آلام العمل.. معاناة تقلل الإنتاجية
التمارين الخفيفة مفيدة جداً في المكتب. فوتوز.كوم
الجلوس على الكرسي لساعات طويلة، أو حتى استخدام اليدين بشكل مستمر أو العمل المتواصل على شاشة الكمبيوتر وما إلى هنالك من أمور تدخل في تفاصيل العمل، أمور تسبب آلاماً كثيرة قد يتجاهلها المرء أحياناً، ولا يفكر حتى في استشارة طبيب لتشخيصها، ظناً منه أنها ليست سوى إجهاد بسيط.
لذا ركزت حملة «التعامل مع الألم في مكان العمل» التي أطلقتها وزارة الصحة، أخيراً، على أهمية التعامل مع الآلام، وعدم الاستهانة بمخاطرها ومضاعفاتها، لاسيما أنها تؤثر ـ إلى حد كبير ـ في إنتاجية الفرد في عمله من ناحية، وعلى جودة حياته، واستمتاعه بأنشطة الحياة اليومية من ناحية أخرى، وغالياً ما تظهر تلك الأوجاع بصورة أكبر في أعضاء معينة مثل الظهر والرقبة والساقين واليدين.
وأكدت فاطمة أحمد أن عملها المتواصل لفترات طويلة أثر كثيراً في جسدها، وقالت «عملت في الخياطة لسنوات طويلة، واليوم أعاني كثيراً من آلام في كتفي، كما إني ارتديت النظارات بسبب كثرة التدقيق في العمل». وأوضحت «كنت أستطيع مواصلة العمل لفترات طويلة، أما اليوم وبعد 20 عاماً من العمل، لم أعد قادرة على الجلوس لساعات طويلة، بل أصبحت أكتفي بساعة من العمل اليومي في المنزل، وغالباً ما يكون عملاً من أجل أهلي، وبعض الأغراض لمنزلي».
أما المواطن عبدالله المزروعي، فرأى أن العمل لابد أن يترك أثره في الإنسان، وتابع المزروعي الذي لم يعانِ من آلام جسدية محددة حتى الآن من عمله، «مازلت في بداية مشواري العملي، ولم اشعر بعد بالتعب من أمور محددة، ولكن لا أنفي أنني أحياناً عندما أعود إلى المنزل أعاني صداعاً يجبرني على ملازمة الفراش لساعات».
منبع الألم
وقال الاختصاصي في الآلام في هيئة الصحة في دبي، وفي مستشفى بلهول الدكتور عادل حسن، عن منبع الألم الأساسي في الجسم «عادة يكون منبع الألم مستقبلات متخصصة ودقيقة موجودة في الجلد أو بعض الأعضاء كالعضلات والمفاصل والعظام، حيث إن لكل أعضاء الجسم مستقبلات مختلفة للأحاسيس»، مشيراً إلى ان الأعصاب ناقل للألم، وبالتالي هي التي تنقل الأحاسيس والمؤشرات التي تأتي من المستقبلات الحسية الموجودة في الجلد بأنواعها المختلفة كالحرارية أو الضغط أو الوخز أو الشعور بالطعن إلى داخل الجسم».
وأضاف لـ«الإمارات اليوم» «هناك مستقبلات أخرى للألم تكون داخل الجسد وترسل هذه الأعضاء المستقبلات الحسية عبر الأعصاب إلى النخاع الشوكي، وبالتالي يكون للأخير رد فعل انعكاسي فيبعد الجسم عن الأشياء الضارة، وبالتالي يرسل مستقبلات إلى المخ ليفهم الإنسان نوعية الألم»، مؤكداً أن مكان الألم الناتج عن العمل يرتبط بطبيعة عمل الإنسان، أي كيفية جلوسه على الكرسي ان كان عمله مرتبطاً بالجلوس لفترة طويلة، أو حتى أعصاب اليدين في حال كان عمله يقوم على الطباعة، أو حتى آلام العين والشبكية ان كان يعمل على الكمبيوتر لوقت طويل».
وأفاد بأنه «قد تظهر الآلام في أحد هذه الأعضاء على شكل تورم مثلاً، كتورم القدمين أو حتى قد يشعر المرء بألم في الساقين أو يظهر لديه عرق النسا»، منبهاً إلى ان أكثر الآلام شيوعاً في الإمارات، آلام الظهر والرقبة، وآلام الكتف والأطراف والساقين وهي متعددة الأسباب، بالإضافة إلى أن بعض الأمراض العامة كالسكري تزيد من الإحساس بالألم، وكذلك يفعل التدخين.
