تقاعد الرجل.. سنوات الراحـة القسرية
تعدّ مرحلة التقاعد في حياة الرجل من المراحل الصعبة التي تحتاج الى التحضير المسبق كي يتقبلها بهدوء، فكثيراً ما يبدأ الرجل بالتدخل في الامور البسيطة في المنزل بسبب الفراغ الذي يعاني منه، ما يوتر العلاقات الأسرية بمجملها. وفيما يتدخل بعض الأشخاص في شؤون المنزل، يعمل آخرون على التحضير لهذه المرحلة من خلال تجهيز مشروع معين يستثمرون فيه راحتهم بعد سنين من التعب، أو حتى تنمية بعض القدرات والمهارات. لذا يمكن القول إن التحضير لهذه المرحلة مهم كي لا يدخل الفرد في فراغ اجتماعي، ولا يشعر بأنه غير مفيد في الحياة. وأن يعرف كيفية استغلال أوقات الفراغ الزائدة عبر مشروعات ونشاطات اجتماعية تريحه ولا تزعج الاسرة.
وقال كامل إسماعيل، أردني متقاعد منذ اشهر، عن نظرته للتقاعد: «علينا في البداية ان نميز بين نوعين من التقاعد: فهناك تقاعد اختياري، وتقاعد إجباري؛ لان التقاعد الاختياري لا يؤثر كثيراً في الشخص، فيما التقاعد الإجباري يعد هدماً لمجموعة طويلة من الخبرات التي أرى انه يمكن استغلالها لمدة أطول».
وتابع إسماعيل الذي يبلغ 64 عاماً «لا أرى ان التقاعد الإجباري ينطبق على جميع المؤسسات؛ كون بعضها يعمد إلى استقطاب هذه الخبرات للاستفادة منها، وبالنسبة إليّ هذا هو الصواب»، واصفاً الراحة بعد التقاعد بأنها «تتوقف على حاجات الشخص، وماذا يريد من الحياة وكيف يريد ان ينمي قدراته»، مضيفاً «شخصياً أنظر الى هذه المرحلة على أنها فرصة للاطلاع والقراءة وتنمية الثقافة أكثر».
أما في ما يتعلق بالفراع الزائد في حياة إسماعيل وكيف يتعاطى معه، فأوضح انه لا يلجأ الى تنفيذ أي مشروع خاص، معتبراً أن هناك مشروعات كثيرة يقيمها البعض ولكنها تتطلب رؤوس اموال، وتحضيراً مسبقاً، وضرورة ميل الشخص لعمل حرّ مخالف لمهنته الاساسية.
وأشار إلى أنه يعمل حالياً على تحسين مهاراته على الحاسب الآلي «بدأت أطور مهاراتي في استخدام الحاسب، بالإضافة الى كتابة الكثير من التجارب الشخصية التي خضتها في مجالات مختلفة، وسأعمل على ان تنقح في كتاب».
مشروعات
وقال المواطن عبدالله، الذي اكتفى بذكر اسمه الأول، وكان يعمل في وزارة الاعلام، إن «التقاعد أثر كثيراً في حياتي الزوجية، فأصبحت اكثر تعلقا بزوجتي»، مضيفاً «فعلاً أصبحت صديقاً مخلصاً لزوجتي، وأصحبها في زياراتها، ولا أرضى بخروجها من المنزل وحدها». وتابع «بعد ان مرضت شعرت بالتعلق الشديد بزوجتي، لاسيما بعد فترة علاجي، فقد أصبت بسرطان وتعالجت في سنغافورة، وهذا أثر كثيراً في حياتي الاسرية».
ولفت إلى أنه كان يشعر بأنه قد قصر في حق اولاده من زوجته الاولى، وبعد التقاعد تغيرت علاقته مع اولاده، موضحاً «بدأت اشعر بأنني قصرت وهذه فرصتي لأعوض غيابي وتقصيري في واجباتي تجاههم»، مضيفاً أنه اقام مشروعات كثيرة مع زوجته الثانية، ولفت إلى أن «بعضها كان خاسراً وبعضها كان رابحاً، لكنها كانت تقربني من زوجتي، وكنت اقوم بها لأرضيها، وكذلك لانني أعتبرها فرصة لقضاء الوقت سوياً».
