صيام الأطفال.. فوائد صحية ووجـــدانية
غالباً ما تقترن أيام رمضان وصورته المحببة إلى النفس، بتحلق العائلة الكبيرة على مائدة الطعام الواسعة، وبين ارتفاع أصوات أفراد العائلة بأحاديث مسلية قبل أو بعد الإفطار، يجد الأطفال، خصوصاً في الشهر الكريم، تجربة مميزة تجعل منه مناسبة أشبه بعيد طويل، تجتمع فيه العائلة وتتنوع فيه الحلويات المفضلة لديهم، كما تجد العائلة بالأطفال حلاوة وبهجة خلال الشهر، الذي غالباً ما تختبر فيه العائلات تجربة الصيام الأول للطفل.
نصائح
يقدم استشاري العلاقات الأسرية خليفة المحرزي، خطوات ثماني تُعين الأسرة والطفل على التعامل مع فكرة تعويد الطفل على الصيام، والتي تبدأ بـ:
تشجيع الطفل على الصيام من خلال طريقة المحطات والتدريج، حيث يقوم الطفل بالصيام في اليوم الأول حتى فترة الظهر، ثم يرتاح مدة يومين، ليعيد الكرة حتى المغرب، كما يتم تدريج الطفل من خلال ما يتناوله من طعام وشراب، حيث يتدرج الطفل من تناول الطعام الصلب، إلى تناول العصائر والماء، ثم الماء فقط، ومن ثم يصوم يوماً كاملاً. إدخال السرور إلى قلب الطفل عن طريق الافتخار بما يقوم به وإشعاره بأن صيامه أمر رائع ومفخرة للعائلة بأكملها، وأن صيامه هو إنجاز مهم، الأمر الذي يعين على تحفيزه واستمراره. التركيز على الكثافة اللفظية في تشجيعه وتقدير صيامه، ليس فقط من الأم والأب، بل باقي أفراد العائلة، حيث يمكن للعم، أو الخال، أو الجدة أن تقوم بالاتصال بالطفل وإعلامه بأن صيامه أمر مهم وجميل ويثير فيهم الفخر. في حال شعور الطفل بالجوع، يمكن إلهاؤه بألعاب ذهنية وكتابية بعيدة عن تلك الحركية لينشغل بها عن الطعام. التذكير المستمر للطفل بفوائد الصيام وآثاره الصحية والروحانية، وثوابه وأجره عند الله سبحانه وترسيخ المفهوم الإيماني لديه. مشاركة الطفل، خصوصاً إن كانت فتاة، في إعداد الطعام مع والدتها والقيام بأكلات بسيطة تتم كتابة ورقة أو بطاقة يكتب عليها أن فلانة قامت بإعداد هذا الطبق للإفطار أو السحور، مما يجعل الطفل يشعر بأنه جزء فاعل من أيام وروتين رمضان اليومي. تشجيع الطفل على أهمية وقت السحور ومحاولة مشاركته فيه قدر الإمكان تفادياً لشعوره بالجوع في اليوم التالي. الحرص على أخذ الطفل إلى موائد الصيام المختلفة، سواء عند زيارة آخرين، أو الموائد خارج المنزل، مما يحرك فيه حب تقليد الصائمين والأخذ بسلوكيات الكبار. تتفاوت أسماء تعويد الأطفال على الصيام بين دولة وأخرى، فيسمى بـ«صيام المئذنة أو المادنة» بسورية، الذي تتدرج فيه فترات الصيام على صوت المئذنة وتزداد كما يزداد ارتفاعها، ابتداء من الفجر وحتى صلاة الظهر، ثم من الفجر إلى صلاة العصر حتى يتعود الطفل على فكرة الصيام، التي تتدرج فيه نوعيات الأطعمة والمشروبات أيضاً والتي عادة ما تكون خفيفة، مثل شرب الطفل لكأس من الحليب والقليل من البسكويت. وسواء كان السبب جمال الغزال وقربه من مخيلة الأطفال، أو لكون الأطفال لطيفين وقليلي الأكل كالغزلان، إلا أن «صيام الغزلان» هو المسمى المتبع لفكرة تعويد الأطفال على الصيام في العراق، حيث يصوم الأطفال حتى فترة معينة من اليوم، لتأتي لاحقاً الغزلان مقدمة طعامها للأطفال لاحقاً، إلا أن الأمر يختلف قليلاً في منطقة المغرب العربي، حيث يعوّد الوالدان الأطفال على الصيام من خلال تجربة الصيام حتى الظهر في يوم، ومن العصر حتى المغرب في يوم آخر، بمعنى صيام على فترتين وعلى مدى يومين. |
تقول أم أحمد، من الشارقة وهي أم لأربعة أبناء، أصغرهم طفلة في السابعة «لقد كان أول أيام رمضان، هو أول يوم صيام لابنتي، إلا أن الغريب في الأمر أنها أكملت صيامها معنا حتى موعد الإفطار، الأمر الذي كان سعيداً ومبهجاً»، مشيرة إلى أنه على الرغم من أن طفلتها كانت متناسية تماماً لفكرة الطعام وهي ملتهية في اللعب مع إخوتها «إلا أنها بمجرد وضع سفرة الإفطار بدأ الجوع يأخذ من صبرها وبدأت في طلب الطعام، إلا أن الأمر لم يستغرق دقائق معدودة حتى موعد مدفع الإفطار، فكان يوماً سعيداً للعائلة بأكملها، أوليناه اهتماماً بالغاً».
