باولا أنزيكه.. تنسج أعمالها الفنية بالصوف والكشمير «والبهار»
عبر الخيوط والأعمال المنسوجة بأشكال مختلفة، قدمت الفنانة الإيطالية باولا أنزيكه، رؤيتها البصرية في معرض حمل عنوان «قضية متشابكة»، وذلك ضمن برنامج «لورو بيانا» للفنان المقيم في مركز تشكيل بدبي. نسجت أنزيكه حكايتها الخاصة بالفن من خيوط الصوف والكشمير، وحاكت عبر حركات اليد المتكررة أعمالاً تتبعت فيها التفاصيل الدقيقة لحِرفة النسيج وتلوينه وصياغته، واستعانت الفنانة الإيطالية خلال إقامتها في الإمارات بالإرث المحلي، ونفذت أعمالها بعد أن قامت بعملية استكشاف وبحث في كل أنحاء الدولة.
حملت الأعمال التي قدمتها أنزيكه في المعرض الذي يستمر حتى 10 يناير، منحى خاصاً في التعاطي مع الخيوط، فصاغت منها أشكالاً غير مألوفة، وجردتها من الشكل النمطي للنسيج، وصنعت من تشابكها أشكالاً لانهائية. وانجذبت الفنانة إلى حِرفة النسيج وأنواع محددة من الخيوط، لأن المواد تؤثر في الشكل النهائي للعمل، وكذلك في الأساليب الخاصة بالتصميم، ولهذا كانت تنسج من الخيوط ما يشبه الشبكات التي تتدلى من سقف الصالة، أو تتشابك على الجدران، ثم تتعمد تصميم الجدائل من خيوط أخرى أكثر نعومة. ولم تكتفِ الفنانة بصياغة الأشكال الضخمة، بل تعمدت تقديم منسوجات صغيرة الحجم، وصممتها على شكل الأواني التي تستخدم في الإمارات.
بحثت الفنانة في الثقافة الخفية في الإمارات، وجمعت من خلال جولتها في الدولة، الأصداف والكريستال والأحجار والمرجان والأعشاب، وغيرها من العناصر الطبيعية، وقدمتها ضمن معرضها الفني. تعمدت أن تجمع كل هذه الأشكال لتعبّر عن الثقافة المحلية من جهة، والثقافات المتشابكة في الإمارات من جهة أخرى، وكذلك لتشير إلى أهمية البحث في العمل الفني. كما قدمت قطعاً فنية يمكن أن تُلبس، لتتيح للجمهور فرصة الاستمتاع بالفن واستكشافه عن قرب، فالأعمال التفاعلية تحمل مفهوم الاستكشاف واللمس والاحتكاك المباشر مع المواد.
وتحدثت باولا أنزيكه عن معرضها لـ«الإمارات اليوم»، وقالت: «بدأت بهذا المشروع منذ أربع سنوات، عندما دعيت من قبل (لورو بيانا) للعمل على الأقمشة والخيوط، وبشكل خاص على خيوط الصوف الطبيعية، وصلت إلى الإمارات وبدأت بدراسة التاريخ الخفي في الدولة، فالبحث هو نقطة البدء في عملي». وأضافت: «زرت في البدء الأماكن التي تعتبر غير مرئية كثيراً في المدينة، من بينها المواقع القديمة في منطقة جميرا، ووجدت أن هناك مشهدين متواجهين، وهما الأماكن القديمة مع الحديثة، ولهذا ركزت في عملي على التفاصيل الصغيرة، كما زرت مدينة العين، ورأس الخيمة، والسبخة، وجمعت منها الكثير من العناصر الطبيعية، مع استخدام الأقمشة الخاصة بـ(لورو بيانا)».
عملت أنزيكه على تلوين الأقمشة والخيوط بالبهارات الطبيعية، حيث كانت تعرّضها للشمس، لتتمكن من الحصول على الألوان التي تريدها، مستعينة بحِرفة حياكة المنسوجات والصوف لصياغة الأشكال الفنية. وشبّهت هذه الحِرفة التي تعمل عليها منذ سنوات بجسم الإنسان، لاسيما العظام التي تحمل شكلاً مشابهاً للنسيج، مشيرة إلى أنها من هذا المنطلق تعمل على إعادة صياغة مفهوم الحياكة التي تحبها وتحمل عنها الكثير من الذكريات بسبب عمل جدتها ووالدتها في الخياطة.
استخدمت أنزيكه الكثير من البهارات في تلوين الكشمير والصوف، ولفتت إلى أنها وضعت البهارات التي تستخدم في طبخ وتلوين الأرز كالكركم والزعفران، ولكن دون إضافة المياه لهذه البهارات، حيث اعتمدت على الشمس في تثبيت اللون. ونوهت بأن الحضارات القديمة، ومنها الرومانية، كانوا يستخدمون البهارات للتلوين، موضحة أن «العودة إلى تاريخ الفنون وأساليبها القديمة، تمنح الفنان الكثير من المعلومات الجديدة».
تؤمن أنزيكه بالاستدامة في الفن، وبيّنت أنها اختارت هذه الأدوات والتقنيات، لأنها مؤمنة بأن الاستدامة يجب أن تكون نمط حياة يطبق في كل المجالات. وأشارت إلى أنها اختبرت العناصر الطبيعية مع المنسوجات، وتمثل التحدي الأكبر في هذا المشروع، بجمع المواد الموجودة في «لورو بيانا» مع المواد التي وجدتها في الطبيعة، فالعناصر الطبيعية هي المصدر الأول للإلهام، والبحث هو الجزء الأهم في المشروع، ومن هنا كان لابد من إيجاد صيغة لتقديم كل العناصر بشكل متناغم. وأكدت أن المشروع استغرق سنوات في مرحلة البحث، ولكن تنفيذه استغرق ما يصل إلى أربعة أشهر، مع العلم أن المنسوجات تبقى على حالها إلى عدد لا متناه من السنوات، وهذا يختلف عن المواد الأخرى التي قد تستخدم في الفنون.
سيرة لونية
ولدت الفنانة باولا أنزيكه في عام 1975 بإيطاليا، وتعمل في مدينتي ميلانو وتورينو بإيطاليا. حصلت على شهادة من أكاديمية بريرا للفنون الجميلة في ميلانو، ومن المدرسة العليا للفنون البصرية. قدمت مجموعة من المعارض الفردية والجماعية في العديد من الدول، من بينها إيطاليا، وأذربيجان والإمارات.
وشاركت في العديد من برامج الإقامة الفنية في العديد من الدول، من بينها برنامج مؤسسة نيو روتس، وبرنامج تيمبورارز في سويسرا، وبرنامج الإقامة هياب في فنلندا، وبرنامج الفنان المقيم في ساو باولو. وتعاونت مع كلية الفنون في جامعة التكنولوجيا في تايوان شانسي بالصين، ونشرت دراستها «أصوات الأرض» في إنداسترياي للنشر.
• «زرت الأماكن التي تعتبر غير مرئية كثيراً في المدينة، ووجدت أن هناك مشهدين متواجهين، وهما الأماكن القديمة مع الحديثة».
• «ركزت في عملي على التفاصيل الصغيرة، كما زرت العين، ورأس الخيمة، والسبخة، وجمعت منها الكثير من العناصر الطبيعية».