التجارب على ذباب الفاكهة تكشف لماذا يجافينا النوم أحيانا رغم الشعور بالإرهاق الشديد؟
بعد دراسات متعمقة أجريت على ذبابة الفاكهة، توصل فريق بحثي من الولايات المتحدة إلى أن النوم السريع أو السهاد رغم الشعور بالتعب والإرهاق يرتبط بنشاط خلايا عصبية معينة داخل المخ.
ووجد الفريق البحثي من كلية الطب بجامعة واشنطن في سانت لويس وجامعة ميزوري في كانساس أن ذبابة الفاكهة تظل متيقظة ويجافيها النوم في حالة الشعور بالخطر رغم قضاء يوم شاق، وهم يأملون أن تساعد هذه الدراسة في التوصل إلى أساليب جديدة لعلاج مشكلات الأرق وتحسين إمكانية النوم لدى البشر بشكل عام.
ويقول الباحث بول شو استاذ طب الأعصاب بجامعة واشنطن: "إذا كنت مريضا أو مرهقا أو تعلمت شيئا جديدا، فإنك تنام فترات أطول"، ولكنه استطرد قائلا: "ولكن إذا ما حدث لك شيئا خطيرا، فإن عقلك يقول لك (كلا الآن ليس وقت النوم مهما كنت تشعر بالتعب)، فالخلايا العصبية التي تتحكم في النوم هي التي تحدد الفرق بين النوم في أمان والنوم في أوقات الخطر".
ومن المعروف أن عادات النوم لدى ذبابة الفاكهة تتشابه إلى حد كبير مع عادات النوم لدى الإنسان، فالذبابة تنشط في ساعات النهر وتنام ليلا، وأحيانا تغفو قليلا وقت القيلولة لاسيما في الأيام الحارة، كما أن الكافيين يبقيها متيقظة، وتتأثر بالأدوية المهدئة والمنومة التي يتأثر بها الانسان. ولكن الفارق الأساسي بيننا وبين الذباب، هو أن مخها أصغر ملايين المرات من مخ الانسان، مما يجعل من السهل التعرف على الدور الذي تقوم به كل خلية عصبية في التأثير على سلوك الذبابة.
وفي إطار الدراسة التي نشرتها الدورية العلمية "بلوس بيولوجي" المتخصصة في الأبحاث في علم الأحياء، عكف شو وزميله ستيفان ديزل المتخصص في العلوم البيولوجية بجامعة ميزوري على دراسة 24 خلية عصبية داخل مخ الذباب، باعتبار أن هذه الخلايا هي المسؤولة عن استيقاظ الذبابة ونومها.
وتوصل الباحثون إلى أن هذه الخلايا العصبية تتلقى الإشارات الخاصة بالنوم من خلايا أخرى داخل المخ عبر ما يطلق عليه اسم الناقلات العصبية، وركزت الدراسة على تحديد ما إذا كانت المؤثرات الخارجية المختلفة التي يتعرض لها الذباب تؤثر على استجابة تلك الخلايا الـ24، وبالتالي على تحفيز الشعور بالنعاس لدى هذه الحشرات.
وتشير دراسات سابقة إلى أن النوم يعزز عملية الذاكرة والتعلم، ويقوي القدرات الابداعية، وأن البشر والذباب ينامون لفترات أطول، بعد القيام بأنشطة ذهنية. وفي إطار الدراسة، أثبت الباحثون أن الحياة في بيئة اجتماعية مزدحمة أو اكتساب سلوكيات جديدة تحفز تغيرات جزيئية داخل الخلايا العصبية المسؤولة عن النوم في مخ الذباب، بحيث تجعلها أقل استجابة لهرمون الدوبامين، المسؤول عن التيقظ، وبالتالي تصبح أكثر ميلا للنعاس.
ومن ناحية أخرى، وجد الفريق البحثي أنهم عندما يزعجون الذباب بشكل منتظم أثناء النوم عند طريق تحريك الزجاجات التي تعيش داخلها على سبيل المثال، فإن مخ الذباب يفرز مادتي الجلوتامات المحفزة على النوم وكذلك ألاتوستاتين إيه التي تحفز الشعور بالتيقظ في نفس الوقت. ويتسبب هذا المزيج المتضارب من المادتين في بقاء الذباب متيقظا رغم الشعور بالارهاق، بغرض مواجهة هذا الخطر الذي يتهدده.
ويقول شو في تصريحات أوردها الموقع الإلكتروني "ميديكال إكسبريس" المتخصص في الأبحاث الطبية إن "كثير من الناس لا ينامون جيدا ولا يعرفون السبب راء ذلك، وتشير البيانات التي توصلنا إليها إلى أن هناك استعداد وراثي بشأن طريقة تفسير مراكز النوم داخل المخ للإشارات العصبية المختلفة، وإذا ما حدث خلل في هذه المنظومة، لا يستطيع الانسان النوم".
وأضاف أنه "من خلال فهم أسباب ظهور هذه الإشارات العصبية المتضاربة داخل المخ، يمكننا أن نفهم كيفية ابتكار أدوية ووسائل علاجية لمشكلات النوم لدى البشر".
ومن الأمور المثيرة للدهشة أن أحد الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لتحسين جودة النوم ما يعرف باسم "القيود الزمنية لتناول الغذاء". فذباب الفاكهة عادة ما يأكل على مدار اليوم، ولكن بغرض هذه التجربة، قام الفريق البحثي بتحديد فترة زمنية للذباب لتناول الغذاء، وهي ما بين الثامنة صباحا والخامسة مساء. وبعد مرور أسبوع، أصبحت الخلايا العصبية المسؤولة عن النوم لدى الذباب أكثر حساسية لهرمون الدوبامين، واستمرت هذه الحساسية لعدة أيام قبل أن تعود إلى وضعها الطبيعي بعد رفع القيود على توقيتات تناول الغذاء للذباب.
ويقول الباحثون إنه خلال هذه الفترة، كان الذباب ينام لفترات أقل دون أن تظهر عليه مؤشرات على الشعور بالارهاق، في مؤشر على أن جودة النوم لدى الذباب قد تحسنت بالفعل.
ويقول شو إن "تقييد توقيتات تناول الطعام أصبحت قضية مهمة للغاية في الوقت الحالي" بالنسبة للدراسات الخاصة بالنوم، موضحا أن الفرضية العلمية تشير إلى أن قصر توقيتات تناول الغذاء على عدة ساعات في اليوم فقط سوف يساعد في تحسين جودة النوم والحفاظ على وزن مثالي". غير أن الأدلة على إثبات هذه الفرضية مازالت غير مؤكدة، وإن كانت نتائج التجربة قد أثبتت بالفعل أن تحديد توقيتات تناول الغذاء تؤثر إيجابيا على جودة النوم لدى ذباب الفاكهة، وربما يكون من الممكن الاستفادة من هذا الارتباط في مساعدة البشر على النوم بشكل أفضل" في المستقبل.