رحلات فنان إماراتي تروي حكايا لجمهور بينالي البندقية

من خلال رحلاته في الطبيعة، التي امتدت لعقود، يقدم الفنان الإماراتي عبدالله السعدي أعمالاً مستلهمة من البيئة المحلية وتاريخ عائلته، تنوعت بين الفهرسة والأرشفة والتشكيل التعبيري والنحت وعروض الأداء، وصولاً إلى ابتكار «أبجدية جديدة».

يحتضن الفنان الذاكرة، ويروي القصص ويفكك الرموز في أعماله، ويسلك في أعماله دروباً نحو استكشاف العلاقات بين الأفراد وبيئتهم الاجتماعية.

ويقدم الفنان عبدالله السعدي لجمهور جناح الإمارات في بينالي البندقية بإيطاليا حتى 24 نوفمبر المقبل حكايا مستمدة من رحلات له في البرية، قام بها في الماضي، منها: «رحلة الطوبى»، «رحلة الخرير والحرير»، «رحلة النعال»، «رحلة على خطى قمرقند»، «رحلة على خطى قمرقند بالسيارة»، «رحلة الصوفي».

وتميزت تجربة السعدي بهذه الأسفار التي كان يقوم بها في الطبيعة، والتي بدأها عام 1992، وكان من بينها واحدة بالدرّاجة الهوائية من العين إلى الشارقة، وأخرى بالدراجة أيضاً من خورفكان إلى دبا البيعة (عمان)، وتتابعت الرحلات إلى «سفينة شباب العالم»، و«أنا وحماري – الحورة مدحاء».

عالم خاص

ويقدم معرض «أماكن للذاكرة.. أماكن للنسيان» في بينالي البندقية مختارات من رحلات السعدي، إذ يتجلى العالم الخاص به من خلال أعمال فنية ذات أشكال متميزة من الممكن أن تأخذ شكل لفائف طويلة، أو لوحات من قماش الرسم أو أوراق أو صخور تختلف من عمل لآخر، لتعكس مسيرته الدؤوبة لما يقارب 40 عاماً.

أولى الرحلات «الطوبى» التي امتدت خمسة أيام، وقام بها السعدي في أغسطس 2015، بهدف دراسة الأساليب التقليدية لصناعة الخبز على الصاج، برفقة 10 أحجار تحمل نقوش 10 حيوانات هي: حمار، بقرة، ماعز، قط، كلب، وعل، جمل، بطة، ديك، دجاجة. انعكس وجود رفقاء السفر على الرحلة، إذ نتج عنها حوار وقصص متخيلة، تمثلت في العديد من الصور ونصوص اليوميات، بالإضافة إلى الأحجار المنقوش عليها.

وتميزت الرسومات على الأحجار بكونها محفورة بأبعاد مختلفة، كما أن الحيوانات قدمها بأحجام ووضعيات متباينة.

أما الثانية فهي «رحلة النعال»، وقام بها السعدي بعد أن صنع نعالاً لنفسه خلال عامي 2014 و2015، واحتذى هذا النعال في رحلته التي قام بها على مرحلتين، ودفع بها عربة تحتوي أدواته الفنية. وكانت المرحلة الأولى من الرحلة سيراً على الأقدام، ومن منطقة الحلاة القريبة من مدينة دبا الحصن، فيما المرحلة الثانية أكملها بالسيارة من مدينة دبا إلى منطقة خصب. ونتجت عن الرحلة رسومات لخرائط الطريق على 85 صخرة صغيرة مسطحة، وتميزت الرسومات الخاصة بالصخور، بكونها تحمل ممرات وأشجاراً وسيارات، مستعيناً بالألوان المتباينة التي منحت الطرقات أبعاداً، منها الأصفر والرمادي والأخضر.