وتؤكد أم أحمد بأنها لم تجبر طفلتها على الصيام «بل أعطيها الحرية الكاملة في تناول ما تريد، وما أن تغزوها فترات الجوع خلال ساعات اليوم، أبدأ في سؤالها إن كانت قادرة على الصبر قليلاً، أم أنها شديدة الجوع أو العطش، وهي التي تقرر ذلك»، مشيرة إلى أنها طبقت طريقة تعويد أطفالها على الصيام ابتداء من طفلها الأول.
إصرار على الإفطار
في المقابل تلوم سلمى مهدي (22 عاماً) عائلتها على عدم تعويدها أو الاهتمام بفكرة صيامها منذ طفولتها، مشيرة إلى أنها حتى عمر الثامنة عشر كانت تفتقر إلى الالتزام بالصيام بشكل كامل، «فأنا على الرغم من أنني منذ صغري كنت أصر على الصيام، إلا أنني وبعد صولي إلى المنزل من المدرسة، يبدأ إصرار عائلتي علي لتناول وجبة الغداء، وعلى الرغم من إصراري، إلا أنني كنت أفاجأ بوضعهم وجبة الغداء في غرفتي، وتركي وحيدة معها، مما يجعلني أضعف وأتناولها»، موضحة أن إصرار عائلتها على منعها من الصيام بحجة أنها ذات قوام نحيل، جعلها لا تعتاد على فكرة الصيام، «وبالتالي فإن التزامي بالصيام الصحيح لم يبدأ إلا منذ ثلاثة أعوام فقط، الأمر الذي لن أكرره مع أطفالي في المستقبل أبداً».
وتوافق أم عبدالله على فكرة أهمية التعود على الصيام، فهي على الرغم من أن عمرها يزيد على الـ40 بأعوام قليلة، لاتزال تعاني من تعب الصيام، كونها لم تعتد عليه بالشكل الصحيح «فبين سنوات الحمل المتعب بأطفالي الخمس، الذي أعاني خلاله المرض طوال الشهور التسعة، وبين معاناتي من مرض مزمن تتفاوت زياراته لي بين سنة وأخرى، واجهت سنوات عديدة من عدم الصيام»، مما جعلها تعتاد على ذلك، «مما يجعل صيامي هذا العام شديد الصعوبة، وفكرت كثيراً في عدم الاستمرار إلا أنني صامدة حتى الآن».
الصيام صحة
تؤكد دكتورة طب العائلة فراس عماوي في مستشفى الدكتور سليمان الحبيب في دبي، أن تعويد الطفل على الصيام، وما اعتادت عليه العائلات العربية من طرق لتعويد الطفل على الصيام، تعد أمراً صحياً من الناحية الجسمانية والسلوكية أيضاً، «شرط أن يكون الطفل سليماً ولا يعاني من أية أمراض مزمنة، مثل فقر الدم، أو النحافة الشديدة التي قد تؤدي إلى شعوره بالدوخة والإعياء، أو أن يعاني الطفل من السكري، وهو ما ينطبق أيضا على الكبار»، مشيرة إلى أن صيام الأطفال ابتداء من سن السابعة هو أمر صحي جسمانياً، حيث يعمل على إراحة الجهاز الهضمي وأعضاء الجسم الداخلية.
دون إجهاد
تشجع عماوي على صيام الأطفال وتعتقد أن الفترة الحالية هي الوقت المناسب لذلك، «فالأطفال حالياً في إجازة مدرسية بعيداً عن حر المدرسة واللعب في الخارج، مما يلغي الخوف من إصابتهم بالجفاف، خلال ساعات النهار الحارة، ويمكن أن يصوموا براحة في المنزل بعيداً عن الحركة الشديدة واللعب خارج المنزل وفي الحدائق»، مشددة على أهمية أن يتناول الطفل الكثير من السوائل تفادياً لإصابته بالجفاف، وأن يبدأ كل من سحوره وإفطاره بالتمر وكأس من الماء، «فالتمر يعد من الثمار ذات السعرات الحرارية الجيدة والعالية في السكر المعقد المفيد للجسم، مما يعني أهمية أن يكون عماد الإفطار والسحور، ولا ضير من ملعقة عسل طبيعي للطفل».
وتضيف عماوي، أن الناحية الإيمانية والوجدانية للصيام مهمة، فالصيام برأيها لا يعني الانقطاع عن الطعام لفترة من الوقت فقط «بل هو إحساس بالمسؤولية والتحكم في الذات وتقدير نعمة الطعام»، مشيرة إلى أن أفضل طريقة للإفطار هي تناول التمر والماء، ثم شرب الشوربة الخفيفة، التي تعد أهم طبق بعد التمر، موضحة أنه في حال عدم تناول الطفل كمية جيدة من الطعام وعدم اشتهائه له خلال الفطور «يمكن للأم أن تقدم للطفل وجبة خفيفة بعد ساعتين، والماء أيضاً».
وتشدد عماوي على أهمية السحور للطفل «الذي يجب أن يكون متكاملاً وغنياً، وليس في وقت مبكر، بل نحو الساعة الرابعة فجراً، مما يعين الطفل على إكمال صيامه من دون تعب في اليوم »التالي.
مشيرة إلى أهمية أن تتم مراقبة الطفل جيداً خلال سنته الأولى من الصيام «ومراقبة تفاعله مع الصيام، إن كان متعباً، أو يعاني من الدوخة، مما يعني أهمية تدريج الصيام له شيئاً فشيئاً».