الحوَل.. عائق بصري واجتماعي يحول دون اندماج المصاب به في المجتمع. تصوير: شاندرا بالان

الحـوَل.. الاكتشــاف المبكّـر بدايــة الشفاء

تتعدد العيوب البصرية التي قد يعاني منها الإنسان، وتتنوع في أسبابها وأعراضها، ومن أبرز حالاتها الشائعة ـ خصوصاً بين الأطفال ـ الحول الذي يترك بأنواعه المختلفة آثاراً صحية، ونفسية سلبية في حياة المصابين به، تشكل مع مرور الوقت عائقاً اجتماعياً يحول دون تفاعلهم واندماجهم مع أقرانهم في المجتمع، ولا يمكن تجاوز هذا العائق، والتغلب عليه، إلا عن طريق الاكتشاف المبكر الذي يحدد الوسائل العلاجية، والتي تختلف حسب الحالات، فبعضها يتطلب أدوية، وأخرى تستدعي ارتداء نظارات طبية، وغيرها يحتم تدخلاً جراحياً استطاع تحقيق نسبة نجاح عالية وصلت إلى 90٪.

وأفادت استشارية طب وجراحة العيون في مستشفى البراحة، الدكتورة منى المطوع، بأن الحول «حالة شائعة تصيب الأطفال، وتصل نسبتها إلى 4٪ عند الذكور والإناث على حدٍ سواء، إضافة إلى إمكانية حدوثه في مرحلة لاحقة من العمر، وقد يصيب أكثر من فرد في العائلة نفسها، وكذلك الذين لا تربطهم صلة قرابة»، وعرّفت الحول بأنه «عيب بصري تكون فيه العينان غير مستقيمتين، وتنظران إلى اتجاهين مختلفين، وقد تكون عدم الاستقامة هذه ملحوظة دائماً، أو أنها قد تظهر وتختفي، حيث تكون إحدى العينين متجهة للأمام مباشرة، بينما تنحرف الأخرى إلى الداخل أو الخارج، أو إلى أعلى أو أسفل»، لافتة إلى أن العين المنحرفة قد تستقيم في بعض الأحيان، وتظهر العين المستقيمة انحرافاً في أحيان أخرى.

أسباب

وأضافت المطوع لـ«الإمارات اليوم» أن للحول أسباباً عدة، منها «ما يظهر بعد الولادة مباشرة، أو خلال الستة أشهر الأولى من عمر الطفل، ويسمى «الحول الخلقي»، يرث فيه الطفل الحول من أحد الوالدين أو الأقارب، وهناك أنواع قد تظهر بعد السنة الأولى، ويكون سببها أحياناً الإصابة بمد البصر في إحدى العينين أو كلتيهما»، مضيفة أن «السبب الأكيد للإصابة بالحول ليس مفهوماً بشكل كامل، ولكن ينبغي أن نعلم أن ست عضلات تتحكم في حركة العين الواحدة وتتصل بالعين من الخارج، وتوجد في العينين عضلتان تحركانها لليمين واليسار، بينما الأربع عضلات الأخرى تحركها للأعلى وللأسفل ولأي زاوية مائلة».

وتابعت «يجب أن تعمل هذه العضلات معاً في العينين بشكل متوافق، لموازاة اتجاههما، وتحديد النظر في نقطة واحدة، ويتيح ذلك حركة العينين بالشكل المتناسق نفسه»، وأضافت «يتحكم المخ في حركة تلك العضلات . لذلك، يظهر الحول في بعض الأطفال الذين يعانون من شلل المخ، والمنغولية، واستسقاء الرأس، وأورام المخ، ويمكن أن ينتج كذلك بعد جراحة إزالة المياه البيضاء من العين والمعروفة (بالكتاراكت)، أو بسبب إصابة شديدة في العين».

وذكرت أنه يمكن تقسيمه إلى حول شللي، وآخر غير شللي، ويكون الأول نتيجة الإصابة بضعف في إحدى عضلات العين أو شلل في العصب المنبه لها، وتكون حركة العين محدودة في جهة العضلة المشلولة، مضيفة أن لهذا النوع من الحول أسباباً عدة، منها «الإصابة بالأنفلونزا، أو أمراض فيروسية أخرى، أو نتيجة وجود مرض بالجهاز العصبي يؤثر في الأعصاب التي تنبه عضلات العين، وبعض حالاته تنتج عن أورام داخل الدماغ، أما عند كبار السن فيمكن لارتفاع ضغط الدم أو مرض السكري أن يؤدي للإصابة به».

ولفتت إلى أن الحول غير الشللي تكون حركة العينين فيه حرة غير محددة، على الرغم من وجود الحول، مثل الحول الخلقي، أو الناجم عن خلل في الانكسار مثل مد البصر أو حسر البصر، والذي قد يؤدي إلى ما يسمى بالحول الأنسي، عندما تنحرف العين إلى الداخل، أو الحول الوحشي عندما تنحرف إلى الخارج.

فحص العين

واعتبرت المطوع أن العرض الرئيس للحول «يتمثل في وجود عين غير مستقيمة، وفي بعض الأحيان فإن الأطفال المصابين بالحول تنحرف إحدى أعينهم في ضوء الشمس الساطع، أو يميلون برؤوسهم في محاولة لاستعمال العينين معاً».

