صناع دراما إماراتية: نحتاج إلى خطة إنعاش وقرارات جريئة
أكد عدد من صناع الدراما الإماراتية، أولوية توفير مناخ مناسب «لإنعاش» الحركة الدرامية المحلية وإعادة ترتيب أولوياتها، في الوقت الذي نادوا بنقلة نوعية ورؤية فنية جديدة تواكب النهضة الإنسانية والحضارية التي تعيشها دولة الإمارات، مشيرين إلى أهمية وضع استراتيجيات وخطط زمنية محددة، تقودها جهات رسمية قادرة على اتخاذ القرارات المناسبة، ورفع معدلات الإنتاجات الدرامية واختيار أنسب السياسات لتسويقها خليجياً وعربياً.
قرار حقيقي
على الرغم من أوجه التطور الذي حققته الإمارات في ميادين عدة، وتجاربها النموذجية في أكثر من مجال، إلا أن أعمالها الدرامية ظلت للأسف متعثرة، وغير قادرة على المنافسة خليجياً وعربياً، الأمر الذي رآه الفنان سعيد سالم رهن «قرار حقيقي» قادر على قلب الموازين، مؤكداً «صحيح أننا شهدنا في ما قبل وسنشهد هذا العام انتعاشة فنية قد تُعد (صحية)، بما سنراه من إنتاجات درامية جديدة سواء في (أبوظبي للإعلام) أو (دبي للإعلام)، إلا أننا مقارنة بتلفزيون الكويت مثلاً، الذي يشتغل قرابة 20 مسلسلاً كل عام، نُعدّ متأخرين وغير مواكبين للركب». من هنا، يضيف سالم «لا أظن أن خطوة النهوض بالدراما المحلية قادرة حالياً على التحقق، في ظل معدلات إنتاج مازالت موسمية ولا تتعدى المسلسل أو المسلسلين»، ويرى سالم «أننا محتاجون إلى الاستمرارية والتواجد، أولاً لدفع عجلة الدراما، وثانياً لتخريج جيل جديد من الكوادر التقنية المحترفة والمخرجين المتمرسين الذين نحتاجهم، فهل يعقل أن نجلب في كل مرة ننوي فيها إنتاج عمل جديد، مخرجاً أو مجموعة من الفنيين المتدربين؟».
وحول الحلول التي يراها مناسبة لمعالجة معضلات الدراما، قال سالم «ما أحوجنا اليوم إلى قرار واستراتيجية واقعية وناجعة، تنفذ بالاعتماد على برنامج عمل واضح المعالم وخطة زمنية محددة قد تمتد بين ثلاث وخمس سنوات، تقوم خلالها المؤسسات المختصة بتوظيف مختلف الخبرات الفنية وتجنيد كادر فني متكامل لإنتاج مجموعة من الأعمال لا تقل عن 10 إلى 12 عملاً سنوياً، وقتها، سيتاح للمنتج الإماراتي ومن ثم الممثل وكل المشتركين في العملية الإبداعية، فرصة الاشتغال بشكل مستمر على أعمال جديدة، وبالتالي تكريس ضرب من الانتعاش على جميع المستويات، وتدريجياً، تحسين مستوى الأعمال المعروضة وتنويعها وصنع نجوم جدد».
عن تجربة شخصية
من منطلق تجربته الطويلة سواء على الخشبة أو في الإذاعة والتلفزيون، وحضوره المتميز على الساحة الدرامية الإماراتية ومن ثم السينما المحلية والعالمية، تحدث الفنان منصور الفيلي، عن مشكلات الدراما الإماراتية قائلاً «للأسف، لا تعاني الدراما عقبات متصلة بنقص الممثلين أو غياب الكوادر المؤهلة أو حتى ندرة النصوص الجميلة، بقدر ما أن هذه الصناعة مازالت متعثرة على الأرض وتواجه تحديات ميدانية بالجملة. ففي أعمال محلية معاصرة تتناول موضوعات راهنة تعكس الوجه الحضاري للدولة، يقابل الفنان الإماراتي بالرفض والتجاهل من قبل بعض مؤسسات الدولة، وأتحدث هنا عن تجربتي الشخصية في السعي للحصول على تصاريح داخلية لتصوير أعمال في مؤسسات متنوعة في الدولة، كان آخرها تجربة تصريح تصوير بعض مشاهد مسلسل (عالي المقام) في مؤسسة رسمية، إلا أن إدارة المكان لم تسمح لنا بالتصوير، مما اضطرنا إلى اللجوء إلى بعض قاعات النزل وبناء ديكور يحاكي بيئة المؤسسة»، مضيفاً «هذا أمر محبط فعلياً لنا لأنه يضاعف العقبات ويجعل من عمل المبدع أمراً مستحيلاً».
