أين يذهب الراتـــب
راتب رب الأسرة هو المصدر الأساسي الذي يلبي متطلبات حياة العائلة المختلفة، سواء الأساسية أو الكمالية. وهناك استراتيجية يجب ان تتبع في صرف وإدارة دخل الأسرة، كي يتمكن المرء من تأمين مختلف متطلباته الحياتية بطريقة متوازنة، لذا نرى البعض ينجح في توفير جزء من الدخل، والبعض يفشل في تنظيم صرفه فلا يتمكن من الادخار، بل وعلى العكس ينتهي الشهر وهو مطالب بتسديد ديونه، ومستحقات البطاقة الائتمانية. والواقع ان المشكلة الأساسية تكمن في الثقافة السائدة حول الدخل وكيفية صرفه، فغالبا ما لا يعير الفرد أهمية إلى وجوب تقسيم الدخل إلى نسب كي يتمكن من التوفير، بالإضافة إلى ثقافة المجتمع الانفاقية القائمة على المظاهر، والتي تصرف بناء على الأمنيات وليس الاحتياجات.
وأكد المقيم سامح نعمة، أنه لا يأخذ في الحسبان كيفية صرف الدخل، ويرى «انه مهما علا الراتب سيصرف بكامله في النهاية لأن متطلبات الحياة كثيرة، وهي دائما في ازدياد». كما يرى نعمة أن مسألة التسوق باستخدام البطاقة الائتمانية تلعب دورا كبيرا في جعل المرء يصرف أكثر من راتبه في كثير من الأحيان، وبالتالي هذا يؤدي الى ضياع قسم كبير من الراتب لتسديد البطاقة الائتمانية في أول الشهر». ويدرك نعمة أن تنظيم المصروف أمر مهم، ويؤكد «اتبعت ذلك منذ ثلاث سنوات، كنت أعيش خارج الإمارات وكان دخلي محدودا، الأمر الذي جعلني استعين ببرنامج كنت رأيته على موقع إلكتروني». ويؤكد ان «تنظيم الدخل وفقاً لنسب توضع لمستلزمات الحياة مفيد، لأنه على الأقل يجنب المرء الديون، في حال لم يمكنه من الادخار».
خلاف أسري
ومن جهتها، تختلف ميرا البستاني، مع زوجها على كيفية صرف الراتب، وتقول «غالبا ما كان زوجي يخطئ في تقسيم الدخل، وقد اختلفنا كثيرا في بداية زواجنا على كيفية صرف راتبه». وتؤكد أنها على الرغم من أنها موظفة، ولديها راتبها إلا ان الإنفاق دائما يعوق فكرة الادخار من الراتبين، ما يضطرها إلى وضع قسم بسيط من راتبها للادخار».
وتتابع «أرى أن المرأة أكثر قدرة على تنظيم كيفية صرف الدخل الأسري وتقسيمه بطريقة مثالية، ولهذا أصبحت أتولى مصروف المنزل، لأنني أدرك تماما القيمة الحقيقية للمشتريات، ولا أدفع مبالغ كثيرة على الكماليات».
أما أم باسم فقالت، «ان زوجي يعهد إلي بكيفية تقسيم الراتب، لأنه يرى انني أكثر حرصا على توفير قسط منه للادخار». وتتابع «في الواقع، بعد مرور 10 سنوات على وجودنا في الإمارات تمكنت من ادخار ثمن شقة في بلدي، وأرى ان المرأة الحكيمة قادرة على الادخار والتصرف بحكمة في الأموال لأن الاستقرار أمر أساسي بالنسبة لها».
وفي المقابل اعتبر عاصم جمعة، أنه منذ وجوده في الإمارات منذ ثلاث سنوات، لم يتمكن من ادخار أي شيء، ويؤكد «ان متطلبات الحياة كثيرة، لاسيما مع وجود زوجة وأولاد، كما أن زوجتي لا تعمل، وبالتالي يصعب التحكم بالراتب». ويرى «أن تقسيم الراتب مسألة وهمية لا تتناسب مع واقع الحياة المليء بالمشكلات والاحتياجات التي تواجه الإنسان ولا يستطيع التغاضي عنها أو التوفير فيها».
