تأديب الطفل.. طرق كثيرة وعـــــــــــواقب وخيمة

معاقبة الطفل يجب أن تبتعد عن القسوة.  غيتي

تلجأ أسر كثيرة إلى وسائل عدة في تأديب الأطفال، مثل الضرب، أو الحرمان، أو العقاب النفسي، أو جميعها معاً، ويندفع كثير من الأهالي إلى المبالغة في محاسبة الطفل عن كل صغيرة وكبيرة، بأساليب عقابية متنوعة، بعيدة عن الحوار والمناقشة وإشعار الطفل بالمحبة والأمان، متجاهلين النتائج التي تترتب عليها، خصوصاً الضرب الذي يؤدي إلى نتائج وخيمة، لا تقتصر على النواحي الجسدية، بل تتعداه الى الناحية النفسية، حيث يكون الأذى النفسي أصعب، ونتائجه أسوأ، إذ يؤدي الى طفل ضعيف الشخصية، كما أن حياته الاجتماعية المستقبلية تصبح اكثر تعرضاً للأزمات. فالتأديب يجب أن يراعي سن الطفل، والوسيلة يجب أن تناسب المرحلة العمرية التي يمر بها، كي نجنب الطفل آثاراً سلبية ناتجة عنه.

حرمان

لا يلجأ عمر الحلبي إلى العقاب بالضرب مع ابنته (ثلاثة أعوام)، ويقول «عندما اشعر بالحاجة الى معاقبتها لا ألجأ الى الضرب اطلاقاً، لأن الطفل يحتاج الى الفهم»، مضيفاً أن علينا التعامل مع الطفل بأسلوب الحوار والمحادثة، ويوضح الطرق التأديبية التي يتبعها مع ابنته «أحياناً احاول ان اظهر لها غضبي منها، وذلك لمدة نصف ساعة ليس اكثر، ودائماً بعد ذلك تعتذر مني، وتقبّلني، ولكن ان أصرت على عنادها أحرمها من الذهاب الى البحر، فهي تحب البحر كثيراً، ولكن لا أحرمها من الخروج من المنزل، بل اقضي معها يوم عطلتي خارج المنزل، ولكن ليس على البحر». ويؤكد الحلبي نجاح طريقته في التعامل مع طفلته «أشعر بأن ابنتي اليوم تميّز بين الأمور، وتفهم ما أريده منها، وتدرك غضبي، وتتراجع عن الخطأ»، ويشير الحلبي إلى أنه لا يمكنه معاقبة ابنته عند كل خطأ «كي لاتهتز ثقتها بنفسها، فلا ألجأ للعقاب الا ان وجدتها تعرض نفسها لأذى».

تأجيل المكافأة

ويقول أمجد أبو سعيد (موظف في شركة عقارات) «فكرة الضرب كعقاب غير واردة في التعامل مع ابنتي، وعلى الرغم من أنها مازالت صغيرة، لكنني لا أفرط في دلالها كي تعرف ان هناك حدوداً لها». موضحاً ان ضرب الطفل سيجعله يخاف من الألم من دون أن يفهم الخطأ الذي ارتكبه، بالإضافة الى انه يؤدي الى طفل خائف. ويشرح أبو سعيد تجربته مع الأطفال التي لم تقتصر على تربية ابنته «كانت اختي تترك ابنها عندي، وحتى الآن إن ابن اختي يفهم ما أريده ويستمع الى نصائحي؛ لأنني لم اتبع معه أسلوب العنف يوماً. وإلى الآن أتبع مع ابنتي الأسلوب نفسه»، وعن أفضل الطرق التي ينهجها يقول «أعتمد تأجيل المكافأة، وأعتقد انه حلّ مثالي».

وتتفق مادلين النجار مع الرأي السابق، وتقول، «أتبع مع ابنتي أسلوب الحرمان، وغالباً ما يكون حرماناً من مشاهدة التلفزيون؛ كون ابنتي تحبها جداً، وبالتالي ان هذا العقاب يؤثر فيها اكثر من أي وسيلة أخرى»، مضيفة أنها في بعض الأوقات التي تكون فيها عصبية تضطر إلى تهديدها بالضرب، وتوضح أن ذلك «أدى الى تغييرات في شخصية ابنتي، فأراها تضرب اخوها الأصغر في اليوم التالي لتهديدي لها، علما بأنني لم اضربها يوماً، وألاحظ معاقبتها لأخيها بحرمانه من الألعاب التي يحبها».

تنشئة اجتماعية

ويؤكد اختصاصي علم الاجتماع، الدكتور حسين العثمان، أن «التأديب يرتبط بالتنشئة الاجتماعية، وهدفه تحويل الإنسان من كائن بيولوجي الى كائن اجتماعي، لذا لا يجب ان يكون التأديب مبنياً على الضرب لأنه غير قادر على خلق اطفال يتمتعون بصحة جيدة». ويتابع «يحتاج الطفل من عمر ثلاث سنوات الى الاحساس بالأمان، وهذا يرتبط بكيفية تعاطي الأهل مع الأطفال، بالإضافة الى ان التربية يجب ان تبتعد عن الحماية الزائدة والعصبية، بل ان تكون مبنية على الجوائز والعقاب الذي هو الأخير يُبنى على قاعدة الحرمان من أشياء معينة وليس الضرب». ويلفت العثمان الى اهمية ربط المكافآت التي يمنحها الأهالي للطفل بإنجازات معينة، وأهمية توفير بيئة سليمة لتنشئة الطفل، والتعامل معه بما يناسب سنه.

