صناعة البراقع.. قليل من الأدوات كثير من الدقة
قليل من الأدوات وكثير من الدقة والتركيز.. أهم متطلبات صناعة «البراقع»، الحرفة التراثية التي مارستها النساء منذ القدم.
والبرقع الذي يغطي الوجه من أهم مظاهر الاحتشام والستر للمرأة قديماً، وهو جزء من الأزياء الشعبية ومصنوع من القماش الرقيق المبطن، وبألوان مختلفة، ويتم قصه باستخدام المقص والمصقلة (أداة مصنوعة من المحار تُصقل بها البراقع أثناء وبعد القص).
أما «الشبج - الشبق» فهو عبارة عن خيوط من الصوف بألوان مختلفة تُربط على جانبي البرقع، حيث تقوم المرأة بربط هذه الخيوط خلف رأسها للتثبيت، ويتوسط البرقع السيف، وهي عصا خفيفة تثبت في المنتصف لوضعه على الأنف.
وقديماً انشغلت العديد من النساء بهذه الحرفة المتوارثة كمصدر رزق، إذ تقوم النساء ببيع البراقع، إضافة إلى قيامهن بأشغال يدوية مثل التلي (حرفة يدوية تقليدية للنسيج)، وصنع الفخاريات كعمل المداخن وصناعة البخور والعطور، والمخلطات العربية التي تستخدم فيها عطور زيتية بروائح نفاذّة.
وكانت الجدات حريصات على تعليم الحفيدات هذه المهنة المتوارثة جيلاً بعد جيل، كما تقول «أم أحمد» وهي تسرد قصتها مع صناعة البراقع، حيث كانت لصيقة بجدتها الراحلة مريم بنت علي بن حميد النعيمي في إمارة رأس الخيمة. وقالت: «كانت جدتي تقوم بحياكة وقص وخياطة البراقع بحرفية، وكنت آنذاك في الخامسة من عمري. وطوال مكوثي إلى جانبها كنت أراقبها وهي منشغلة في القص بدقة متناهية، وبدأت تدريجياً أرتبط بهذه الصناعة الدقيقة والجميلة».
وتسمى المرأة التي تقوم بحياكة وتفصيل وقص البرقع «قريظة»، وتقوم بتفصيله بمقابل مادي، حيث تحوك قطعة مربعة الشكل من القماش لتغطية الوجه، ثم توضع قطعة السيف الخشبية في منتصف الأنف، وتقوم بتحديد فتحتين كبيرتين للعينين وقصهما.
وتضيف أم أحمد: «بعد الانتهاء من قص البراقع تقوم جدتي بحفظها في علبة معدنية (قوطي حلويات ماكنتوش، أو قوطي بسكويت، ماركة الدانيش الفرنسي) من العلب المتوافرة في ذلك الحين».
وتتذكر عند انتهاء جدتها من العمل وتقول: «تتصبغ اليدان باللون البنفسجي، حيث يتم صبغ البرقع باللون النيلي (مادة النيلة) وهي مادة تستخدمها النساء لتبييض البشرة».
وحول الأجواء التي كانت ترتبط بصناعة البراقع، توضح أم أحمد: «قديماً كان النساء يتجمعن في بيتنا الذي كان يجمع نساء الفريج (الجيران) ويتبادلن أطراف الأحاديث مع فالة العصر (تقدم خلالها أنواع من المأكولات الشعبية)، وأتذكر جيداً الجارات وهنّ يمارسن الأشغال اليدوية الأخرى مثل التلي، الذي يعد من أعرق صناعات التطريز، ويستخدم لتزيين الأكمام وياقات الأثواب والسراويل النسائية، وكان النساء يستخدمن (الكاجوجة)، وهي المخدة التي يثبّت عليها طرف البكرة من خوص التلي».
• الجدات كنّ حريصات على تعليم الحفيدات هذه المهنة المتوارثة جيلاً بعد جيل.