البلوغ.. مرحلة «حسَاسة» تتطلب التوعية والحوار

تُعد مرحلة البلوغ من المراحل الحساسة في حياة الذكور والإناث على حد سواء، حيث يتعرض الجسم للكثير من التغيرات البيولوجية، وكذلك النفسية المرافقة لهذه التحولات، ما يؤدي إلى شعور المرء بالتشتت فيعيش الذكر دور الرجل فيما في الواقع هو يمر بفترة انتقالية بين الطفولة والشباب.

ولا تختلف مشاعر الفتاة كثيراً عن مشاعر الشاب، إذ تعيش الصراع نفسه بين نظرة الناس والمحيطين لها على أنها طفلة فيما التحولات الهرمونية التي تحدث في جسدها تمدها بشعور معاكس تماماً. ويحتاج الذكور والإناث في هذه المرحلة إلى الكثير من التوعية حول هذه التغيرات التي تحدث في الجسم سواء من قبل الأهل أو المدرسة لتشكل الحصن المنيع الذي يؤدي إلى نمو شخصية متوازنة وقوية.

وأوضحت الاختصاصية في الأمراض النسائية والتوليد الدكتورة هيلينا تايلور، التغيرات البيولوجية عند الإناث، إذ في رأيها أن الأهمية الاجتماعية للبلوغ تتفوق على الأهمية العلمية، لافتة إلى أن البلوغ في الدول الغربية يُعطى الكثير من الأهمية سواء في المدرسة أو من قبل الأهل. مضيفة لـ«الإمارات اليوم» «البلوغ يعني التغير الذي يحدث في جسم الفتاة، والذي بدوره يغير نظرة الناس والمحيطين تجاهها، فهي فعلياً تمر بمرحلـة انتقاليـة مـن الطفولـة إلى الرشـد».

ويتعرض جسم الفتاة إلى الكثير من التغيرات ولكنها لا تحدث فجأة، فوفقاً لتايلور «يبدأ عمل الهرمونات في مرحلة البلوغ قبل حدوث الدورة الأولى بما يقارب السنتين، إذ يتغير جسم الفتاة شيئاً فشيئاً، فيبرز الصدر ويظهر الشعر، وتظهر الملامح الأنثوية على جسدها، وبالتالي تعتبر الدورة الشهرية آخر حدث في مرحلة البلوغ»، مشيرة إلى أن التغيرات الهرمونية تكون غير مستقرة فأحياناً تتصاعد وأحياناً تهبط نسبة الهرمونات، ولهذا يأخذ البلوغ هذه الفترة كي يكتمل.

اختلافات

أما العمر المحدد لبلوغ الفتيات فيختلف من فتاة إلى أخرى، إذ يبدأ من سن التسع سنوات، ولكن يجب استشارة الطبيب في حال تخطت الفتاة الـ16 من دون ان تبدأ لديها الدورة الشهرية، وعللت تايلور تأخر البلوغ، بخلل وراثي في الهرمونات، منوهة بتفضيل الأطباء انتظار حدوثه بشكل طبيعي من دون إعطاء أدوية.

وأولت تايلور التوعية الجنسية أهمية كبرى في مرحلة البلوغ، إذ رأت، أنه «لابد من تحضير الفتاة لهذه المرحلة وإخبارها عن التغيرات التي ستحدث في جسمها سواء من قبل الأهل أو المدرسة أو كذلك الإعلام، لأن التوعية تعتبر الحصن الذي يضمن سلامتها الجنسية».

ولفتت إلى أهمية تثقيف الأهل للفتاة من خلال بعض الكتب البيولوجية التي تفيد الأهل والفتاة في آن، لاسيما أن الدورة قد لا تنتظم في أول سنتين من البلوغ، وبالتالي على الفتاة ان تعرف كيف تتعاطى مع هذه الموضوعات.

ونوهت بأن على الأهل إخبار الفتاة أيضاً عن سرطان عنق الرحم، لأن اللقاح ضده يجب أن يعطى عندما تبلغ الفتاة سن الـ12 سنة، لذا يجب أن تعرف عنه الفتاة تماماً كما نعلمها عن البلوغ.

مرحلة انتقالية

وقال الاختصاصي في المسالك البولية والعقم الدكتور أسامة جبر، عن البلوغ عند الذكور والذي تبدأ مرحلته من ال11 وحتى 16 سنة، إن «ما يحدث في هذه المرحلة هو الانتقال من مرحلة الطفولة إلى الشباب، حيث إنه خلال هذا الانتقال تنتج المواد الكيميائية في جسم الإنسان، وهذه المواد هي الهرمونات الذكرية أو التيستسترون»، مشيراً إلى أن هذا الهرمون ينتج عند الذكور قبل مرحلة البلوغ ولكن بنسبة بسيطة، وفجأة ينتجه الجسم بنسبة عالية وبالتالي تحدث التغييرات بشكل مفاجئ.

