جدل الدراما التاريخية العربية.. متجدّد لا ينتهي
لماذا تثير الدراما التاريخية العربية كل هذا السجال والجدل والاختلاف؟ ولماذا في كل مرة يتم الإعلان فيها عن عمل تاريخي جديد ينهال الهجوم عليه وعلى صُنّاعه من قبل عرضه، ووصل الأمر في بعض الأحيان إلى إيقاف تصوير العمل نتيجة للضغوط من الرأي العام؟
«الإمارات اليوم» استطلعت آراء قرّائها، عبر منصّاتها الرقمية المختلفة، حول هذه التساؤلات للتعرف إلى تفسيرهم لهذا الجدل وأسبابه، إذ اعتبر مشاركون أن أسباب الجدل عديدة، ولكن أهمها أن العرب مازال يحكمهم الماضي ويعيشون في صراعاتهم باعتبارها جزءاً من حاضرهم، إضافة إلى تأثر أسلوب التناول الدرامي بالتوجهات الفكرية والسياسية لصُنّاع العمل، وتعدد الروايات التاريخية للأحداث والشخصيات، داعين صُنّاع الدراما إلى توخي الدقة في نقل الوقائع والشخصيات التاريخية وعرضها بأسلوب محايد.
وأشار القارئ علي ياسر، في تعليق له عبر حساب «الإمارات اليوم» على «فيس بوك»، أن «اختيار شخصيات مثيرة للجدل يمثل وسيلة لتحقيق عدد أكبر من المشاهدات، إذ يعد الجدل أفضل دعاية للعمل وصُنّاعه». بينما أشار القارئ (شادي) إلى أن «التاريخ العربي مليء بالسجالات والخلافات والاختلافات، ولذلك تثير الأعمال التاريخية الجدل، خصوصاً إذا كانت دينية».
دعوة لنبذ الخلافات
من جهته، كتب القارئ محمد مجيد: «هناك أسباب مختلفة، فالتاريخ بالعموم تختلط فيه الحقائق والقصص الخرافية التي أبعد ما تكون عن الواقع، كما أن من ينقل التاريخ الخاص بحقبة من الحقب يحاول أن يقدمه بما يوافق أهواءه ورغباته، فما اتفق معه نقله وما لم يوافق مزاجه ضرب به عرض الحائط»، مؤكداً أنه «في خضم كل هذه الخلافات والأمور ما يجمعنا وما يوحدنا أكثر بكثير مما يفرقنا».
ودعا إلى نبذ هذه الخلافات جانباً والتركيز على الأسس المتينة الراسخة في صلب العقيدة، والسماح للهواء أن يزيل غبار التعصب من العقول والأفكار.
وجاء رأي القارئة (ريم) في السياق نفسه، إذ ذهبت إلى أن الجدل يرجع إلى اختلاف الآراء والمذاهب، فكل شخص يرغب في أن يرى الشخصية التاريخية أو الواقعة التاريخية من وجهة نظره الخاصة التي توافق معتقداته، أو التي يراها صحيحة.
أما القارئة (دودي) فقالت: «إن الجدل دليل على أن التاريخ لا يعتمد فقط على الحقائق، وأنه يحمل وجهات نظر متعددة وكل شخص يراه من جهة مختلفة».
وبينما اقترح القارئ (كابتن هلال)، عبر حساب «الإمارات اليوم» على «إنستغرام» أن «تلتزم الدراما بالواقع والوقائع المسجلة»، أشارت القارئة (آمنة) إلى غياب الصدقية، في حين دعا حساب يحمل اسم (ليوا) إلى نبذ الخلافات والفتن، معرباً عن أمله في ألا تكون هناك فتن، وأن يكون هناك دائماً ترابط في الصف العربي، وعدم الخوض في ما لا يعني.
تمييع للقضايا المعاصرة
من جانبه، أوضح الباحث والإعلامي، خالد بن ققة، أن «الجدل المرافق للدراما التاريخية غير مبرر أو مشروع ،لأنه يعطل المعاصر»، مرجعاً هذا الجدل لقضية أساسية وهي أن العرب يحكمهم الماضي أكثر من الحاضر، فهم ليسوا أبناء عصرهم، لافتاً إلى أن الخلافات المطروحة سابقاً في الأمة بين أجنحتها وأركانها ودولها، المفروض أن تظل جدلاً تاريخياً محاطاً بتلك الفترة التاريخية، لكن الناس تنقل الصراعات إلى الحاضر وبالتالي نتبناها. وأضاف: «كإنسان معاصر يجب أن أطلع على التاريخ وأعرفه، وإذا أردنا أن نكون فاعلين في حياتنا ومجتمعنا، فعلينا استحضار ما هو إيجابي من التاريخ، والاستفادة منه لتحقيق إنجاز في عصرنا، لماذا نصرّ أن نكون أبناء الماضي، فهذا نوع مقصود من التمييع للقضايا الرئيسة الجوهرية والهروب منها».
وتابع بن ققة: «نحن نستحضر التاريخ لحل خصومات معاصرة بأخرى قديمة، ونستحضر الصراعات القديمة لنطبقها في الحاضر، وهو ما يجعل كل ما نراه على مستوى الدراما وغير الدراما هو عمل سياسي بحت، وعندما ننظر نجد أن مختلف الأمم تعود إلى التاريخ في الكثير من الأعمال، ولكن تظل هذه العودة في إطار تاريخي، ولا يخرج الحديث عنها عن تلك الفترة التي يتناولها العمل، لكننا كعرب نرغب في تطويع التاريخ لعصرنا في الوقت الذي لم نتمكن من تطويع عصرنا».
أكثر دقة
اعتبر الباحث والإعلامي، خالد بن ققة، أن «الدراما التاريخية خارج مصر لا قيمة لها، مبرراً ذلك بأن المؤسسة المصرية أول من انتجت الدراما التاريخية، وهناك رقابة ذات مراحل متعددة من جهات مختلفة، تشمل المراجعة التاريخية واللغوية، وفي المسائل الدينية يتم الرجوع إلى الأزهر، ولذلك الدراما التاريخية في مصر أكثر دقة على عكس غيرها من الدراما التاريخية العربية، التي تخلق حالة من (الفانتازيا) في بناء الشخصيات أو أحداث تاريخية».
خالد بن ققة:
• «إذا أردنا أن نكون فاعلين في حياتنا ومجتمعنا، فعلينا استحضار ما هو إيجابي من التاريخ، والاستفادة منه لتحقيق إنجاز في عصرنا».
محمد مجيد:
• «من ينقل تاريخ حقبة ما يحاول أن يقدمه بما يوافق أهواءه، فما اتفق معه نقله وما لم يوافق مزاجه ضرب به عرض الحائط».
علي ياسر:
• «اختيار شخصيات مثيرة للجدل يمثل وسيلة لتحقيق عدد أكبر من المشاهدات، إذ يُعدّ الجدل أفضل دعاية للعمل وصناعه».