استعدادات رمضان.. بين المطبخ والحنين إلى الأهل وقراءة القرآن
في الإمارات، الوطن الذي يعيش على أرضه في انسجام فريد العديد من الجنسيات والثقافات، يستقبل المسلمون شهر رمضان المبارك الذي بات على الأبواب بطرق مختلفة، واحتفاليات خاصة بثقافة كل جنسية واختلافها عن الأخرى، مع وجود تشابه في بعض العادات الدينية واختلافات كبيرة في نوعية وطرق الاستعداد لاستقبال هذا الشهر، فغالبية من استطلعت «الإمارات اليوم» آراءهم، حول طرق استقبالهم واستعدادهم لشهر رمضان، ربطوها بالطعام ونوعيته، والبعض الآخر تحدث عن طقوسه الخاصة المرتبطة بالتقرب إلى الله وقراءة القرآن، وآخرون تحدثوا عن خصوصية هذا الشهر ووقعه في نفوسهم، مجمعين على أن وجودهم في الدولة غيّر كثيراً من تفاصيل عاداتهم، حيث تعرفوا إلى عادات أخرى وتبادلوها مع بعضهم بعضاً.
تتناول الأسرة الماليزية طوال شهر رمضان، أكلة شعبية اسمها «الغتري مندي». كما أن هناك أكلات أخرى، منها مثلاً ما يسمى «بادق» وهذه تصنع من الدقيق، إلى جانب أكلات أخرى هي «الكتوفق» و «الدودول» و«التافاي» المصنوع من الأرز. ولعل أشهر أكلات رمضان لدى المسلمين في ماليزيا هي التمر والأرز واللحوم والدجاج، كما يتصدر الموز والبرتقال قائمة الفواكه. |
تسوّق
محمد المهيري وزوجته منيرة إماراتيان، أكدا ان نهم التسوق يسيطر عليهما قبيل بدء شهر رمضان بـ10 ايام، وعن هذا قالت منيرة «تصيبني حالة من الخوف والهلع بأن ينقص بيتي اي شيء له علاقة بالمواد الغذائية، فأهرع الى الجمعيات ومراكز التسوق، وأعبّئ العربات بكل ما لذّ وطاب»، وأضافت «لأننا في الإمارات نعتمد سياسة المبادلة في الأطعمة بيننا وبين جيراننا وأصحابنا، فنعمد إلى أن نقدم افضل الأطباق»، مؤكدة أن «وجود جنسيات مختلفة في الدولة أسهم في تنوع المأكولات على موائدنا، فالكشري المصري حاضر، والمحاشي الشامية ايضاً، والمنسف الأردني والمسخن الفلسطيني موجودان بقوة خصوصاً في شهر رمضان المبارك»، وبدوره قال المهيري «أما أنا فأعمل على الاعتكاف في المسجد خصوصاً في الـ10 الأواخر من شعبان وهذه عادة يمارسها غالبية أقربائي، حيث قراءة القرآن والصلاة فقط».
وأكد كلامه فيصل المزروعي إماراتي «نولي مهمة التموين الغذائي الى نسائنا، اما نحن الرجال نعمد لتحضير النفس لاستقبال شهر التقوى بالعبادات وقراءة القرآن والصلاة»، وقالت مهرة القبيسي إماراتية «قبيل بدء شهر رمضان المبارك نعلن حالة الطوارئ ونقوم بتوزيع المهام على جميع افراد العائلة»، وأضافت «حيث النساء يلازمن الأسواق ويشترين كل ما يحتاجه المنزل من مواد غذائية وحلويات، إضافة الى شراء عباءات جديدة تتلاءم مع خصوصية الشهر الذي يدعو الى العبادات والتقوى، فتكون عباءاتنا بعيدة عن الزخرفة الزائدة ومائلة الى البساطة»، اما بالنسبة للرجال «فهم يحضرون مبلغاً مضاعفاً لمصروف المنزل والمشتريات، فهو الشهر الذي نجتمع فيه بأعداد كبيرة ونلتقي فيه مع أصحابنا وأقربائنا»
في المقابل قالت فوزية حسن إماراتية إن التحضير المسبق لاستقبال شهر رمضان يكمن في «التضرع الى الله ونية صوم الشهر كله، لتأتي بعد ذلك التحضيرات المادية»، مشيرة الى أن «الإماراتيين بشكل عام يحتفلون ويعتزون بالمحافظة على اكلات شعبية، وعلى رأسها حلوى الفرني التي لا يخلو يوم من الشهر الفضيل منها»، مضيفة أنه قبيل بدء الشهر الفضيل «نقوم بتجفيف الخبز تحت الشمس لمدة ايام وبعدها نقوم بطحنه، حتى يكون جاهزاً لتحضير الفرني الذي يعد من التراث الإماراتي الذي مازلنا نحافظ عليه».