توفير إجباري
ورأى المستشار المالي صلاح الحليان، أن التعامل مع دخل الأسرة يجب أن يتم بعد تفكير الأشخاص في كيفية توفيرهم بالطريقة المثلى، أي انه عليهم التعامل مع الدخل على أنه دخل شركة أو دولة». ولفت إلى «وجوب تخصيص نسبة من الدخل للاستثمار وللأصول، على ان تتراوح هذه النسبة بين الـ10 أو 15 ٪ من الراتب». وأشار إلى «أنه لا بد من أن يكون للفرد حسابان إذ يتفق الفرد مع البنك على اقتطاع هذه النسبة من الراتب فور تحويله ليصبح التوفير أمرا إلزاميا، وبالتالي يسبق مصروف الشخص على أموره الحياتية الضرورية والكمالية، لأنه مهما علا الراتب سيجد الإنسان طرقا مختلفة لصرف الأموال».
وعن الأهداف من الاستثمار، قال الحليان، «هناك الكثير من الأهداف لتجميع الأموال كتأسيس شركة، وشراء منزل، وتعليم الأولاد او حتى ضمان معاش للتقاعد وغيرها من الأمور التي نحتاجها».
أما توزيع الدخل بحسب الاحتياجات، فيتم وفقاً للحليان كالآتي «تكاليف السكن 32٪، النقل والمواصلات 17٪، الملابس 6 ٪، الطعام 16 ٪، الأمور الطبية 4 ٪، الترفيه 6٪، و18 ٪ للأمور المتفرقة». وأشار إلى وجوب الصرف على قدر الحاجة، وليس بحسب الأمنيات، كما انه لا بد وأن يكون هناك دخل للزوجة ودخل للطفل، بحيث إنهم ان تمكنوا من التوفير من دخلهم يوضع المتبقي في حساب ادخار.
ونصح الحليان العائلات بتجميع الفواتير وعدم رميها، ليعرف المرء كيفية صرفه لدخله، وليتمكن من التحكم بهذه العملية». أما في حال كان الزوج والزوجة يعملان في المنزل، فهنا لفت الحليان إلى «ان يتعامل كل منهما مع دخله على انه مركز مالي منفصل كي يدخروا، وبالتالي فإن تعاونهما يتيح لهما توفير نسبة أكثر من 15 ٪ من الراتب».
سلوك الانفاق
اعتبر الاختصاصي في علم الاجتماع، الدكتور حسين العثمان «أن سلوك الإنفاق مرتبط بسلوك الإنسان، وثقافة المجتمع السائدة والنظرة للأشياء وللادخار». وأشار إلى ان هناك الكثير من الأسر التي لا تعتبر الادخار أمرا إلزاميا».
ولفت إلى ان، «المجتمعات العربية تمر بمرحلة انتقالية (من البسيطة إلى المعقدة)، وبالتالي غالبا ما ينتج عن التطور المادي والمعنوي، ارتباط بين عملية الإنفاق والتفاخر والمظهر والمكانة». لذا وبحسب العثمان فـ«إن الإنفاق يتم دون وعي، وبالتالي غالبا ما تواجه الأسر مشكلة عدم قدرتها على السيطرة على الراتب». ورأى ، أن شراكة الزوجين مهمة جدا في تحديد كيفية صرف الراتب ونسبة الادخار، شرط وجود الاتفاق والوعي من قبل الطرفين». وفي المقابل رفض إسناد الدور الاقتصادي في المنزللأي من الزوجين، معتبرا، «أن مسألة قدرة الشخص على تولي المصروف تعود إلى ثقافته وتنشئته وشخصيته، وليس لدور الزوج أو الزوجة في الأسرة».