اكتشاف منازل وأثاث مطبخ ووجبة عشاء فاخر أعدّت قبل 2850 عاماً
في أواخر الصيف قبل 2850 عامًا، اجتاح حريق قرية مبنية على ركائز تطفو فوق نهرٍ موحل بطيء الحركة يمتد عبر الأراضي الرطبة شرق إنجلترا.
واشتعلت النيران في المنازل المستديرة المكتظة التي صُنِعت من الخشب، والقش، والعشب، والطين بعد 9 أشهر من بنائها فحسب.
وهرب سكانها تاركين وراءهم جميع ممتلكاتهم، بما في ذلك ملعقة خشبية في وعاء من العصيدة، ولم يكن هناك وقت لإنقاذ الحملان السمينة التي حُوصرت واحترقت وهي حية.
هذا المشهد عبارة عن لقطة قوية ومؤثرة استنتجها مجموعة من علماء الآثار لمجتمع كان مزدهرًا في أواخر العصر البرونزي في بريطانيا يُعرف باسم Must Farm، بالقرب ممّا يُعرف الآن ببلدة بيتربورو.
ونَشَر فريق البحث دراسة أحادية الموضوع مكونة من مجلدين الأربعاء تصف عمليات التنقيب والتحليل المضنية التي كلّفت 1.4 مليون دولار في الموقع بمقاطعة كامبريدجشاير.
ووصف الخبراء الموقع بكونه الوحيد في بريطانيا الذي يرقى إلى مستوى “بومبي”، وذلك في إشارة إلى المدينة التي تجمدت إلى الأبد بسبب ثوران بركان جبل “فيزوف” في عام 79 ميلادي.
وقال عالم الآثار، كريس ويكفيلد، من وِحدة كامبريدج الأثرية بجامعة كامبريدج: “في موقع نموذجي من العصر البرونزي، إذا كان لديك منزل، فمن المحتمل أن تجد العشرات من ثقوب الأعمدة في الأرض، وهي بقايا للمكان الذي وقفت فيه ذات يوم فحسب. إذا كنت محظوظًا حقًا، فستجد قطعتين من الفخار، وربما حفرة بها مجموعة من عظام الحيوانات. وشكّل هذا (المشروع) عكس تلك العملية تمامًا. لقد كان أمرًا لا يُصدَّق”.
وتابع ويكفيلد، وهو كان عضوًا في الفريق المكوَّن من 55 شخصًا الذي قام بالتنقيب في الموقع بعام 2016: “استُخدِمت جميع علامات الفؤوس لتشكيل الخشب ونحته. بدت كلها جديدة، كما لو قام بها شخص ما الأسبوع الماضي”.
ومكّنت حالة الموقع ومحتوياته التي تم الحفاظ عليها بشكلٍ جيّد الفريق الأثري من استخلاص معلومات جديدة شاملة حول مجتمعات العصر البرونزي، وهي اكتشافات قد تغير الفهم الحالي لما كانت عليه الحياة اليومية في بريطانيا خلال القرن التاسع قبل الميلاد.
وكشف الموقع، الذي يعود تاريخه إلى 8 قرون قبل وصول الرومان إلى بريطانيا، عن 4 منازل مستديرة، وهيكل مربع استُخدِم كمدخل بلغ ارتفاعه مترين تقريبًا فوق مجرى النهر، كما أنّه كان محاطًا بسياج مصنوع من الأعمدة المدببة.
ورُغم تفحّم المستوطنة نتيجة الحريق، إلا أن المباني المتبقية ومحتوياتها بقيت في حالة جيدة من الحفظ بسبب حالة نقص الأكسجين في المستنقعات، أو الأراضي الرطبة.
وشملت المحتويات العديد من العناصر الخشبية والنسيجية التي نادرًا ما تبقى في السجل الأثري.
وترسم آثار المستوطنة معًا صورة للحياة المنزلية المريحة والوفرة النسبية.
لا تزال الظروف التي دمّرت المستوطنة غامضة بعض الشيء.
ويعتقد الباحثون أنّ الحريق وقع في أواخر الصيف أو أوائل الخريف لأن بقايا الهياكل العظمية للحملان بإحدى المنازل أظهرت أنّ عمر هذه الحيوانات، التي تولد في الربيع عادةً، تراوحت بين 3 و6 أشهر.
ولكن، السبب الدقيق للحريق المدمر لا يزال غير واضح، وكان من الممكن له أن يكون عرضيًا، أو مفتعل عن عمد.
ووصف أستاذ دراسات ما قبل التاريخ البريطاني في معهد الآثار في كلية لندن الجامعية، مايك باركر بيرسون، التقرير والموقع بأنّهما يتميزان بالاستثنائية..
وأضاف باركر بيرسون، الذي لم يشارك في البحث، عبر البريد الإلكتروني: “ربما كانت النيران كارثية بالنسبة للسكان، لكنها نعمة لعلماء الآثار”.
كانت محتويات المنازل الأربعة المحفوظة “متشابهة بشكلٍ ملحوظ”.
وتمتع كل منزل بمجموعة من الأدوات التي شملت المناجل، والفؤوس، وشفرات يدوية لقص الشعر أو القماش.
ويبدو أنّ كل مسكن احتوى على مناطق مخصصة لأنشطة محددة، وهي سمة يمكن مقارنتها بالغرف الموجودة في المنازل الحديثة.
وأشار باركر بيرسون إلى أنّه “من خلال رسم مواقع كل هذه الاكتشافات، من الأواني.. والأدوات، وحتى فضلات الأغنام، أعاد الفريق الأثري بناء الاستخدام الداخلي للمساحة في المنازل”.
وأضاف باركر بيرسون: “كانت منطقة المطبخ في الشرق، ومنطقة التخزين والنسج في الجنوب، والجنوب الشرقي، مع وجود منطقة حظائر الحملان، ومنطقة النوم في الشمال الغربي، ولكننا لا نعرف مكان وجود مدخل كل منزل”.
وستُعرَض بعض العناصر التي عثر عليها الباحثون في معرضٍ بعنوان “Introducing Must Farm, a Bronze Age Settlement” في “متحف ومعرض فنون بيتربورو” ابتداءً من 27 أبريل المقبل.
وكشف التحليل المعملي للبقايا البيولوجية عن أنواع الطعام التي استهلكها هذا المجتمع في السابق.
وحمل وعاء آثار وجبة عشاء فاخر كانت عبارة عن عصيدة حبوب القمح الممزوجة بالدهون الحيوانية.
وأظهرت التحليلات الكيميائية للأوعية والجرار آثار العسل ولحم الغزلان، ما يشير إلى أنّ الأشخاص الذين استخدموا الأطباق ربما استمتعوا بلحم الغزال بالعسل.
وأظهرت عينات البراز القديمة التي عُثِر عليها أسفل المكان الذي كانت ستقف فيه المنازل أنّ المجتمع احتفظ بكلاب تغذّت على بقايا وجبات أصحابها.
وأظهر البراز المتحجر البشري معاناة بعض السكان من الديدان المعوية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news