فوانيس رمضان
من مصر تحدث هاشم طه عن تجربته في التحضيرات قبيل بدء الشهر الفضيل بتذكر حميم «رمضان في الإمارات مختلف عن رمضان في مصر»، ويكمل «نقوم بتهيئة انفسنا وأطفالنا لاستقبال الشهر بالتقوى والإيمان، ونبتعد عن كل ما له علاقة بالبذخ والشكليات»، وأضاف «تموين المواد الغذائية يقل كثيراً عن الأيام العادية كي نشعر بما يعانيه الفقراء حول العالم، ونحرص على الصلاة جماعة كل يوم في المنزل او في المسجد»، مؤكداً اجلس مع ابنائي وأقول لهم اذا كان لديهم خصام مع اصدقائهم فليصلحوه فوراً ليتقبل الله صيامنا»، مشيراً إلى ان عادة الفوانيس التي تضيء شوارع مصر ومنازلها حافظت عليها، وأجلب لكل فرد من عائلتي فانوساً ليضيء به ليالي رمضان المباركة»، مؤكداً أن «عادة الفانوس انتشرت بالبناية التي تعيش فيها جنسيات متعددة من خلال ابنائه».
فيما التحضير لاستقبال الشهر الكريم حسب ناهدة توفيق من مصر «هو الاهتمام بوضع الزينات داخل المنزل وتعليق الآيات القرآنية، وشراء الفوانيس والحلويات وكل ما له علاقة بالبهجة والسرور». أمّا سوار ادريسي من السودان فلم تختلف طريقة استقبالها للشهر الكريم عن ناهدة «نزين الشبابيك بالنجوم والهلال ونأتي بالفوانيس ونحني ايادينا ونشتري الحلويات لتوزيعها على الأطفال».
الكرم الشامي
ومن الشخصيات المرتبطة بذاكرة العائلات التي تنحدر من منطقة بلاد الشام شخصية المسحراتي، الذي مازال موجوداً في غالبية المدن العتيقة كدمشق والقدس وعمان، هذا ما اكدته وداد طوقان من فلسطين، وقالت «أعيش في الدولة ما يقرب من الـ20 عاماً، ولم اقضِ رمضان إلا فيها، وطقوسه احبها كثيراً، لكن الذاكرة تعن كثيراً في تفاصيل ارتبطت بهذا الشهر الفضيل، وأصبحت مغيبة عن حياتي شخصياً»، مؤكدة «أحن الى المسحراتي الذي كان يوقظنا للسحور، وأحن الى صوت قرقعة الفجر في المطبخ، حيث النسوة يحضرن كل التجهيزات الملائمة لاستقبال الشهر»، مشيرة الى ان ما يميز أهالي بلاد الشام في شهر رمضان مغالاتهم في اعداد موائدهم الرمضانية، «فالفتات والمخللات والحلويات، كلها انواع تحتاج الى تحضير مسبق لتتزين بها موائدنا المعروفة بطعامها الشهي»، مؤكدة «وهذا ما افعله اقوم بتحضيرات مسبقة من حيث أعداد المواد الغذائية التي تحتاج الى وقت لتكون جاهزة».
ومن سورية قالت زينب «الموائد السورية دائماً عامرة بكل ما لذّ وطاب، وهذا التميز يحتاج الى الذهاب الى الاسواق قبيل بدء الشهر الفضيل بنحو اسبوع لتجهيز كل شيء يليق بعظمة شهر التقوى، وهي عادة مازلنا نمارسها منذ ان كنا في أوطاننا»، وأضافت «أسعى ايضاً الى تهيئة منزلي وتنظيفه مسبقاً وتعليق كل ما له علاقة برمضان المبارك من لوحات دينية وآيات قرآنية وفوانيس، فهذا من شأنه تعزيز الطقس في الجو العام للمنزل».