وفي السياق نفسه، تابع الفيلي «لم تأتِ النهضة التي نعيشها اليوم في الإمارات من فراغ، بل من جهود وعمل مستمر وحرص وتخطيط وتضحيات جسام، ونحن كفنانين، وإن رغبنا اليوم في تناول قضايا اجتماعية واقعية، من نافذة الدراما، لا نجد أي نوع من التعاون، مما يقلل من قيمة الأعمال المطروحة ومعالجاتها التي ظلت تراوح بين موضوعات التراث أو صراعات الإرث والزواج والطلاق».
قلة الكتاب
من جهته، رأى الفنان عبدالله صالح، أن أكبر معضلات الدراما الإماراتية هي قلة الكتاب الجيدين وانخفاض مؤشر الإنتاجات الدرامية المحلية التي وجدها متوافقة مع متطلبات ورغبات أقسام الدراما في بعض القنوات المحلية الراعية لحركة الدراما، مؤكداً «رغم توظيف بعض الأقلام المحلية بالشكل الصحيح، إلا أننا مازلنا نفتقر لجودة النصوص بسبب نزوع بعض الكتاب أحياناً لعدد من الموضوعات المستهلكة والدراما التراجيدية التي تنتصر لصراعات الخير والشر، بعيداً عن الموضوعات الهادفة التي تطرح قضايا اجتماعية عاجلة». أما الأعمال التراثية والكوميدية التي «يتفاوت مستواها على الشاشة» فهي حسب رأي صالح «استرجاع لألق الماضي وخط ترفيهي يرى فيه الكثيرون متنفساً فرجوياً مفضلاً»، مؤكداً أن «جمالية هذا الصنف من الدراما، مرتبطة بنوعية الكتاب الذين يصوغونها فمنها ما علق بالذاكرة، وشكل إلى اليوم، بعض إحدى أهم أيقونات الدراما المحلية».
من جانب آخر، يتحسر عبدالله صالح، على وضعية الممثل الإماراتي الذي «بات موضع مساومات المنتجين المادية»، مؤكداً ما تعكسه هذه المعاملات من «قلة تقدير لخبرة وحرفية نجوم الإمارات، ومكانة الكثيرين منهم الفنية التي باتت، حسب قوله، بين مطرقة التلفزيونات وسندان المنتجين».
غياب التسويق
رغم قيمة وقوة الأعمال التي صنعت في قنواتنا المحلية، تمسكت الممثلة الإماراتية فاطمة الحوسني، التي فتحت بنجاح نافذة المشاركات الخليجية، برأيها في أن غياب تسويق الأعمال هو أكبر مصائب الدراما المحلية، قائلة «لم لا تقدم قنواتنا المحلية التي أنتجت الكثير من الأعمال المحلية الناجحة والمشتركة مع ممثلين من البحرين والكويت، على تسويق العمل وبيعه على فضائيات أخرى مثل قناة (إم بي سي) وقناة الكويت وقنوات (أو اس ان) وتجاوز فكرة العروض الحصرية التي أنتهجتها قنواتنا المحلية، والتي صارت خياراً خاطئاً يكبل إنتاجاتنا ويمنعها من الانتشار خارج الإمارات».
أما ما كان منها دون المستوى المطلوب، وصعب تسويقه، فاعتبرته الحوسني أمراً ثانوياً، بالنظر إلى «ما نراه اليوم من أعمال خارجية بعضها دون المستوى، لكنها تتنافس على صدارة المشهد على شاشاتنا».
من جانب آخر، لفتت الفنانة إلى قيمة المنصات الرقمية الشهيرة عربياً، في تسويق الأعمال الإماراتية، مؤكدة ضرورة إدماجها على قائمة الإنتاجات الخليجية المتنافسة، داعية القنوات المحلية إلى اتخاذ خطوات جادة في اتجاه وضع سياسات متكاملة تضمن قنوات تسويق صحيحة لإبداعات الدراما المحلية وتضمن انتشارها وتحقق بالتالي نقلة نوعية في واقع هذه الساحة.
