حواجز وبوابات عسكرية تعيق وصول الممثلين والجمهور
المسرح الفلسطيني.. صوت الأرض المحتلة يصارع للبقاء
رغم كل أشكال المعاناة التي يفرضها الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين في شتى بقاع وطنهم المحتل، فإنهم يقاومون ذلك بما استطاعوا إليه سبيلاً، ومن سبلهم للبقاء فوق أرضهم ونافذتهم لأمل يخفف آلامهم العميقة؛ تأدية العروض المسرحية التي تحاكي كل تفاصيل الحياة اليومية الفلسطينية، الواقعة بين فكي الاحتلال والاستيطان.
يظهر ذلك جلياً في دور المؤسسات الفنية الفلسطينية، وطاقمها المسرحي، والذين يجسدون واقع الشعب الفلسطيني المرير، ويسطرون آماله بالتحرر من ظلم الاحتلال، منها مسرح وسينما القصبة في مدينة رام الله بالضفة الغربية، ومركز «أيام المسرح» في قطاع غزة، ومسرح «الحرية» في جنين شمال الضفة، والمسرح الوطني الفلسطيني «الحكواتي»، ومسرح «سنابل القدس» في مدينة القدس الشريف.
وكونها نافذة الفلسطينيين لإيصال صوت مأساتهم إلى العالم أجمع، فإن جميع مؤسسات المسرح الفلسطيني تصطدم بممارسات الاحتلال الإسرائيلي المتواصلة، والتي تستهدف أعمالها المسرحية العديدة منذ سنوات طويلة دون انقطاع.
«مترو غزة» لم يتوقف
مدينة جنين التي تعد من أكبر مناطق الضفة الغربية كثافة ومساحة، يحتضن مخيمها «مسرح الحرية» منذ عام 1990، والذي لم تمنعه جميع التحديات الدامية من إيصال صوت المقهورين والمحاصرين وسط المعاناة من خلال أعمال مسرحية فلسطينية عدة.
ومن أبرز الأعمال الفنية التي أنتجها «مسرح الحرية»، وتتصدر قائمة عروضه الفنية حالياً مسرحية «مترو غزة»، التي واجهت تحديات شتى، كادت توقف عرضها، إلا أن طاقم العمل المسرحي تحدى ذلك بإصراره على تجسيد معاناة شعب بأكمله.
ويروي سيناريو «مترو غزة» قصة فتاة فلسطينية من الضفة الغربية تحلم بلقاء شخص في قطاع غزة المحاصر، ليتبخر ذلك الحلم على حواجز الجيش الإسرائيلي الذي يفرض قيوداً تعسفية مأساوية، تعزل الفلسطينيين وتحظر حركة تنقلهم داخل وطنهم.
المسرح الفلسطيني الأول
بالانتقال من جنين إلى مدينة القدس الشريف، شهد حي «الشيخ جراح» تأسيس مقر المسرح الوطني الفلسطيني «الحكواتي» عام 1984، بمشاركة فنانين من الضفة الغربية والداخل المحتل والمدينة المقدسة، كأول مسرح فلسطيني ومركز ثقافي متخصص، يقدم أعمالاً فنية على الصعيد الوطني، والذي يعد النواة لانتشار الفنون المسرحية في كل الأراضي المحتلة حتى هذا الوقت.
«الحكواتي» واكب منذ ذلك الوقت مختلف الأحداث والمراحل التي عاشتها مدينة القدس من خلال أعمال مسرحية كانت ملصقاتها تعلو جدران المسرح دون انقطاع، لتشهد إقبالاً كثيفاً ليس فقط من سكان القدس، بل من الضفة الغربية والداخل المحتل، وكذلك قطاع غزة، وذلك بحسب المخرج المسرحي عامر خليل مدير المسرح الوطني الفلسطيني.
