مكتبة «غوغل».. معرفة مجانيــة أم قرصنة فكرية

«غوغل»: لا ننتهك الخصوصية بنسخ أعمال قديمة. أرشيفية

تعتزم «غوغل»، إحدى كبريات شركات الإنترنت، إطلاق أضخم مكتبة رقمية على الشبكة، إذ يعمل حاليا آلاف الموظفين والخبراء لتجسيد المشروع الذي تقول «غوغل» إنه سيوفر معرفة مجانية لكثيرين. وتواجه الشركة صعوبات في جمع المواد الفنية والعلمية والأدبية، كما تلقى معارضة كبيرة من منافسيها ودور النشر الكبرى التي اعتبرت المكتبة بمثابة قرصنة فكرية.

ومنذ البدء في مشروع «مكتبة غوغل الإلكترونية»، تم نسخ أكثر من 10 ملايين كتاب من أوروبا والولايات المتحدة، إضافة إلى نصف مليون كتاب من جامعة أوكسفورد البريطانية. ولم تتسرب معلومات عن التقنيات التي يستخدمها خبراء «غوغل» في النًسخ وإدخال البيانات وتصميم الصفحات، حيث تحظى العملية بالسرية التامة.

ويتساءل مختصون في الإنترنت عن الجدوى من جمع الكم الهائل من المراجع الحديثة والقديمة، ووضعها في متناول المستخدمين للشبكة. وترد «غوغل» بأن الهدف من المشروع نشر الثقافة وتعزيز البحث على الإنترنت، من خلال توفير المراجع، وتسهيل الوصول إليها. وترى الشركة أنها من خلال المكتبة الضخمة سوف تقوم بتنظيم «معلومات العالم»، وتجعلها كتلة واحدة من السهل الوصول إليها.

وكما فعل الفراعنة المصريون الذين حاولوا جمع أمهات الكتب في مكتبة واحدة، فإن «غوغل» تريد أن تبني أول مكتبة عالمية رقمية، يستفيد منها الإنسان، حيث سيكون البحث خلالها مجانيا، في حين لم تتوافر معلومات عن كيفية الحصول على المواد.

ويذكر أن «غوغل» أبرمت بداية العام اتفاقاً مع مجموعات من موزعي وناشري الكتب في الولايات المتحدة، يقضي بالسماح لها بنسخ ونشر محتويات الكتب التي توزعها هذه المجموعات على شبكة الإنترنت، عبر مواقع «غوغل» الخاصة بالكتب فيما يعرف باسم «غوغل بوكس».

وقال المسؤول عن قسم الكتب في «غوغل» أوروبا، سانتياغو دي لامورا، «نفعل ذلك من أجل المنفعة العامة، وبوضع ملايين الكتب في متناول مستخدم الشبكة، نأمل توسيع آفاق المعرفة الإنسانية».

ويؤكد مهندس موقع «غوغل بوكس»، دان كلانسي، أن المشروع العملاق سيعطي فرصة لناس كثيرين ليس لديهم قدرة الحصول على مراجع غير متوافرة أو نادرة لديهم. ويوضح أن جوهر عمل «غوغل» يقوم على البعث والعثور على المعلومات، وأي شيء من شأنه أن يعزّز ذلك، فإننا نسارع إلى تجسيده». ويقول إن الأهداف التجارية لا تدخل في حساب المطورين، وإن إدارة الشركة تعطي الحرية الكاملة لباحثيها، من دون فرض قيود على نفقات الأبحاث.

معارضة

ويثير مشروع «غوغل» جدلا واسعا ومعارضة شديدة من عمالقة تكنولوجيا المعلومات في العالم. وتعارض «مايكروسوفت للبرمجيات» و«أمازون» المتخصصة في بيع الكتب على الإنترنت، المكتبة الرقمية لسببين. يتمثل الأول في حقوق الأرشفة على الشبكة العنكبوتية، ويكمن الثاني في عدم شرعية نسخ الكتب، حسب الشركتين.

ويقول مدير مكتبة جامعة هارفارد، روبرت دارنتون، «نظرا لكون عدد من الكتب مصدرا يلجأ إليه الجميع، يجب أن يعطى الحق لجهات غير ربحية فقط للتحكم فيها». وفوق هذا كله، تطرح مؤسسات وهيئات عدة مسألة «الملكية الفكرية» التي يبدو أنها لم تحظ باهتمام كاف من «غوغل». وتختلف قوانين الملكية من بلد إلى آخر، ففي أوروبا والولايات المتحدة تحمي القوانين حقوق المؤلف طوال حياته، ثم فترة معينة بعد وفاته، للسماح لأبنائه بالاستفادة من أعماله، وتصل المدة إلى 70 سنة في بريطانيا وأميركا. وهذا يعني أن أغلب الكتب والمؤلفات التي نشرت في القرن الـ20 لاتزال تحت الحماية الفكرية. وفي الولايات المتحدة نحو 40 مليون كتاب في المكتبات، 32 مليونا منها لاتزال محمية قانونا.