واجهة دعم رسمية
من خلال موقعه كممثل ومنتج إماراتي، فتح د.حبيب غلوم، باب الأسئلة المشرعة حول الواقع المتردي الذي تعيشه الدراما الإماراتية، قائلاً إن الأمر يتعلق أولاً بتقصير المنتجين الإماراتيين أنفسهم وركونهم إلى الطريق الأسهل عبر الاعتماد على نظام المنتج المنفذ الخاضع بشكل طبيعي لميزانية الجهات الإعلامية وشروطها الفنية، مضيفاً «نحتاج إلى المساهمة في ترسيخ القيم الإماراتية في المجتمع، وإظهار الجوانب المضيئة والوجه الحضاري لهذا المجتمع، إذ انحصر الموضوع في السنوات الأخيرة، في تنفيذ أغلب الخطط والبرامج بالاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي، دون النظر إلى الدور الريادي الذي يمكن أن تلعبه الدراما الإماراتية في هذا المجال». وتابع غلوم «من المعيب الطلب من المنتج الإماراتي البحث عن راعٍ لأعماله، في الوقت الذي يمكن أن تقدم هذه الدراما صورة واقعية عن حاضر ومستقبل النهضة التي يعيشها المجتمع الإماراتي»، ويرى الفنان الإماراتي المعروف أن الحل يكمن في «وجود واجهة حكومية رسمية، تدعم النشاط الدرامي على مستوى الدولة، بعيداً عن منطق الربح والخسارة. كما يجب علينا أن نستوعب أن هذا الأمر تكاملي ولا يمكن النظر إلى مردوده المادي دون الإنفاق على تنفيذه بالطريقة الصحيحة، خصوصاً أن إبراز هذا الأمر يحتاج إلى ميزانيات خاصة وخطط استراتيجية طويلة الأمد للنهوض بحال الدراما، الذي لا يتوافق اليوم، مع تجارب دولة نجحت في ارتياد آفاق الفضاء».
وأضاف الفنان بلهجة تنم عن الحزن «هذا ليس عرساً شخصياً لي أو لغيري كي يتكفل به بمفرده، فالدراما نتاج إبداع جماعي يجتمع تحت مظلتها كل صناعها لتقديم أفضل ما لديهم، ولكن شريطة تلافي منطق الميزانيات المحدودة لفائدة الخوض بواقعية في المصاعب التي تعانيها». ويتابع غلوم «لا أود هنا الحديث عن تجربتي الخاصة في المجال، لأنني وبكل بساطة، لا أنوي المشاركة بأي عمل درامي هذا العام، في ظل توزيع الميزانيات على المنتجين الإماراتيين وكأنها متأتية من (بيت زكاة)، لأن من المفترض توزيعها بالتساوي بين الجميع».
ترويج حضاري
من خلال تجربته المهمة في مجال إخراج العديد من الأعمال المحلية الناجحة التي نالت متابعات جماهيرية عالية، أكد المخرج السوري بطال سليمان، أن الدراما الإماراتية تحتاج في الوقت الحاضر إلى المزيد من الدعم المادي، مستشهداً بالحراك الدرامي الذي شهدته الفترة ما بين عامي 2000 و2010 من تقديم نحو 10 أعمال محلية سنوياً، تقلصت حالياً إلى عملين محليين العام الماضي «ما أدى إلى نوع من التراجع والركود وتوقف عجلة الإبداع».
وطالب المخرج السوري المقيم منذ سنوات في الإمارات، بضرورة وضع استراتيجية وتحديد الأهداف المرجوة، وتقديم الدعم المادي وضخ الميزانيات الكفيلة بالنهوض بهذه «المهنة التي تزخر بالعديد من الكوادر والقدرات»، مضيفاً «في ظل الحديث الدائم عن ندرة النصوص الدرامية القيمة والمخرج أو الممثل المقتدر، أعتقد أن الحل اليوم هو رفع معدلات الإنتاج الدرامي على مدار السنوات المقبلة، فحين يتم إنتاج 10 مسلسلات سنوياً، يتم فتح أبواب الإبداع وصقل المواهب المتنوعة في هذا المجال. من هذا المنطلق تحديداً، سنلاحظ مع مرور الوقت، ارتقاء الأعمال المقدمة إلى مستويات أعلى وتحقيقها لنجاحات جماهيرية تتجاوز حدود المحلية إلى نطاق خليجي وعربي أرحب ومن ثم يعلو صيتها وتتجاوز عثرات الماضي».
• إبراز الدراما يحتاج إلى ميزانيات خاصة وخطط استراتيجية طويلة الأمد للنهوض بحالها، الذي لا يتوافق اليوم، مع تجارب دولة نجحت في ارتياد آفاق الفضاء.
لفت الفنان الإماراتي عبدالله صالح إلى اتجاهه أخيراً نحو الكتابة الدرامية بعد سنوات من تجارب الكتابة للخشبة، منوهاً بأن هذا المجال، رغم ما فيه من أقلام إماراتية جميلة، مازال في حاجة ماسة للأنفاس الجديدة، مؤكداً من جهة أخرى أن الكاتب بات في النهاية باحثاً عن متطلبات التلفزيونات المحلية وليس ما تتطلبه مخيلته الإبداعية من الموضوعات، حاله حال شركات الإنتاج التي تبحث باستمرار عن تلبية خيارات التلفزيونات المحلية التي توجه لجانها مسار وبوصلة الأعمال المطروحة عليها، لاختيار ما سيتم تقديمه للشاشة. هذا، إضافة إلى المحاذير الكثيرة المفروضة على الكاتب الدرامي، والتي تمنعه من حرية اختيار موضوعاته فيتحول من «كاتب» إلى «خياط».