ويضيف العثمان أن «التربية يجب الا تقوم على الدلال الزائد، كونه يؤثر في ثقة الطفل بنفسه، وبالمقابل فعدم تشجيع الطفل يؤدي الى شعوره بالخوف والخجل والشك في قدراته». أما في ما يتعلق بموضوع الحرمان كعقاب للأطفال فيوضح «الحرمان موضوع نسبي يجب أن يتناسب مع الفعل، فهناك امور لا يمكن ان نعاقب الأطفال عليها، فالعقاب قضية معقدة جداً، خصوصاً حين يكون الطفل في سن الرابعة والخامسة، اذ إنه لا يجوز معاقبة الطفل اطلاقاً في هذه المرحلة العمرية، ونبدأ بتطبيق الحرمان كعقاب بعد ان يبلغ الطفل ست سنوات».

أمّا لجهة تحديد الحرمان، وكيف يجب ان يكون فيقول العثمان «العقاب وكذلك الثواب يجب ان يكونا بالحدود الدنيا مع الطفل، فلو عاقبنا الطفل بالحرمان حين يخطأ، علينا في المقابل ان نقدم له المكافآت والجوائز حين يحسن». مشدداً على أن حرمان الطفل يجب تحديده بوقت قصير، ويوضح «يجب ألا تتعدى مدة الحرمان يوماً واحداً، بالاضافة الى عدم كسر الأهل للعقاب، كي لا يكون بلا قيمة، ويجب ان يعرف الأهل كيف يختارون الأشياء التي يحرمون اطفالهم منها، على الا يكون موضوع الحرمان علنياً وأمام المجتمع ايضاً، أي ان يتم في المنزل».

طفل خائف

ويقول استشاري الطب النفسي، الدكتور علي الحرجان «إن العقابين النفسي والجسدي مرفوضان، ولا يستحب اللجوء إليهما»، موضحاً أنهما يؤديان الى ردود فعل سلبية وخطرة قد تستمر طوال حياة الطفل «تؤثر في حياته الدراسية والأسرية والاجتماعية، فاستعمال العنف قد يؤدي الى طفل يعاني من الخوف والرهبة، وذلك من العقاب الجسدي أو الحرمان».

ويضيف الحرجان «الأطفال الذين يحمل تصرفهم العناد الذي هو شكل من اشكال الكراهية، فإن ذلك ينتج عن اعتياد الطفل الإهانة او الضرب والتقليل من قيمته أمام الآخرين». ويرى أن «التعليم هو الطريق الامثل لمحاورة الطفل، لأنه في الواقع ليس هناك من طفل يرغب في ان يكون مشاكساً، او ان يخرج عن السلوك العام، بل إن ذلك ينتج عن اسباب عدة، منها ان يكون الطفل نشيطاً وكثير الحركة، او انه يعاني اضطرابات جسمية او نفسية، او انه اكتسب هذا السلوك من البيئة المحيطة كالأهل والتلفزيون والمدرسة، فالطفولة تعني مرحلة الاستكشاف، وبالتالي الطفل يتصرف بطريقة غير صحيحة لأنه لا يعرف الخطأ والصواب، فمهمتنا كأهل ان نوضح ذلك له».

وعن الآثار النفسية التي تنتج عن معاقبة الاطفال بقسوة او بالضرب أو الحرمان، يشرح الحرجان «قد يكره الطفل المدرسة، او يتغيب عنها، وقد يعاني اضطرابات النوم والخوف والعناد والكراهية والعدوانية تجاه الآخرين، والغيرة، ومعاناة جسدية، كالتقيؤ والغثيان والصداع».

وينصح الاهالي بالابتعاد عن العنف الجسدي وحتى النفسي؛ كونهما يؤثران في العلاقات الاجتماعية للشخص.

ويشدد الحرجان على أنه لا يجوز حرمان الطفل من حقوقه الأساسية وهي «الاكل والنوم واللعب والدراسة والاختلاط مع الآخرين، على أن يكون أقصى حالات العقاب بعدم تقديم المكافآت للطفل، أي بما معناه أن يقوم الاهل بعرض الخسائر المترتبة عن عصيانه، والفوائد التي يمكن أن يحصلها إن أحسن السلوك والتصرف». ويشير إلى أن «على الأهل الا يظهروا قلقهم الشديد او اهتمامهم، كي لا يستغل الطفل عاطفة الاهل وخوفهم، وعليهم ان يظهروا للطفل انهم سيحزنون عليه ان اخطأ وليس منه»، منبهاً الى ضرورة عدم ربط المكافآت التي يمنحها الاهل للطفل بخمسة اشياء، وهي «الاكل والنوم والمدرسة والسلوك والنظافة».

الأطفال أولاً

ويعزو الحرجان، خطأ الطفل في التصرف الى خطأ الاهل في التعاطي معه، مضيفاً ان التربية هي الاساس، والطفل لا ذنب له ان ارتكب الاخطاء، ويوضح «انشغال الاهل في الحياة العملية هو الذي ابعدهم عن الطفل، فلا وقت مخصصا له لتنمية ثقافته وتعليمه، كي نزرع فيه كيفية الاستفادة من الجوانب الايجابية في الحياة». ويلفت الى اهمية الاستماع للطفل «تحولت مقولة السيدات اولاً في بلدان كثيرة لتصبح الاطفال اولاً، فنحن علينا ان كنا جالسين مع مجموعة اصدقاء الا نمنع الطفل من التحدث، إذ ارى أهالي كثيرة يرفضون مشاركة الاطفال في الحديث، فيقولون: لا تتدخل في احاديث الكبار، ولكن من حق الطفل علينا ان نسمعه، ونعلمه اصول التدخل من دون ان نقمعه او نهينه امام الآخرين».

تويتر