ويشار إلى أن النسخ شمل الكتب خارج أميركا التي انتهت فترة الحماية الفكرية لديها، إلا أن العملية شملت الكتب المحمية وغير المحمية في الولايات المتحدة. ويقول الخبراء إن لجوء «غوغل» إلى نسخ كتب من دون موافقة أصحاب الملكية يعتبر قرصنة فكرية. وفي ذلك يقول الخبير البريطاني، بيرز بلوفيلد، «المبدأ الأساسي لقانون الملكية يقوم على موافقة المؤلف قبل النسخ، أما «غوغل» فعكست العملية حيث نسخت الكتب أولا ولم تبال بحقوق المؤلفين».

أعمال يتيمة

وحذرت هيئات أوروبية وأميركية من السماح لـ«غوغل» باستخدام معلومات الكتب لأغراض تجارية، لأنها ستتحول إلى شركة بيع، بدلا من كونها مصدرا للمعلومات. ويذكر الأستاذ في كلية نيويورك للقانون، جيمس غرميلمان، أن السماح للشركة ببيع الكتب عبر الإنترنت سيجعل من «غوغل» عملاقا في هذا المجال، نظرا للعدد الهائل من المستخدمين الذين يدخلون موقع البحث الشهير.

وتركز «غوغل» حاليا على الأعمال الفنية والأدبية والعلمية التي لا يعرف أصحابها، ومن ثم، لن تواجه مشكلة في ما يخص الملكية الفكرية. وتنوي استغلال ما يسمى «الأعمال اليتيمة»، ونسبتها بين 5 و10٪ من مجموع الكتب المنسوخة. وبعد تبني «غوغل» هذه الأعمال، يمكنها أن تطالب بحقوق الملكية لهذه الكتب. وفي المقابل، يرى المؤلف في مجال العلوم، جيمس غليك، أن انتقائية «غوغل» سوف تخفف من الانتقادات، وتسهل استغلال المصادر العلمية على الشبكة العنكبوتية.

مشروع موازٍ

ويخشى الأوروبيون من هيمنة «غوغل»على مصادر المعلومات المتوافرة في شبكة الإنترنت، ومن ثم اقترح بعضهم إقامة مشروعات مماثلة لمكتبة «غوغل» الرقمية. ويرى باحثون أن «غوغل» ستفرض سيطرتها على معارف كثيرة، بالطريقة التي تراها مناسبة. إضافة إلى هيمنة اللغة الإنجليزية على مشروع «غوغل»، ما سيؤثر سلبا في اللغات والثقافات الأخرى في أوروبا. وفي ذلك، يقول الباحث في المكتبة الألمانية العامة في فرانكفورت، شتيفان يوكل، إن «الدعوة ببدء مشروع مواز مطلب مهم، وله كل الحق في أن يتلقى الدعم الكافي من الاتحاد الأوروبي».

ويذكر أنه يوجد في دول عديدة في الاتحاد الأوروبي مبادرات كثيرة قائمة على إدخال المعلومات لشبكة الإنترنت، من أجل الوصول إليها إلكترونيا. وفي ألمانيا، فريق بحثي يعمل على تطوير مشروع وطني لهذا الغرض، حيث يمكن قراءة بعض المجلات عبر الإنترنت، إلا أنه مشروع صغير، إذا ما قورن بمشروع «غوغل» العملاق، نظراً إلى التكاليف المادية، وإلى احتفاظ دور الطباعة الألمانية بحقوق النشر. ولايزال الأمل قائما في نجاح مشروع المكتبة الأوروبية العامة، والتي ستبدأ الشهر المقبل بإدخال عدد كبير من الكتب والمعلومات إلى الإنترنت. لكن المشروع يبقى متواضعا، بالمقارنة مع ما تقوم به «غوغل».

محطات

2002: إطلاق «غوغل» للأخبار، ونشر أخبار من مختلف المصادر. اشتكت وسائل إعلام من التعدي على السبق الصحافي الذي يحققونه.

وخسرت «غوغل نيوز» قضية أمام جرائد سويسرية، بعد تخزين أخبار من دون إذن مسبق.

2005: إطلاق «خرائط غوغل» و«غوغل إيرث» وفر خرائط مفصلة للأرض، وخاصية البحث على المواقع والحصول على معلومات عنها.

2006: امتلاك «غوغل» لـ«يوتيوب» يغير ملامح الوسائط المتعددة، ويوفر إمكانية مشاهدة وتحميل مقاطع الفيديو. أثارت الخطوة استياء القنوات التلفزيونية.

2008: امتلاك «دبل كليك» للإشهارات يثير غضب شركات الإعلانات التي تخوفت من احتكار «غوغل» الإعلانات على الإنترنت.

2009: إطلاق «ستريت فيو» في بريطانيا يوفر صوراً دقيقة عن الشوارع ما أثار جدلا حول الخصوصية.


عن «ذي أوبزرفر» و«ديلي تلغراف»

تويتر