«السمُر».. أشجار «راقصة» احتفاءً بمفاهيم الاستدامة
انطلاقاً من مفهوم الاستدامة والحفاظ على التنوع البيئي والبيولوجي، قدم الفنان جينغ بو مشروع حديقته الخاصة في مركز جميل للفنون بدبي، لتكون إحدى الحدائق الثماني في المركز.
يحمل المشروع الذي يجمع بين الرقص والشجر عنوان «سمُر»، ويعكس التنوع البيولوجي الصحراوي والنظم البيئية في الدولة، إذ يحتفي الفنان من خلاله بالازدهار الطبيعي، عبر مفهوم النمو المتغير ومفهوم الإزهار والإثمار.
يجمع الفنان جينغ بو بين النباتات والرقص في هذه الحديقة التي سيواصل توثيق نموها حتى صيف عام 2024، فقد جذبت الفنان شجرة السنط الشائكة، التي تعرف محلياً باسم السمُر أو السامور أو السلم، والتي تنمو بشكل طبيعي في أنحاء الإمارات، وذلك خلال زياراته المكثفة منذ صيف عام 2022. ولدى تكليفه من قبل مركز فن جميل بتصميم حديقة، عمل على تصميم قصة تجمع بين راقصين بشريين وشجرة سمُر، بأسلوب يقوم فيه بمحاولة فهم الأرض والشجرة وإعادة التواصل معها.
تكريم صلابة الشجرة
عمل الفنان من خلال الرقصة التي قدمت مع افتتاح الحديقة على تكريم صلابة الشجرة وقوتها وحيوية فروعها، ورقة أوراقها ودفاعية أشواكها.
يحمل العرض الذي يحمل شكل العمل التركيبي، وكأنه فيلم يعرض داخل مشهد طبيعي من النباتات الأصلية التي تنمو في الصحراء. وعرّف الفنان هذه الشجرة بكونها راقصة، تتشارك الرقص مع راقصي الأداء في المشروع، فهي الشجرة التي تنمو في صحراء الدولة ومنطقة الجزيرة العربية وإفريقيا، ومن الممكن أن تعمر إلى قرن أو أكثر، وتزهر بين شهري أبريل ونوفمبر، وتوفر مصدراً لرحيق العسل، وتستخدم أوراقها وبذورها في تحضير العلاجات والأدوية.
سريالية
وثق الفنان العرض الراقص الذي قدمه كل من ري كاساندرا كو، وزين العابدين سليمان، مع الشجرة بلوحة تحمل الكثير من السريالية. وتحدثت المدير التنفيذي في مركز جميل للفنون، أنطونيا كارفر، لـ«الإمارات اليوم»، عن هذا المشروع، وقالت: «عندما بدأنا ببناء مركز جميل للفنون في دبي، أوجدنا ثماني حدائق خارجية لتكون جزءاً من المركز، لاسيما أن هناك عدداً من الفنانين المهتمين بتقديم مشاريع تتعلق بالنباتات والزراعة ومفهوم الاستدامة، وقد يكون هذا المنحى من التجارب الجديدة وغير التقليدية في التعاطي مع الفنانين، وقررنا البدء بتكليف الفنانين لتحويل الحدائق الصحراوية إلى حدائق فنية، وهو توجه غير اعتيادي، وبدأنا مع الفنانة الإماراتية شيخة المزروعي، ومن ثم قمنا بتكليف فنان جديد». وأضافت حول تكليف جينغ بو «إنه فنان معروف في عمله على النباتات، إذ تستهويه العلاقة بين البشر والعالم المادي والطبيعة، ويهتم برصد التفاعل مع المجتمع والطبيعة، لاسيما أنه يعتقد أن البشر هم جزء من تكوين الطبيعة، ونحن في المركز نختار الفنانين الذين يفكرون خارج الصندوق، ولديهم هذا الارتباط بالطبيعة لتقديم مشاريع الحدائق». ولفتت إلى أن الفنان قد زار الصحراء في الشارقة، وأبدى اهتماماً كبيراً بنوعية الشجرة، وعمل على إيجاد لوحة راقصة بين البشر والشجرة، خصوصاً بعد قيامه بالعديد من الرحلات الصحراوية. وأشارت كارفر إلى أن الأشجار ستنمو في الفترة القادمة، لاسيما خلال فصل الشتاء، وبعد انقضاء الفترة الخاصة بالمشروع سيكون الفيديو الخاص بالمشروع جاهزاً، وسيوثق هذه العلاقة بين البشر والنباتات، وكذلك تبدل الأشجار طوال هذه المدة.
تبدل مناخي
وحول انتماء المشروع إلى مفهوم الاستدامة، نوهت كارفر بأن الاستدامة تعتبر من الثيمات الأساسية للمركز، فمنذ انطلاقه كان المركز ينتهج سياسة الفن المستدام، موضحة بأنهم طرحوا العديد من الأسئلة حول الدور الذي يلعبه الفن في التبدل المناخي، وقد تم التخطيط للعمل وفق مبدأ الاستدامة عبر ثلاث طرق، أولاً لجهة المبنى وكيفية جعله مستداماً في التخفيف من البصمة الكربونية، وذلك من خلال طريقة استخدام المكيفات والمياه وتسخين المياه، فيما ركز المنحى الثاني على البرامج الفنية، وكيف تعالج البيئة والطبيعة والمناخ، ومنها على سبيل المثال معرض «محيط في قطرة» الذي عالج موضوع المياه. أما المنحى الثالث، فبحسب كارفر، ركز على الأبحاث الخاصة بالاستدامة، خصوصاً أنه بدأ العمل على وضع البرامج الخاصة بهذه المنطقة.
وتوقعت كارفر أن ينعكس الوعي الحالي بمفهوم الاستدامة على المشاريع الفنية، موضحة بأنه سيترك أثره أيضاً على طبيعة الوسائط الفنية التي تستخدم من قبل الفنانين لإنتاج المشاريع الفنية، وهذا بدوره يجعل أيضاً المتلقي يفكر بمفهوم الاستدامة، ومن وجهة نظر جديدة. ورأت أنه حتى البرامج والمناقشات التي سترافق «كوب 28» ستبرز التبدل في مفهوم الاستدامة الذي لم يعد حصراً على المجال الاقتصادي أو البيئي، بل بات يطال كل أشكال الممارسات الفنية والثقافية.
سيرة فنية
نشأ الفنان جينغ بو في بكين بالصين، وهو مقيم حالياً في جزيرة لانتاو في هونغ كونغ. يبني الفنان صلة وثيقة مع النباتات عبر الرقص والأفلام والرسم، ويرى أن الفن لا ينشأ من الإبداع البشري، وإنما من حيوية تفوق الإنسان. يقوم الفنان الصيني بزراعة الحدائق العشبية، وتنسيق الشعارات الحية، وصناعة الأفلام، وتنظيم ورشات عمل حول المساواة البيئية. وتشكل المشروعات المتنوعة الحية والمتشابكة حديقة يتعاون فيها الفنان مع المفكرين والناشطين، وتسهم ممارسته الفنية البيئية في دراسات ناشئة في أصول الكواكب.
• جذبت الفنان شجرة السمُر أو السامور أو السلم التي تنمو بشكل طبيعي في أنحاء الإمارات.
• عمل الفنان على تكريم صلابة الشجرة وقوتها وحيوية فروعها ورقة أوراقها ودفاعية أشواكها.