وشددت على ضرورة «فحص عيني الطفل بواسطة طبيب العيون قبل أو عند سن الرابعة، وفي حالة ظهور حالات سابقة من الحول أو كسل العين في عائلة الطفل، يجب فحصه قبل سن الثالثة»، لافتة إلى أن هناك ما يعرف بالشكل الكاذب للحول، والذي يختفي مع تقدم عمر الطفل، ويستطيع طبيب العيون التمييز بينه وبين الحول الحقيقي، ويظهر في أعين حديثي الولادة، حيث غالباً ما تظهر بشكل متقاطع يشبه الحول، وهذا طبيعي، كما الحال في أنوف الأطفال الصغار التي تكون عريضة ومسطحة مع وجود ثنية من الجلد عند الجزء الداخلي من جفن العين ما يعطي العينين شكل حول».

وذكرت الاستشارية الدكتورة منى المطوع أن «الحول الإنسي أو الداخلي شائع بين الأطفال، وهو الناتج عن انحراف العين للداخل، وفيه لا يستعمل الأطفال المصابون العينين معاً، وعادة ما تكون الجراحة المبكرة ضرورية لتعديل وضع العين».

وأوضحت إنه «بين الأطفال المصابين بطول النظر عند عمر السنتين أو أكثر، ينتشر الحول الأنسي التكيفي، فعندما يكون الطفل صغيراً أو مصاباً بطول النظر، تؤدي محاولته لتركيز نظره على الأجسام القريبة للحول الداخلي، وتساعد النظارة الطبية على إزالة عبء التركيز على الأجسام القريبة من العين، ما يؤدي إلى عودة العينين للوضع الطبيعي . وفيه تساعد قطرات ومراهم العين الخاصة، أو العدسات (المنشورية) على تصحيح وضع العين».

وأضافت «هناك الحول الوحشي أو الخارجي، الناتج عن انحراف العين للخارج، ويظهر عندما يجهد الطفل عينيه في محاولة تركيز بصره على الأجسام البعيدة، ويظهر من وقت إلى آخر، وتحديداً عندما يكون الطفل شارداً أو متعباً أو مريضاً»، مضيفة «قد يلاحظ الوالدين انحراف إحدى عيني طفلهما للخارج عند مواجهته لضوء الشمس الساطع.

تصحيح وعلاج

وقال اختصاصي العيون الدكتور منتصر محمد صلاح الدين «بعد أن يقوم طبيب العيون المختص بفحص شامل للعين بناءً على فحص طبيب العيون، يحدد أسلوب العلاج الذي يكون إما عن طريق ارتداء النظارة الطبية، أو بالتدخل الجراحي لتصحيح الاتزان في عضلات العين، أو بإزالة المياه البيضاء في حالة وجودها، وبتغطية العين السليمة لعلاج كسل العين في العين الضعيفة»، لافتاً إلى أن جراحة الحول «لا تتطلب إخراج كرة العين من حجرها، ولا يستخدم خلالها أي نوع من أشعة الليزر، كما يعتقد بعضهم، وقد يكون من الضروري إجراء العملية في إحدى العينين أو كلتيهما، حيث يتم تحريك عضلات معينة اعتماداً على نوع الحول».

وأفاد بأن توقيت إجراء الجراحة يحدده الطبيب حسب كل حالة على حدة، منوهاً بضرورة «ارتداء النظارات بعد الجراحة، وقد يحدث تصحيح زائد أو تصحيح ناقص للحول، ما قد يستلزم إجراء جراحة أخرى».

وأكد صلاح الدين أن نسبة النجاح في التدخل الجراحي لعلاج الحول تبلغ (90٪)، وتعتمد على زمن التشخيص، وعمر المريض، إلا أنها لا تحل بديلاً لاستخدام النظارات الطبية أو وسائل العلاج الأخرى في حالات كسل العين.

إرشــــادات

نصح اختصاصي العيون الدكتور منتصر محمد صلاح الدين الآباء بالحرص على فحص أطفالهم بشكل دوري عند طبيب العيون المختص، لافتاً إلى أن «هناك حالات لا يمكن اكتشافها إلا عن طريق الفحص الدقيق من الطبيب، والتدخل المبكر العلاجي والجراحي لتصحيح الحول عند الأطفال، نسبة نجاحه كبيرة، فبمجرد استقامة العينين، تتحقق إمكانية نمو البصر لديهم بصورة طبيعية».

وأضاف «العلاج المبكر يجنب المصابين المضاعفات الصحية، والنفسية والاجتماعية، والمتمثلة في الحرج الدائم الذي يترك آثاره لاحقاً على سلوكهم، وفي تكوين شخصياتهم»، منتقداً الخطأ الشائع القائل بأن ظهور الحول في العام الأول من عمر الطفل ظاهرة طبيعية، وأنه سيزول تلقائياً بعد فترة من الزمن .

ودعا الدكتور صلاح الدين إلى «الإسراع في علاج الأمراض التي يكون الحول إحدى علاماتها، وإجراء فحوص دورية على الجسم للتعرف اليها للإسراع في علاجها، وتشجيع الأطفال الذين يعانون من الحول، على ارتداء النظارة الطبية عند تحديد أسلوب العلاج الذي يتم عن طريقها، والصبر عند الحاجة لتغطية العين».

الأكثر مشاركة