ويشير خليل، أحد الذين أسسوا «الحكواتي»، خلال حديث مع «الإمارات اليوم»، إلى أن الفترة الزمنية التي واكبت تأسيس المسرح الوطني كانت بداية الحركة المسرحية الحديثة، مبيناً أن «الحكواتي» يعد سبباً رئيساً في تكوين حالة فنية إيجابية ناجحة، وظهور عدد كبير من الفنانين المبدعين من مخرجين وممثلين وموسيقيين، إلى جانب العديد من الأعمال المسرحية، وتصدير جميع ذلك إلى مختلف دول العالم.
تقويض وعراقيل
بعد مرور 39 عاماً على تكوين الحالة الفنية للمسرح في فلسطين، يشكو «الحكواتي» اليوم من تقويض أعماله الفنية بجدار عزل يبسط بواباته الحديدية بالتوازي مع نقاط التفتيش العسكرية، والتي تفرض قيودها على تنقل الممثلين والجمهور من مدن الضفة الغربية، وصولاً إلى حي الشيخ جراح حيث مقر المسرح.
ويقول مدير «الحكواتي»، إننا نواجه حالياً معضلة كبيرة، فالحركة المسرحية في القدس تقتصر على عدد محدود من المخرجين والفنانين، لأن الاحتلال يمنعنا من إصدار تصاريح للزملاء في مناطق الضفة، وهذا يسري أيضاً على الجمهور الذي كان يحضر لمشاهدتنا من بيت لحم ورام الله ونابلس والخليل». ويمضي خليل بالقول: «نحن نقدم أعمالنا المسرحية في كل الأراضي الفلسطينية، ولكن اليوم بات من الصعب نقل ديكورات المسارح عبر المعابر الإسرائيلية، إلى جانب إعاقة حركة التنقل عبر تلك المعابر والحواجز».
ويضيف: «في ظل الممارسات التعسفية داخل القدس، نواجه أزمات عديدة، منها عدم مقدرتنا على الوصول إلى مقر المسرح في كثير من الأحيان، حيث الحواجز التي تنتشر في كل شارع وزقاق، ليتحكم الجنود في خطى سيرنا نحو منازلنا أيضاً، وهذا يتكرر بالنسق ذاته في شتى المدن الفلسطينية بالضفة، حيث تتقيد أعمال مسارحها الفنية بتوقيت ممارسات إسرائيلية لا موعد لانتهائها».
تحديات الدعم والتمويل
استهداف القوات الإسرائيلية للأعمال الفنية في المدينة المقدسة يعد جزءاً من تحديات كثيرة اجتمعت ضد الأنشطة المسرحية في الأراضي الفلسطينية، من بينها واقع الاحتلال الذي يحظر إنفاق أي حكومة أو بلدية فلسطينية على المصاريف التشغيلية لـ«الحكواتي»، أو أي مسرح فلسطيني داخل حدود القدس المحتلة.
ويقول المخرج المسرحي الفلسطيني عامر خليل «عند الحديث عن المسرح الوطني في أي دولة فإنه يتلقى دعماً حكومياً، ولكن الحكواتي لا يحظى بتمويل من السلطة الفلسطينية المحظور عملها الأمني والإداري في المدينة المقدسة من قبل القوات الإسرائيلية، وبالتالي نواجه معاناة مضاعفة من احتلال يقتل شعبنا، ويلاحق صوته إلى العالم بشتى الممارسات التعسفية».
ويسترسل خليل: «ما يعقد مأساتنا أن التمويل الذي نتلقاه من جهات مانحة تقيده شروط عدة، إلى جانب عدم انتظامه بشكل دوري، ما يجعلنا في حاجة لدعم ثابت، يكفل ضمان أنشطة مسرحنا، الذي يعد صوت المقدسيين، وملتقى هواة الفن والمثقفين على مدار السنين».
مدير مسرح «الحكواتي»:
«الحواجز في كل شارع وزقاق. لا نستطيع الوصول إلى مقر المسرح أحياناً، ويتحكم الجنود في خطانا نحو منازلنا».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news