صوم شعبان
من المغرب تحدث لنا زياد بن هلبيب وزوجته فاتنة عن تحضيراتهما التي تعتبر شائعة في بلدهما ومازالا يطبقانها في غربتهما «نستعد لاستقبال الشهر الفضيل بصيام الـ10 الأواخر من شهر شعبان، الذي يبشرنا بهلال شهر العبادة والتقوى»، وأضافا «التقشف في كل شيء سمة المغربي في هذا الشهر، فنحن على عكس الأيام العادية نبتعد عن المغالاة على موائدنا وشكلنا الخارجي، ونقضي أوقاتنا في التعبد والتضرع الى الله لمحو ذنوبنا»، مؤكداً «حتى اننا نلتزم بارتداء الزي الشعبي المغربي رجالاً وأطفالاً ونساء».
بدورها قالت خديجة البالا من الجزائر «التحضيرات تكون في زيادة طقوس العبادات من صلاة، وجلها يظهر في صيام الـ10 الأواخر من شهر شعبان، حيث نلتزم كعائلة بذلك، وهي عادة شعبية نمارسها في وطننا الجزائر وحملناها معنا الى الإمارات».
جدول لختم القرآن
محمد بانشي من ماليزيا تحدث وزوجته امينة عن طقوس استقبالهما لشهر رمضان المبارك «قبيل بدء الشهر نعمل على اعداد جدول خاص بنا وبأبنائنا يتضمن الالتزام ببرنامج لختم قراءة القرآن الكريم»، وأضاف بانشي «اعمل ايضاً على تهيئتهم دينياً يالواجبات التي يجب ان يؤدوها في هذا الشهر الكريم، خصوصاً في ما يتعلق بالمعاملة والابتعاد عن كل شيء يغضب الله تعالى»، اما امينة فقالت «دوري قبيل شهر رمضان المبارك يكمن في التحضيرات الشكلية»، موضحة «اقوم عادة ومنذ أواخر شهر شعبان بالذهاب الى السوق مع صديقاتي لشراء حاجاتنا الغذائية، والتي ترتكز على الأرز والبقوليات واللحوم والشوربات بكل انواعها وبهار الكاري».
وأضافت «اعمل ايضاً على تنظيف المنزل جيداً، والتغيير في بعض ديكوراته، حيث اخصص زاوية لقراءة القرآن تضم العائلة بشكل يومي، وأعمل على تزيين الشرفة بهلال رمضان المضيء»، مشيرة الى ان عادة تزيين الشرفة «استلهمتها من بعض جيراننا من بلاد الشام».
في المقابل قال محمد مصطفى من افغانستان «لا تختلف عاداتنا كثيراً في شهر رمضان المبارك فثقافتنا الاسلامية واحدة مع اختلاف في طرق تطبيقها»، وأضاف «نستقبل الشهر كأفغانستانيين مقيمين في الدولة بتهيئة النفس، وأخذ الوعد على صيام شهر رمضان المبارك كله وختم القرآن الكريم»، حيث أكد مصطفى أن «تلاوة القرآن الكريم لدى العديد من العائلات الافعانية عادة ثابتة، حتى اننا نعد مسابقات فيها الكثير من الجوائز لتشجيع اطفالنا على ختم القرآن»، مؤكداً «وأنا كرب منزل اترك مهمة التسوق المرتبطة بإعداد موائد رمضان لزوجتي التي تعتمد التنوع ومفاجأتنا كل يوم عند أذان المغرب»، مشيراً الى أن «وجودنا في الدولة وتعارفنا الى الكثير من الجنسيات أسهم في تنوع اطباق زوجتي الغذائية وأهمها المحاشي الآتية إلينا من ثقافة بلاد الشام».
أما حسين أكبر نان من الهند فقال «إننا كجالية هندية نعيش في الإمارات نعمل جاهدين ان نحافظ على القدر المستطاع من عادات استقبالنا للشهر الفضيل»، موضحاً «تعمل غالبية العائلات الهندية التي تعرف بعضها بعضاً على قضاء الشهر معاً، والتحضير له بشكل متعاون من الأطراف كافة»، مسترسلاً في الحديث «قبيل بداية الشهر بنحو اسبوع تعمل العائلات التي قررت التلاقي يومياً على تأسيس صندوق لوضع المال فيه نصرف منه طيلة الشهر لشراء الحاجات الغذائية وتخصيص اموال للفقراء والمساكين وشراء زينة رمضان ايضاً»، مؤكداً «وبعيداً عن تلك الشكليات فالألفة بيننا والتعاون لا يقتصر على وجودنا معاً حول مائدة رمضان، بل الأهم اننا نعمل على ختم القرآن الكريم كله خلال الشهر رجالاً ونساء وأطفالاً».