«موجة من الخيال».. صحراء وأمواج دبي بمواد مستدامة
بمواد أعيد تدويرها، ومن خلال التعرّجات التي تعكس رمال الصحراء، وموج البحر، قدم الفنان الإماراتي جاسم العوضي، مجسّم «موجة من الخيال»، الذي وضع على شاطئ جميرا، والذي يمنح فيه المواد الصلبة الانحناءات والتمايل، ولون عباد الشمس الأصفر ليعكس البيئة المحلية. واستوحى الفنان الإماراتي هذا العمل التركيبي من الترابط بين عنصري الأرض والماء، الممتد من بحر الخليج العربي وصولاً إلى الرمال الصحراوية، ليكون جزءاً من مشهد الفن في الأماكن العامة الذي تدعمه هيئة دبي للثقافة والفنون.
وتحدث العوضي عن عمله لـ«الإمارات اليوم»، وقال: «تكونت فكرة العمل من البيئة البحرية والصحراوية، وتموجات الرمال وتناغمها وجمال أمواج الخليج العربي، فيما اخترت اللون الأصفر ليعكس لون عباد الشمس، والقوة والطاقة الموجودة بدبي، بينما الأسود المندمج مع الأصفر كان هدفه إبراز الأصفر كي لا يتكسر اللون من خلال انحناءات الحديد». وأضاف العوضي: «قدمت المجسّم من خلال المواد المعاد تدويرها، فأنا أؤمن بأن لكل مادة دورة حياة مستمرة ومتواصلة لا تتوقف، وكل خامة يمكن إعادة استخدامها، ولهذا نجد الدول الغربية تضع خططاً لإعادة تدوير الخامات، كما أن 70% من المواد الموجودة في المجسّم هي مواد معاد استخدامها، إذ استعنت بورش عمل صغيرة كانت مفيدة جداً في إنتاج العمل الفني». ولفت العوضي إلى أن المجسّم مصمم من الحديد المعاد تدويره، موضحاً أنه «يسعى إلى أن تكون جميع أعماله المستقبلية مصنوعة من مواد مستدامة، نظراً إلى أهمية هذا الفن، وللفائدة العالية لإعادة التدوير». وأضاف العوضي أن «وزن المنحوتة يصل إلى طن ونصف الطن، وقد ثُبتت على قاعدتين، ويصل طول المجسّم الى سبعة أمتار، وأعلى نقطة فيه تصل إلى ثلاثة أمتار، بينما العرض يصل إلى 80 سنتيمتراً».
وتحدث العوضي عن دعم هيئة دبي للثقافة والفنون للفن في الأماكن العامة، مثنياً على الجهود المبذولة في هذا الإطار، ودورها في تعزيز المشهد الفني، وتحريك العجلة الفنية في إمارة دبي الى مستويات أعلى. وأشار إلى أن هذا التوجه كان موجوداً حين قدمت البلدية مجموعة من المبادرات الفنية، منها المجسّمات التي كانت توضع في منتصف الدواوير، منها «دوار السمكة»، و«دوار الشعلة» و«دوار الساعة»، والتي تصنف ضمن الفنون العامة.
ونوّه العوضي بأنه من الضروري المضي قدماً في خطة إثراء الأماكن العامة بمزيد من الفنون، لأن الاستراتيجية الفنية لأي بلد يجب ان تترجم من الفنون في الأماكن العامة بالدرجة الأولى. وشدد على أن «الفن في الأماكن العامة يترجم حب الفنان للأرض، والتناغم ما بين الإنسان والبيئة والفلسفة والمعتقد»، موضحاً أنه «إلى جانب تعبيره عن هوية الفنان، هو بلا شك يسهم في تحسين الذائقة العامة حول الفنون»، وتابع الفنان الإماراتي أنه «بالعودة الى التاريخ نجد أن الفنون قد بدأت من الرسومات في الكهوف، وتطوّرت عبر الزمن، حيث وصلنا إلى فن الأماكن العامة، الذي يتيح للناس الانخراط في المشهد الفني أثناء ممارسة الحياة اليومية».
وحول الفن المستدام، أكد العوضي أن «معظم الفنانين لا يتوجهون الى إعادة التدوير، وهناك فنانون يستعينون بشركات كبيرة تنفذ الأعمال والمجسّمات الضخمة، وهذه الشركات لا تعتمد على إعادة التدوير، ولكن هذا المشهد حوّل بعض الأعمال كما لو أنها تقدم بقالب العلامات التجارية».
وعن ورش العمل التي كانت جزءاً من إنتاج المجسّم، قال العوضي: «كانت ورش العمل مفيدة جداً لإنتاج العمل الفني، وأؤمن بأنه ليس بالضرورة أن يكون الفنان ملماً بكل جوانب العمل، فمن الممكن الاستعانة بمهارات في مجالات عدة، فكل إنسان قابل للتعلم، وصاحب فكرة العمل يمكنه بالعمل مع الحِرفيين أن يوجد فلسفة أعلى، كما أنه يمكنه أن يستفيد من طريقة تنفيذهم للعمل، فهي عملية تعاون وربح متبادلة». ولفت إلى أنه شديد الميل الى المواد المستدامة وورش العمل، وإلى ترجمة البيئة المحلية في عمله، وشبه الفنان بالنخلة أو الغافة التي يمكن أن تموت في حال قطعت جذورها، فالفنان في حال اقتلع من أصالته وبيئته وجذوره ومرسمه البسيط، سيكون من الصعب عليه أن ينتج العمل الفني بالطريقة نفسها كما في بيئته. وأوضح أن «البعض قد يبتعد عن البيئة من أجل الإنتاج والاستمرار»، معتبراً أن «الأمانة الفنية وترجمة الموروث والثقافة يجب أن تكون من أساسيات العمل الفني». ورأى العوضي أن «ما يتبقى من المجتمعات هو الحضارات، وفن الأماكن العامة يعتبر من المشاهد الغنية التي تبقى في المجتمعات، فهو العمود الذي يمكن العودة إليه عبر الزمن لتحديد كيف كانت حياة المجتمعات، وتحديد ماهية ثقافتها».
سيرة فنية
من العمل في مجال مسرح الجريمة، حيث كان جاسم العوضي، مدير مسرح الجريمة برتبة خبير أول ومقدم، انتقل إلى عالم الفنون، بعد أن حصل على الماجستير في مجال الفنون وتحديداً التصوير. وشارك في العديد من المعارض، وفي معرض سكة للفنون والتصميم، من خلال بيت يقدم فيه أعماله المعاد تدويرها. وأكد العوضي أن «الإمارات تتيح الإبداع في مجالات عدة، مهما كان تخصص المرء، فالجميع يعيش على نهج الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي يقوم على الابداع ».