تدخّـل في المنزل
وقالت عليا محمد، ابنة لرجل متقاعد، إن «هذه المرحلة من الامور الصعبة، فمن خلال تجربتنا الخاصة مع والدي وجدنا ان وقت الفراغ جعله يتدخل في تفاصيل صغيرة في المنزل لم يكن يتعرض لها سابقاً، ما يؤدي الى مشكلات كثيرة مع والدتي وإخوتي».
وتابعت «لم يكن سهلاً علينا تقبل تدخل والدي، حتى اننا فكرنا في ان نقوم بتجهيز نشاطات خاصة له، فأصبحنا نعد له السفرات خارج البلاد، فهذا ساعده على تجاوز المرحلة، وعيش تجارب جديدة تغني أوقاته التي يعيشها».
وذكرت أم محمد، فلسطينية الجنسية، أنها حاولت مساعدة زوجها على تخطي المرحلة، وقالت: «بدأت أرى الحزن في عيني زوجي، فمن الصعب ان يشعر الرجل بأنه عاجز؛ لأن مسألة العمل تمده بالشعور بأنه قوي ومنتج»، مضيفة «واجهت تدخلات كثيرة من زوجي، فبدأ يعلّق على امور لا تعنيه، كالغسل وطريقة تنظيف وترتيب المنزل، على الرغم من انه لم يكن كذلك في السابق. وبحثت عن حل لذلك»، وأوضحت «فكرت كثيراً في ان نقيم مشروعات، ولكنها تحتاج الى رؤوس اموال ضخمة ولا تتوافر لدينا»، فكان الحلّ الامثل لدى ام محمد لمساعدة زوجها هو الانضمام والتطوع في احدى المؤسسات الاجتماعية. واختتمت «لاحظت الفرق بعد ان بدأ زوجي يذهب الى المؤسسة، فقد تغيرت نفسيته، وبدأ يتحدث اكثر عن الاعمال التي يقوم بها دون ان يتدخل في أمور المنزل».
تهيئة نفسية
ورأى الاختصاصي في علم الاجتماع والاستاذ في جامعة الشارقة، الدكتور حسين العثمان، أن التقاعد مرحلة انتقالية يمر فيها الانسان، وأشار إلى أننا يجب ان ننظر الى نقطتين مهمتين، «فهناك من يكون لديه الوعي الكافي حول هذه المرحلة، ويتحضر جيداً لها، فيما تعد كالصاعقة لمن لم يهيئ نفسه لها، فلا يتقبل التقاعد».
وعزا اسباب عدم تفهم الرجل للتقاعد إلى ان «مرحلة العمل تعد رحلة القوة والسلطة والقيام بشيء مفيد من خلال الانتقال من الجو الاسري الى جو العمل، فيما تعد مرحلة التقاعد مرحلة يشعر المرء فيها بأنه فقد السلطة، فيجد نفسه بين افراد الاسرة في كل الاوقات، ولديه وقت كبير من الفراغ، لا يعرف كيف سيقضيه فيشعر وكأنه اقل قيمة، ما يؤدي الى مشكلات كثيرة مع افراد الاسرة في العائلة».
ولفت الى ضرورة ذهاب الشخص الى عمل آخر، لاسيما وقد وجد أنه قادر على القيام بهذه الأعمال. وميز بين نوعين من التقاعد: فهناك التقاعد في سنّ صغيرة، والتقاعد الاجباري الذي يتم بعد سن الـ65 وأوضح ان «تقاعد الرجل في سن صغيرة اسهل لأنه يتمتع فيها بالقوة الجسدية والعقلية، ومن الممكن ان يستثمر وقته في مشروع او في العمل مع الآخرين.
قال الاختصاصي في علم الاجتماع والأستاذ في جامعة الشارقة، الدكتور حسين العثمان، ان دور الأشخاص المحيطين بالرجل المتقاعد مهم جداً في العمل على عدم دخوله في مشكلات نفسية واجتماعية. مشيراً إلى أن جلوس الرجل في البيت سيجعله يتدخل في مختلف الامور المنزلية.
ونصح أفراد الأسرة، الزوجة والأبناء، «بتشجيع الأب على الانضمام الى بعض النشاطات الاجتماعية او الاشتراك في النوادي الاجتماعية، ما يساعد في توفير بيئة جيدة يستكمل فيها الرجل حياته بهدوء، الأمر الذي يستحقه بعد سنين من التعب».