ومن النعال إلى تاريخ الشاي وصناعة الخبز في «رحلة الخرير والحرير»، وتتمحور حول تاريخ صناعة الشاي، وقام بها السعدي بصحبة كتاب عن طريق الحرير التاريخي، باحثاً عن مقاربات بينه وبين طريق رحلته التي استمرت أياماً عدة. استمع السعدي خلال الرحلة للموسيقى الصينية، ورافقته دراجته الهوائية، ورسم خرائط طريق للرحلة، وكتب يومياته على 38 لفافة من قماش الرسم. وبدأت الرحلة بالتخييم في منطقة الحورة بالقرب من مدحاء، واستكملت على الدراجة الهوائية حتى منطقة رؤوس الجبل.

برفقة حماره

أما «قمرقند» فهو عنوان الرحلة التي قام بها السعدي برفقة حماره في عام 2011. واستعاد الفنان هذا العنوان على رحلات عدة، أخذت مسار الرحلة الأولى، منها التي قام بها في عام 2017 مشياً على الأقدام، واستمرت أسبوعاً كاملاً، إذ سار فيها من مناطق: مدحاء، النحوة، شيص، الطيبة، مسافي، دبا، الفقيت، شرم، وصولاً إلى خورفكان.

أما إنتاجه الفني من هذه الرحلة فتمثل في الخرائط التي قدمها على 164 ورقة رسم، مستعيناً بالاكريليك وقلم الغرافيت على الورق. وتباينت الدرجات اللونية في هذه الأعمال، إذ تعمد عبر تدرجات البني تقديم التلال والجبال والطرقات دون أن يغيب الحمار الذي رافقه عن العديد من الرسومات.

«الصوفي على دراجة»

وفي فبراير 2017 قام السعدي برحلة «على خطى قمرقند بالسيارة»، والتي استغرقت أربعة أيام، وتجول فيها بين المناطق التي تجول بها في الرحلة السابقة، فيما قدم من خلالها رسومات لخرائط، وصل عددها إلى 56 وضعت داخل علبة حلوى دائرية.

أما الرحلة السادسة فتحمل عنوان «رحلة الصوفي على دراجة هوائية»، وقام السعدي بها في الطبيعة على الدراجة الهوائية على مرحلتين في يناير ومارس 2019، وتتمحور حول الصوفية، إذ قام في كل مرحلة بالتخييم لمدة أربعة أيام، برفقة كتب عدة عن الصوفية والمتصوفين، ورسم خرائط عن الرحلة على قطع قماش، ووضع كل قطعتين من القماش في علبة حلوى معدنية، فضلاً عن وجود رسومات لخرائط طريق ويوميات وعدد من الأبجديات التي ابتكرها.

محطات من السيرة

ولد الفنان عبدالله السعدي عام 1967 في خورفكان، وبعد حصوله على شهادة البكالوريوس في الأدب الإنجليزي من جامعة الإمارات في العين (1989)، درس الفن الياباني في جامعة كيوتو سيكا (1994-1996). وواصل تعليمه الفني، إذ التحق بورش الرسم في كلية الفنون في إدنبرة، عام 1998، بالإضافة إلى ورشة عمل «مشروع وادٍ» في مؤسسة القطب الشمالي بمدينة آيندهوفن عام 2002.

ينتمي السعدي إلى جيل رائد من الفنانين الإماراتيين، وترصد ممارساته الفنية التي تشمل الرسم والرسم التعبيري والنحت، وأخيراً أنشطة الأداء، العلاقات بين الأفراد وبيئتهم الطبيعية والاجتماعية. ويدعو الفنان لتأمل التقاليد والعلاقة المتغيرة التي قد تربط المرء بالعالم المادي من خلال عمليات الجمع، والفهرسة، والأرشفة، وغيرها. شارك في العديد من المعارض في الإمارات، وكذلك في دول عدة حول العالم.

• 1992 العام الذي بدأ فيه الفنان عبدالله السعدي مسيرته مع الرحلات البرية.

الأكثر مشاركة