<p align=right><font size=1>الضحك جزء من البناء الجيني للجسم.أرشيفية</font></p>

الضحـك يحـارب الشيخوخـة

«الضحك يطيل العمر»، عبارة يتناقلها الجميع، وتؤكد النظرة المجتمعية العامة أهمية الضحك والفكاهة في حياة المرء الصحية، وإلى أي مدى يمكن أن يؤثر الضحك في الحالة الصحية للإنسان، وقدرته على التعافي من الأمراض، وامتلاكه نظرة ايجابية للحياة.

هذه الفكرة الايجابية عن الضحك أكدتها دراسات علمية عدة، وبدأ العديد من الخبراء والأفراد نوعاً جديداً من «العلاج بالضحك»، سواء بهدف التخفيف من أسلوب الحياة المتوتر والضاغط، أو التنفيس عن ما تكبته النفس من منغصات، تجعل من الضحك حاجة أكثر منه صفة فطرية، يمكن أن تحول مرحلة الشيخوخة إلى تحدّ تعينه ضحكات أصحابه.

وبيّن باحثون أميركيون من جامعة لوما ليندا «أنه ليس الضحك فقط، ولكن ترقب أو توقع حدث مضحك أو طريف، يمكن أن ينتج عنه، هرمونات وقاية وحماية للصحة، حيث يرتفع هرمون الإندروفين بنسبة 27٪ بينما يرتفع هرمون «إتش جي إتش»، وهو هرمون مضاد للشيخوخة بنسبة 87٪، وذلك عند التفكير فقط بالقيام بأمر مضحك، أو ترقبه»، وأكد الباحثون «أن الضحك يعتبر جزءاً من بناء الجسم الجيني، حيث يبدأ الأطفال بالضحك بعفوية وفي عمر صغير جداً، من دون أن يتعلموا ذلك»، كما «يعزز الضحك الدورة الدموية في الجسم وعمل القلب، ويقوي قدرة الرئة، بالإضافة إلى أنها تمرّن عضلات الوجه والمعدة، كما يعتبر واقياً طبيعياً لتقدم العمر، والتوتر، والقدرة على النوم، مستويات الأكسجين في الدم».

وأظهرت دراسة نرويجية حديثة شارك فيها 54 ألف شخص يتصفون بحس الفكاهة تمت متابعتهم على مدى سبع سنوات أنهم لا يعانون من الامراض التي يفترض أن يعانوا منها نظراً لعمرهم، وتراجعت لديهم احتمالات الوفاة لأسباب صحية بنسبة 35٪، وعلى سبيل المثال من شخصت لديهم الإصابة بالسرطان كانت نسبة نجاتهم من الموت أكبر بـ70 ضعفاً، في حال كانوا يتمتعون بحس فكاهة، وميل وقابلية للضحك. ونصحت الدراسة بتعزيز وجود الضحك في حياتنا اليومية خصوصاً وسط هذا الكم الكبير من الضغوط عبر متابعة أفلام، أو مسلسلات كوميدية، أو كتب، أو نكات مضحكة.

جدتي لا تضحك

وقال إبراهيم عبدالله، 16 عاماً، من الشارقة، «إن التقدم في العمر والشيخوخة المصاحبة له مرتبط بالجدية وسرعة الغضب، وأنا عادة ما أعاني من تدخل جدتي وغضبها لأبسط الأمور، ونادراً جداً ما أراها ضاحكة أو مبتسمة»، مشيراً إلى أن تعابيرها الجدية المكتئبة أصبحت صفة مصاحبة لها، وجزءاً من شخصيتها. ويضيف «في أحيان كثيرة نحاول القيام بحركات مثيرة للضحك أمام جدتي، أو أن نعرض عليها فيلماً فكاهياً، رغبة منا في رؤيتها في مزاج مرح، إلا أننا نفشل في ذلك».

وأضاف «في إحدى المرات، أقنعت جدتي بالذهاب إلى السينما لمشاهدة أحد الأفلام المصرية الكوميدية، ولكن ورغم تعالي القهقات والضحكات في قاعة السينما بكاملها، إلا أن تعابير وجه جدتي كانت كالتمثال، حيث وجدت أن الفيلم تافه وغير مضحك أبداً»، مبيناً أن كل ما يثير ضحكها «ذكرياتها الطريفة الخاصة سواء التي عاشتها هي، أو التي حدثت مع أحد أفراد العائلة»، مشيراً إلى أن ما يثير ضحكه والشباب من جيله، تغير تماماً عما يثير ضحك كبار السن.

إسماعيل ياسين

ويرى خلفان علي، 28 عاماً، من الشارقة، أن هناك اموراً كثيرة التي تغيرت على مدى العقود، منها حس الفكاهة، فما كان يعتبر مثيراً للضحك في السابق، مثل أفلام الممثل المصري الراحل إسماعيل ياسين الكوميدية، التي تعتمد بشكل كبير على الحركات والتعابير الفكاهية المضحكة، لم يعد مضحكاً الآن، وقال «إن البساطة والوضوح في الحياة كانا يؤثران أيضاً في حس الدعابة والمرح لدى من كان يعيش في تلك الفترة، بينما يجد الناس حالياً صعوبة في إيجاد ما يثير الضحك لديهم، خصوصاً مع تسارع ايقاع الحياة اليومية وضغوطاتها، الأمر الذي حول الضحك من فعل فطري إلى حاجة جسدية ونفسية».