ومن التغيرات التي تطرأ على الجسم والتي أوضحها جبر، التغير في هيكل الجسم فيلاحظ الشاب أن الأحذية أو حتى الملابس باتت صغيرة، ثم يبدأ الصوت يتغير فيكون خشناً، ويأخذ الجسم شكل الرجولة أكثر، بالإضافة إلى التغيرات في الجهاز التناسلي نفسه. وأكد جبر أن «التغيرات النفسية والعاطفية تجاه الجنس الآخر تكون واضحة جداً لدى الذكور في هذه المرحلة، كما أنه يصبح يعاني من فوضى فكرية، فلا يعرف إن كان ينتمي إلى الطفولة أم إلى الرجولة، وبالتالي يصبح يتصرف كرجل في حين أن من حوله لا يتصرفون معه على هذا الأساس».

أما المتطلبات الجنسية عند الذكر فبحسب جبر، «تكون مخبأة في الجسم، وبعض الذكور لا يظهرونها فيما البعض الآخر يظهرها بشكل علني، والذكر عادة ما يترجم كل ما يراه على نفسه، فيحاول ان يفسر الأشياء التي يراها في الحياة بارتباطها مع المشاعر التي يمر بها، لذا غالباً ما نلاحظ إحساسه بالأمور فعندما يرى امرأة تتحرك مشاعره ويشعر بالخجل ويصيبه الاحمرار».

ورأى الاختصاصي في المسالك البولية والعقم ان الثقافة الجنسية مهمة ليفهم الذكر ماذا يحدث في جسمه، رافضاً أن تكون التوعية كما التي تعطى في الغرب، إذ اعتبرها توعية مبالغاً فيها، وأنه علينا في العالم العربي ان نقتضب ونختصر ونثقف حول التغيرات الجسدية والعاطفية ليس حول العلاقات الحميمة ووسائل منع الحمل.

تغيرات نفسية

ورأى الاستشاري في الطب النفسي وصاحب كتاب «المراهقة.. الحوار والإقناع»، الدكتور علي الحرجان أنه خلال هذه المرحلة تتكون الملامح الأساسية للشخصية، فالبعض يواجه الأزمات فيما البعض يعبرها بسلام». معتبراً أن الأسلوب الذي يعبر فيه المرء هذه المرحلة يعتمد على طبيعة التغيرات الهرمونية التي تحدث في جسمه، وكذلك على البيئة المحيطة به».

وتابع الحرجان «إن كانت التغيرات الهرمونية عادية والبيئة المحيطة جيدة، فستمر المرحلة من دون أن يواجه المراهق أزمات. أما لو لم يكن الحال هكذا مع المراهق، فهذا سيؤدي إلى الأزمات». وشدد على ضرورة الحوار والإقناع مع الشباب والفتيات في هذه المرحلة الحساسة، سواء في الأمور الدينية أو الجنسية لأن المرء يبحث عن كل شيء ليكون أفكاره فيجب الالتفات إلى أهمية بنائها بطريقة سليمة، لافتاً الى انه غالباً ما يلجأ المراهق الى البحث والاستكشاف، ليكون قناعاته الخاصة من خلال التجربة.

وشدد الحرجان على عدم منع المراهق من اختبار أي شيء سلبي، بل على الأهل محاولة إقناعه بسلبياته وكذلك الأضرار ليقرر بنفسه عدم تجربة الموضوع، لأن كل ممنوع مرغوب. وبالإضافة إلى حب الاستكشاف في مختلف المجالات نوه الحرجان ببعض الصفات الأساسية التي يتمتع بها الذكور والإناث بهذه المرحلة، ومنها «الانطواء، والخجل، والعزلة وحب العنف، والحساسية الزائدة، وأن الفترة التي تتميز بها الشخصية بهذه الصفات قد تطول أو تقصر ولكنها أحياناً قد تصل إلى خمس سنوات».

مراهقة متأخرة 

أشار الاستشاري في الطب النفسي الدكتور علي الحرجان، الى أن السمة الأساسية لمرحلة المراهقة أو البلوغ هي الاستكشاف، وبالتالي إن لم يجد المرء الإجابات المقنعة لكل الأسئلة التي يبحث عنها، ستظل هذه التساؤلات تدور في ذهنه إلى ان يجد الإجابات عنها. لذا فسّر الحرجان المراهقة المتأخرة «بالمرحلة التي تسمح فيها الظروف للمرء بالبحث عن الإجابات للتساؤلات التي لم يجد لها إجابات في مرحلة البلوغ، وبالتالي لا يستقر إلا عندما يشكل قناعات راسخة حول كل ما يحيره».
 

 

الأكثر مشاركة