشيللو» المقتبس عن فيلم (Indecent Proposal) لديمي مور وروبرت ريدفورت.
بديل لاجتذاب الجمهور
رغم موجة الانتقادات، لا تشكل تجربة استثمار نجاحات الأعمال الأجنبية في نسخ عربية عموماً تهديداً مباشراً «للكيانات الفنية المحلية»، لأنها وإن ضمنت التصدي لسرقة الأفكار الأصلية والتعدي على حقوق المؤلف التي بدأت تشكل ظاهرة «مقلقة» في الدراما العربية، فإنها تبرز اليوم كبديل مناسب يمكن لحكام العملية الإنتاجية التعويل عليه لاجتذاب الجمهور، في غياب نسخ عربية متفردة تراهن على ريادة المشهد الدرامي.
صنّاع للدراما يبررون اتجاههم إلى هذه النوعية من الأعمال المقتبسة، بضعف النصوص العربية المطروحة التي يغلب عليها فقر القصص وخلل الحبكة.