الشيخوخة والحاضر

وتؤكد إخصائية العلاج بالطاقة، مها نمور، أن الشيخوخة تبدأ «عندما يجذب الماضي الإنسان ويسرقه من حاضره، ومن نفسه وحياته، فيعيش في وهم وسجن من صور بالية، وتتحول الذكريات والأحاسيس إلى حقيبة ضخمة، تثقل كتفيه ليلاً ونهاراً، لتكبر يوماً بعد يوم، ويضعف حاملها أكثر فأكثر»، وأضافت أن الأمر يتحول مع الوقت الى عجز مستمر، ويمتد الضعف الى أعضاء الجسد والحواس والعالم الداخلي، فيشح النظر، وتتقلص العينان، ويتضاءل السمع، ويثقل التنفس، ويفقد الأكل طعمه، وتنهار أعضاء الجسد الداخلية نتيجة إقفال منافذها وعلاقتها بالحياة، وأضافت نمور أنه «كلما أقفل المرء باباً في وجه الحياة سار خطوة نحو الشيخوخة، كأن يقفل قلبه ليصبح سجيناً في صدره ولعواطفه وأحاسيسه وماضيه»، مبينة أسباب ذلك بالبعد عن الحياة اليومية وسحر اللحظة «وعن الحب والرحمة وعن الإيمان بالله وبحكمته».

تأمّـل البسمة الداخلية

وقالت نمور إن «تأمل البسمة الداخلية يعلم الابتسام من خلال الأعضاء والأنسجة والغدد، كما أن الابتسام الداخلي يعدي الأعضاء كلها»، مضيفة أن علماء الطاقة «يؤكدون أنه حين نبتسم تفرز الأعضاء مادة شبيهة بالعسل، تغذي الجسم كله، أما الأعضاء فتفرز، كردة فعل على الغضب والخوف والتوتر، مادة سامة تسد قنوات الطاقة وتتسرب إلى الجسد، وتسبب فقدان الشهية وعسر الهضم، وضغطاً دموياً مرتفعاً وتسارعاً في نبضات القلب وأرقاً وانفعالات سلبية أخرى»، وتوضح أن الابتسام من خلال الأعضاء «يسمح لها بالتمدد ويجعلها أكثر ليونة وفاعلية، فالتنفس هو الحافز المباشر لتوزيع مفاعيل البسمة في حنايا الجسد وثناياه كافة».

وتبين نمور أن «البسمة الداخلية تنير الجسم كشعاع طاقة، ويعمقها التنفس الواسع، ويحملها كموجة عارمة إلى داخل الأعضاء، وهذا أمر أساسي للوعي والشفاء الذاتيين، إذ تساعد هذه الممارسة في تفريغ السموم من الجسد، وبث الطاقة فيه، وتنظيم أعضائه وأنسجته، ما يقوي الجهاز العصبي ويطور طريقة الإدراك الذاتي».

وفي ما يخص الابتسام الإرادي، توضح نمور أن البسمة تساعد في تحولات الأفراد الانفعالية التي تولد من وضع حالة جسدية، وقالت «إذا غيرنا الحالة الجسدية تغيرت الانفعالات، وذلك بفضل تغيير إرادي للحركات والوضعيات، ما يعني تعديل الانفعالات كلياً خصوصاً تلك التي تحدد صورتنا الذاتية»، مشيرة إلى أن البسمة الإرادية تغير حالة الدماغ، تماماً مثل البسمة التلقائية، وهذا يدعونا إلى تنمية مسؤولياتنا تجاه ذاتنا»، وتضيف «تزين البسمة الوجه، وترخيه، وتبعث على الاسترخاء العام، بما فيه صورتنا الذاتية، وما تتضمنه من مواقف وانفعالات»، مبينة أن الاسترخاء العميق يولد الحركات المناسبة للدم والطاقة من أجل العناية بالجسد، «فالبسمة مفتاح الصحة، وهي نور داخلي يشع إلى الخارج، والعكس صحيح».

الدعابة لعلاج المرضى

وقال باحثون كنديون «يلعب حس الدعابة والفكاهة دوراً بارزاً في التخفيف من التوتر والقلق المرتبطين برعاية المستشفيات، إنه يفيد كلاً من المرضى ومقدّمي الرعاية على حدّ سواء، وكشفت هذه الدراسة «أن حس الدعابة والفكاهة جزء أساسي من عيش كل يوم على أكمل وجه».

أوقالت روث دين، المؤلفة المشاركة للدراسة التي تمّ نشرها في مجلة «التمريض الإكلينيكي» إن «جودة الحياة والعلاقات الإنسانية هي أهم جزء في رعاية ذوي الحالات الصحية الحرجة».