طريقة مثلى
وأوضح الاختصاصي في الآلام أن الطريقة المثلى للتعامل مع مثل هذه الأوجاع «إذ إنه ينبغي أن يجد الإنسان تفسيراً للألم الذي يشعر به، أما في حال لم يكن هناك من حادث معين مسبب للألم؛ فعلى المرء أن يستشير الطبيب فوراً، لاسيما ان كان الألم يعيق حياته ويؤثر في عمله»، مشدداً على أنه لا يجب السكوت عن الألم لفترة تتجاوز ثلاثة أشهر؛ كي لا تحدث مضاعفات لدى الإنسان.
ولفت إلى قلة الوعي لدى كثيرين عن أهمية استشارة الطبيب في حال حدث الألم سواء كان العمل سببه أم لا، موضحا «غالباً ما يتحمل المرء أوجاعه ويصل إلى المستشفى بحال حرجة، وبالتالي تدخلنا يكون ليس لمعالجة الألم بل لمنع الوفاة، وقد شهدنا بعض هذه الحالات».
وميز حسن بين نسبة الألم عند الرجال والنساء، قائلا« النساء لهن نوعيات مخصصة من الألم تتعلق بتكوينهن البيولوجي، فالمرأة تمر بمراحل مختلفة كالحمل وكذلك التأثير الهرموني، وهي عوامل تساعد على حدوث الألم، ومن أبرز هذه الآلام الصداع والصداع النصفي، بالإضافة إلى ان النساء اللائي يتعرضن لعمليات قيصرية عدة، تزيد لديهن الآلام التي يتعرضن لها».
جودة
وذكرت اختصاصية طب العائلة في وزارة الصحة الدكتورة هيفا حمد فارس، أن «وزارة الصحة أجرت دراسة حول الآلام الناتجة عن العمل، وتبين من خلالها ان من بين كل خمسة أشخاص هناك أربعة تؤثر هذه الآلام في جودة حياتهم»، لافتة إلى أن الحملة التي تقوم بها الوزارة، بدأت من العام الماضي بهدف توعية الناس في المراكز التجارية، والمؤسسات الخيرية والجمعيات النسائية».
وتابعت «أما عمل الوزارة لهذا العام فسيتم من خلال مكان العمل، ولن يقتصر العمل على التوعية، بل سيتم اخذ فريق معين، وتدريبه على معرفة أسباب الألم، وكيفية التعامل معه، ومستقبلاً سيتم رصد مدى تأثيره في الإنتاجية».
وأشارت إلى أن «ضغوط العائلة لا يمكن تجاهلها كأحد مسببات الألم، لأن الإنسان يعيش في ضغوط عملية وأخرى منزلية واجتماعية، وبالتالي الألم يعد أكثر شيء نواجهه في العيادة بسبب هذه العوامل مجتمعة».
مضيفة أن «الأمر لا يتعلق فقط بحدوث الألم بل أيضا بكيفية تشخيصه،إذ إنه حين تشخص حالة المريض يترك لكي يأخذ الدواء بنفسه، علماً ان الألم يجب ان يؤخذ من ناحية طبية وكذلك سيكولوجية وبيئية».
ودعت فارس إلى عدم الاستهانة بهذه العوامل، فكما بدأ التعامل مع الألم في العمل، يجب الانطلاق إلى العوامل الأخرى كلها، مشيرة الى أن التخلص من الألم يتطلب فهماً للحياة، ليتجنب المرء الأسباب التي أدت إليه، لذا لابد للسؤولين على العمل من توفير البيئة المناسبة لتجنب ما يحدثه الألم في الإنسان.
أسلوب العيش

أفاد الاختصاصي في الآلام الدكتور عادل حسن بأن «أسلوب الحياة يساعد كثيراً على السيطرة على الألم، فعلى سبيل المثال لابد من الانتباه إلى الأطعمة التي يتناولها الإنسان والتي لا تسبب السمنة، لأن السمنة تزيد من آلام الظهر»، منبهاً إلى أنه من المهم ان تدخل الرياضة حياة المرء؛ لأنها تنشط الدورة الدموية وتقوي عضلات الظهر وتقلل آلام العمود الفقري، كما تقلل حدوث انزلاق الغضاريف الناتج عن العادات الخاطئة في الجلوس وحمل الأشياء.
ونصح حسن بالسير نصف ساعة يومياً أو بما يتناسب مع حالات المرء الصحية، مشدداً على ضرورة مراعاة الوسائل التي يتعامل معها المرء في العمل، فمن يجلس طيلة الوقت، عليه مراعاة وضعية الجلوس النموذجية، مع الحفاظ على وجود مسند، مضيفاً «من المهم عدم إطالة الجلوس، فهذا يجنب المرء حدوث تورم في القدم والكاحلين، ويخفف تقلص العضلات، لذا فالقيام ببعض التمارين الخفيفة في المكتب لتحريك العضلات واليدين والقدمين أمر مهم جداً».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news