في ظل الغاف والقرم.. وجهات إماراتية فريدة خلال «أجمل شتاء»
تحظى أشجار القرم (المانغروف) والغاف بمكانة خاصة عند الإماراتيين، لقيمتها البيئية وفوائدها المتعددة، واقترانها بهوية الإمارات وتراثها. وأصبحت هاتان الشجرتان مقصداً للزوّار المحليين والسياح، وتمثل فرصة فريدة لخوض تجربة سياحية بمذاق مختلف، خصوصاً خلال النسخة الثالثة من حملة «أجمل شتاء في العالم»، التي تسعى إلى إبراز مقومات الموروث والهوية الوطنية، ومنظومة القيم الإماراتية الأصيلة المتوارثة، والضاربة بجذورها في تكوين المجتمع المحلي، والتي حملها الآباء عن الأجداد، ويتوارثها الأبناء والأجيال اللاحقة، في نسق تلقائي يتسم بالاستدامة.
وحظيت أشجار الغاف بمكانة خاصة في التراث الإماراتي، وبرز ذلك من خلال الاهتمام الكبير من قبل المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي أصدر توجيهاته بمنع قطعها في كل إمارات الدولة، كما أمر باستزراع غابات جديدة واسعة. وتم إعلان شجرة الغاف الشجرة الوطنية لدولة الإمارات في عام 2008، ويرجع هذا الاختيار لما تمتلكه هذه الشجرة من قدرة عجيبة على التأقلم المثالي مع البيئة الصحراوية القاحلة للدولة، فهي شجرة تتحمّل الجفاف، ويمكن أن تظل خضراء حتى في البيئات الصحراوية القاسية، إلى جانب أهميتها للإنسان والحيوان وللحفاظ على توازن البيئة كذلك.
وتكتسب شجرة الغاف قيمتها المعنوية والوطنية، كونها شجرة يتجمع تحتها الناس للتشاور منذ القدم، إذ درجت العادة في المساء أن يتوسط كل شيخ من شيوخ القبائل مجلساً تحت أشجار الغاف يعتبر منتدى لأبناء القبيلة، كما يحق لأبناء القبائل المجاورة الانضمام إليه دون قيد أو شرط، وحتى عابر السبيل الذي يلقى كامل الترحيب به في هذا المجلس، ويلتقي الجميع، وتدور حول موقد النار فناجين القهوة وحبات التمر، ويناقش الحضور أمورهم المهمة.
رمز التسامح
وفي عام 2019 اختيرت شجرة الغاف لتكون رمزاً للتسامح في عام التسامح في دولة الإمارات، كما انتشرت أشجار الغاف في جميع أرجاء معرض «إكسبو 2020 دبي» لتحكي هذه الأشجار قصة أخرى عن الاستدامة وتنثر روح التسامح على الأجنحة المشاركة.
ولعبت أشجار الغاف دوراً مؤثراً في حياة البدو، لأنها مصدر الغذاء الرئيس للحيوانات البرية التي كانت تأتي إليها لتقتات منها، وتستظل بها عندما ترتفع الحرارة بشدة في فصل الصيف، كما تعدّ أشجار الغاف ثروة عظيمة متعددة الفوائد، في مقدمتها مكافحة التصحر وتقليل الانبعاثات الكربونية، كما تدخل مكوناتها في صناعة الأدوية والمنتجات التجميلية، إضافة إلى استعمالاتها الغذائية.
ولأهمية هذه الشجرة من الناحية البيئية أقيمت لها محمية «غاف نزوى» في دبي، وتتميز بوجود أعداد من أشجار الغاف، التي تظهر على شكل غابات من الأشجار والتي تكسو المنطقة، وتوفر بيئة ظليلة وجاذبة لمختلف أنواع الطيور والحيوانات، وتعدّ المحمية وجهة مثالية لعشاق الطبيعة والراغبين في الاسترخاء والهدوء.
موائل طبيعية
وتتمتع دولة الإمارات بطبيعة متنوّعة، تضم العديد من الكائنات البرية والبحرية، وكذلك النباتات التي ترسم ملامح تفرد المنطقة وتميزها من ناحية البيئة، ومنها أشجار القرم «المانغروف»، التي تكثر على ساحل دولة الإمارات بمساحات كبيرة، وتنتشر في العديد من المحميات الطبيعية في الدولة، وتلعب غابات القرم دوراً مهماً في حماية سواحل دولة الإمارات من ارتفاع مستويات سطح البحر، والعواصف الشديدة، إضافة إلى فاعليتها في خفض الانبعاثات الكربونية.
