المشاجرات تنتج غالباً عن التمييز بين الأطفال.                  فوتوز.كوم

مناكفات الإخوة.. تحوّل الآباء إلى «قضاة»

عادة ما يكون المنزل الذي يوجد فيه طفلان أو أكثر مشحونا بجو المشاجرة بين الإخوة، فيختلفون على أصغر الأمور، كلعبة معينة أو مشاهدة برنامج تلفزيوني أو حتى أغراضهم ومتعلقاتهم. وغالبا ما تنعكس مشاجرات الإخوة في المنزل على الأسرة ككل، ولاسيما الوالدين اللذين سيتحولان عنوة إلى قاضيين يحكمان بين الإخوة ويحاولان إيجاد نقاط مشتركة بينهم، لإحلال التفاهم مكان المشاجرة والمشاركة في اللعب بدلا من الصراع، وفي الواقع قد تكثر الصراعات بين الإخوة الذكور كونهم أكثر حدة من الفتيات.

التمييز

وترى ندى درويش، من العراق، أن أولادها لم يتشاجروا كثيرا عندما كانوا صغارا، «إذ كانت الخلافات بينهم على الألعاب ليس أكثر ولكني غالبا ما كنت أراهم يتفقون بعد مشاجرتهم بوقت وجيز دون أن أتدخل». وتتابع درويش، إن «الفارق العمري بين ولديّ هو سنتان ونصف السنة، لذا كانت مشاجراتهم أكثر حين كان ابني الأصغر عمره سنة، ولكنهما الآن صديقان، كما أن ابني الأصغر يقول لأخيه حين يضايقه إنه يفترض بك أن تنتبه لي وليس العكس فأنا الأصغر وعليك أن تهتم بأموري». أما ريم علي (لبنان)، فقالت لدي توأم، ولا يتفقان على الإطلاق، فغالبا ما أشعر أن المنزل ساحة عراك بين الاثنين». وتابعت علي «أعتقد أن المشكلات تزداد بين ولديّ كونهما من العمر نفسه، وكونهما يتشاركان الاهتمامات نفسها، وكذلك الألعاب».

ومن جهتها، أكدت هيام عبدالله، أن أولادها لا يتشاجرون كثيرا، لافتة إلى وجود القليل من الشجارات بين الوقت والآخر، ولكنها كما أكدت لا تحاول ان تفض الخلاف الذي بينهم بنفسها بل تتركهم لشقيقهم الأكبر الذي غالبا ما يحاول أن يحل الخلاف ويوجد نقاطا مشتركة، وبالتالي هذا يعزز تعاونهم وتفاهمهم لاسيما حين يكبرون». ولفتت عبدالله إلى «أن التمييز بين الإخوة في المنزل هو الذي يؤدي إلى زعزعة العلاقة بين الإخوة». وفي المقابل رأت أم محمد التي لديها ثلاثة أولاد، أن «صراع الإخوة في المنزل ينجم عن خلل في العلاقة مع الوالدين أو بين الإخوة أنفسهم، لأني أحيانا أراهم يتشاجرون بسبب عدم مبالاة أحدهم بالآخر أو عدم مشاركته اللعب أو أي نشاط معين، وبالتالي أتدخل لحل المشكلة ولأقربهم من بعضهم بعضا».

علاقات الآباء

ومن جهته، رأى الاستشاري في الطب النفسي الدكتور محمد النحاس، أن «الأبناء نتاج لتفاعلات الزوجين، وإن كانت العلاقة بين الأهل والطفل قائمة على الصراع والعنف والتهديد اللفظي والجسدي، فينشأ الطفل شاعرا بالعجز، ما يجعله ذا شخصية تظهر العنف بشكل واضح للآخرين». وركز النحاس على «ان دخول طفل جديد إلى العائلة يؤثر كثيرا في الطفل الذي يعامله الأهل بهذه الطريقة، بحيث يصبح الشقيق محط الصراع من قبل أخيه الأكبر، كونه سينافسه ويأخذ منه الاهتمام من النواحي الحسية والجسدية». وأضاف النحاس، «يتعامل الطفل مع أخيه على أنه إغارة عليه، وتتبلور داخله مشاعر العدوان، وبالتالي هذا قد يدفعه إلى أذية أخيه، وبالتالي تكبر العدوانية مع الطفل الصغير فيكبر الصراع بين الاثنين». ولفت النحاس، «إلى أنه غالبا ما تكون الغيرة ناتجة عن سببين إما ميل أحد الوالدين لأحد الأشقاء، فتزداد الغيرة بين الاثنين وتحتد القسوة». أما أسلوب التنشئة فيساعد كثيرا على تعزيز المشاجرات بين الإخوة، «فإن كانت تنشئة الأهل لأحد الأولاد تعتمد على الأنانية، لاشك أنها ستشحن الجو بين الإخوة كون الأنانية تعتبر منبت الصراع». وأن من طبيعة الطفولة كما قال النحاس، «التمركز حول الذات، لذا إما أن تقوم العلاقة بين الأخوة على الصراع، أو أن ينصاع الأطفال للطرف الأقوى فيلغي شخصيته، وبالتالي يكون هناك شخص سادي، وآخر مطيع».

ولفت النحاس إلى أن فارق العمر لا يعلب دورا كبيرا في الصراع بين الإخوة، لأن الطفل يبقى طفلا حتى تتم عملية الفطام النفسي، أي حين يحصل على نوع من التواصل مع جماعة الأقران لأنهم يعطونه الإحساس بالذات والاهتمام». أما علاقة الأب بالأم فتؤثر كثيرا في الأطفال، ففي حال كان الأب يتعاطف مع الأم، سيتعاطف الأطفال مع بعضهم بعضا، وبالتالي تكون المشاجرات أخف بكثير».

ضغوط عملية

أكد الاستشاري في الطب النفسي، أن «طبيعة الحياة الاجتماعية التي نعيشها والتي تحتم على الأم أن تعمل كالأب، تجعل معظم الأمهات لا يتمالكن أعصابهن في تعاملهن مع الأطفال بعد عودتهن من العمل». أما الطريقة التي يمكن من خلالها أن يجد الأهل نقاطاً للتواصل مع أبنائهم فتكون بحسب النحاس من خلال التفاهم والحوار، كما أنه لا بد من إعطاء الأم مساحة كي تتكلم، فمن الضروري ألا يـكون هـناك تناقـض بــين الأم والأب لأن هـذا مـن شأنه أن يوجد لدى الطفل الذبذبات والاضـطرابات، فالاعـتدال هـو المـهم، لا القـسوة ولا التـدليـل». وأشـار النحـاس إلى «وجـوب جـلوس الأهل للأبناء وليس مع الأبناء، لأنه من الممـكن أن يجـلس الأب مـع ابـنه ويـقرأ الجــريدة وبالـتالي لن يشـعر الطـفل بوجوده، فمن الضروري أن يكون هناك تفريغ وجداني للمشاعر السلبية عند الأطفال وشحن للمشاعر الايجابية».

الأكثر مشاركة