واستمر الباحثون نحو300ساعة في المراقبة وإجراء مقابلات مع الطاقم والمرضى وعائلاتهم، في وحدة الرعاية التلطيفية والرعاية المكثفة في وينيبيج في مانيتوبا، وخلصوا إلى أن «الطاقم الذي استطاع أن يتمتع بحس الدعابة والفكاهة، كان قادراً على التخلص من بعض آثار المرض»، وكذلك أوحت مبتكرات الدعابة والفكاهة التي خرج بها المرضى لمقدمي الرعاية بإشارات إلى المخاوف التي تشغل بالهم، وفقاً لما جاء في الدراسة.

وذكرت البروفيسورة المساعدة في علم الشيخوخة في جامعة أركانساس الأميركية، لافون إس. ترايويك، أن الدعابة وما يضحك من المواضيع يختلف من شخص لآخر، بينما تختلف الأمور التي تثير ضحك كبار السن مقارنة بمن هم أصغر سناً، «ويميل كبار السن إلى الضحك على الآخرين، أو على أنفسهم، في مواقف مشتركة، ومحرجة»، مشيرة إلى أنه يمكن وصف حس الفكاهة لدى كبار السن بأنه أكثر حدة وحذق، وأكثر تسامحاً، وأقل حكماً على الاختلافات بين الأفراد.

العلاج بالضحك  

تبين الدراسات أن الضحك أحد العلاجات التي تستخدم لتحسين مستوى الحياة النفسية والصحية عامة، كما أنه يوفر تخفيف الألم، ويعزز الاسترخاء، ويقلل التوتر، بينما وصف الخبراء أنواعاً مختلفة من الضحك وحس الفكاهة، منها الضحك السلبي الذي يتضمن مشاهدة أفلام أو قراءة موضوع مضحك، وهناك الضحك العفوي أو غير المخطط، الذي يتضمن التعرض لمواقف مضحكة في الحياة اليومية.

ويتضمن العلاج بالضحك تأثيراً فيزيائياً على الجسم، من خلال التنفس، واستخدام المزيد من الأكسجين، وارتفاع معدل نبضات القلب، وعلى الرغم من أن الأدلة العلمية لا تدعم الضحك علاجاً منفرداً بحد ذاته، إلا أن للضحك فوائده عديدة، منها التغيرات الإيجابية في الجسم، والإحساس العام بالتحسن، حيث أثبتت إحدى الدراسات أن الضحك يحسن القدرة على تحمل الألم، وهو الأمر الذي يسببه تحرير ناقلات لهرمونات عصبية في الدماغ، والتي تعين على السيطرة على الألم، بينما بينت دراسة أخرى أن الهرمونات المرتبطة بالتوتر، يمكن أن تخففها موجات الضحك التي تعتري الإنسان.

ويعتبر العلاج بالضحك أحد العلاجات الآمنة التي يمكن أن يقدم عليها أغلب الفئات من الأفراد، ولكن شرط أن تكون تكميلية مع العلاجات الطبية الموصوفة، إلا أنها تعتبر مؤذية في حال استخدمت لتفادي وتجاهل مشكلات أو أوضاع صعبة في حياة المرء يفترض مواجهتها أو حلها، كما يعتقد المعالجون بالضحك.

ويعود تاريخ العلاج بالضحك إلى تاريخ بعيد:

--القرن الـ14: استخدم الجراح الفرنسي هنري دي مونيفيل الضحك للمساعدة في علاج المرضى بعد الجراحة.

--القرن الـ16: استخدم الكاهن والباحث روبرت برتون الضحك والفكاهة لعلاج الكآبة والسوداوية.

--القرن الـ17: استخدم عالم الاجتماع هربرت سبينسر العلاج بالضحك كطريقة للتخفيف من التوتر المكثف.

--القرن الـ18: استخدم الفيلسوف الألماني إيمانويل الضحك لإعادة التوازن.

-القرن الـ20: يعود تاريخ العلاج الحديث بالضحك إلى ثلاثينات القرن العشرين، حين بدأ إدخال المهرجين إلى مستشفيات الأطفال للتخفيف عن حالة الأطفال الصحية.

--عام 1972: افتتح معهد غيزندهيت على يد الدكتور هنتر باتش آدامز، وهو مستشفى مجاني مرتكز على فكرة إدخال المرح والفكاهة والصداقة على العلاج.

--عام 1979: أطلق نورمان كوزنز كتابه «تشريح المرض» والمبني على تجربته الشخصية، حيث قرر استخدام نوع من العلاج بالضحك، عبر متابعة حلقات من البرنامج الفكاهي «الكاميرا الخفية»، وأعلن أن 10دقائق يومية من الضحك يمكن أن تقدم له ساعات من تهدئة الألم.

--عام 1998: عودة الاهتمام بهذا النوع من العلاجات التي تستخدم الضحك بعد إطلاق الفيلم الشهير «باتش آدامز» للممثل الأميركي روبن ويليامز والمقتبس من قصة حياة الدكتور هنتر باتش آدامز الحقيقية.

الأكثر مشاركة