وتُعدّ مناطق غابات القرم موائل للعديد من الأنواع البحرية، ما يجعلها مقصداً سياحياً للزوّار المحليين والسياح وعشاق السياحة البيئية.
ويُعدّ منتزه القرم الوطني في أبوظبي وجهة مثالية للعائلات والمصورين وعشاق مراقبة الطيور، ويتميز المنتزه بتنوّع بيولوجي وفير، ويشمل غابات أشجار القرم والمستنقعات المالحة والسهول الطينية وتجمّعات الطحالب. ويتمتع الزائر للمنتزه بالطيور النادرة، مع بعض الكائنات البحرية الغريبة والجميلة، كما يستفيد الزائر بتعلم الكثير عن حياة الطيور والثدييات والأسماك واللافقاريات التي تعيش في غابة القرم.
وفي وجهة مميزة لعشاق الطبيعة، تتميز محمية رأس الخور في دبي بوفرة أشجار القرم التي تستخدمها الطيور ملاذاً آمناً للتكاثر وبناء الأعشاش عليها.
وشهدت دبي، أخيراً، أيضاً افتتاح «غابة القرم»، إذ يهدف المشروع لزراعة مليون شجرة، ويُقام ضمن محمية «جبل علي» للحياة الفطرية، وتتضمن الغابة مجموعة واسعة من الشعاب المرجانية والقرم وأحواض الأعشاب البحرية والنجيل البحري، وشاطئاً طبيعياً.
مناطق غنية
تُعدّ محمية أشجار القرم والحفية في مدينة كلباء بالشارقة، من المناطق الغنية بتنوّعها الحيوي، وتنتشر فيها غابات القرم، وتتميز المحمية بكونها موطناً رئيساً لأنواع كثيرة من الكائنات الحية المهددة بالانقراض، مثل السلاحف الخضراء وسلاحف منقار الصقر.
كما تعتبر أشجار القرم الرائعة أفضل سمة لهذه المحمية، وهي تسهم في حماية الساحل من خلال الحد من عوامل التعرية الناتجة عن العواصف والتيارات والأمواج والمد والجزر.
وتمتد محمية الزوراء الطبيعية على مساحة كيلومترين، وتتميز بغابات أشجار القرم ذات الطبيعة الساحرة، ويقطن فيها العديد من الفصائل البرية والبحرية. كما أنها تشكل موطناً لأكثر من 100 نوع من أنواع الطيور المحلية والمهاجرة، بما في ذلك طيور «الفلامنغو» الوردية التي يمكن مشاهدتها على مدار السنة، إضافة إلى «مالك الحزين» أو (البلشون).
وفي أم القيوين، يحظى شاطئ القرم بإقبال من الزوّار المحليين والسياح ليستمتعوا بطبيعته الخلابة ومناظره الساحرة، التي تتيح مشاهدة غابات القرم، والتي تكتسي بها سواحل وخيران أم القيوين.
وتغطي أشجار القرم مساحات كبيرة من خور مدينة رأس الخيمة الذي يقسمها إلى قسمين، إذ تعتبر محمية طبيعية للطيور والأسماك لإسهاماتها في الحفاظ على أنواع الحياة البرية والبحرية وعلى حياة أنواع مختلفة من الطيور، وتُعدّ مناطق ملائمة لحياتها ومورداً لغذائها.
• محمية رأس الخور في دبي، تتميز بوفرة أشجار القرم، التي تستخدمها الطيور ملاذاً آمناً للتكاثر وبناء الأعشاش عليها.
• محمية أشجار القرم والحفية في مدينة كلباء بالشارقة، من المناطق الغنية بتنوّعها الحيوي، وتنتشر فيها غابات القرم.
مناظر ساحرة
تشكل منطقة الزوراء إحدى أجمل المزايا الطبيعية في إمارة عجمان، وأهم الوجهات السياحية في دولة الإمارات بشكل عام، وفي عجمان بشكل خاص، وهي وجهة مثالية لعشاق السياحة البيئية والطبيعية، خصوصاً أنها تُعدّ بمثابة خور شبه استوائي خاضع لحركة المد والجزر، وتكثر فيها الشعاب المرجانية التي ينمو ويتكاثر عليها أنواع عديدة من الأسماك في المنطقة، إضافة إلى كثرة غابات أشجار القرم التي توفر بيئة مناسبة للطيور المقيمة والمهاجرة، إضافة إلى وجود النباتات والحشائش المتنوّعة نتيجة وفرة المياه.
كما أن سواحلها تحتوي على مجموعات هائلة من الأحياء البحرية.