غاز الكربون يتحوّل إلـى مصدر طاقة مستقبلاً
يسعى باحثون إلى إيجاد حل دائم للتلوث الذي تسببه انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون، ونجحت بعض التجارب في خفض الانبعاث وامتصاص كميات كبيرة من هذا الغاز. ويقترح العلماء أن يتم التعامل مع الكربون مثل الطريقة التي يتم من خلالها التخلص من المواد المشعة، التي تدفن تحت الأرض. ومع تزايد المحطات التي تولد أوكسيد الكربون يدعو الباحثون إلى تطوير منشآت موازية تقوم بامتصاص هذا الغاز وتخزينه، بطرق آمنة. وجاء في مجلة «ذي إكولوجست» ان مراكز الأبحاث في أوروبا والولايات المتحدة تدرس إمكانية إنشاء مرافق ملحقة بالمحطات المذكورة، للتمكن من محاصرة الكربون وتجميعه، وبعدها تتم معالجته ليتحول إلى سائل من أجل تخزينه.
حرارة غير متوقّعة
كشفت دراسة أجريت أخيراً أن زيادة نسبة ثاني أوكسيد الكربون في الجو يمكن أن تؤدي إلى ارتفاع درجات حرارة كوكب الأرض بشكل يفوق التوقعات. ونقلت وكالة الأنباء الاسبانية عن معدّي الدراسة التي أجراها علماء من جامعة كاليفورنيا ويالي على نموذج من حقبة ترجع إلى خمسة ملايين عام عندما كانت درجات حرارة كوكب الأرض أعلى من الوقت الراهن بنحو ثلاث أو أربع درجات من المعدل الحالي، «إن أي زيادة طفيفة في نسبة غاز ثاني أوكسيد الكربون تسببت بدورها في ارتفاع كبير بدرجات الحرارة، حيث ان غاز ثاني اوكسيد الكربون يقوم بجانب الغازات السامة الاخرى باحتجاز بعض حرارة كوكب الأرض وهو ما ينتج عنه ارتفاع درجة حرارة الجو وارتفاع مستوى سطح البحر». وأضافت الدراسة التي نشرتها مجلة «نيتشر جيوساينس» أن تلك الظواهر تؤدي على المدى الطويل إلى حدوث تغيرات في طبقات الجليد القاري وعملية نمو النبات على الأرض ودورات المحيطات، وهو ما يؤدي بدوره إلى زيادة درجات حرارة الكوكب.
|
«تصليح المناخ»
يقول الباحثان روبرت كونزيغ وزميله والاس بروكر، في كتابهما «تصليح المناخ» ان مشروع تحويل غاز الكربون إلى سائل ليس أمر سهلاً، علماً أن العالم يضخ نحو 29 مليار طن سنويا، «وإذا تحولت هذه الكمية إلى سائل وسكبناها على جزيرة منهاتن في نيويورك فإنها ستغرق بالكامل ويصل السائل إلى الطابق الـ81». أما الخبير في قسم هندسة الأرض والمناخ بجامعة كولومبيا، فرانك زيمان فيرى أن الأمر محفوف بالمخاطر، «لم نتطرق بعد إلى المسائل الكبرى المتعلقة بالتخلص من الكربون، «لدينا مشكلات كبيرة في ما يخص النفايات، ولنتخيل ماذا سيحدث عندما يدخل الكربون على الخط».
إمكانية التدوير
في المقابل يرى بعض الخبراء أنه بالإمكان استغلال الكربون عوض التخلص منه، ليكون مصدراً للطاقة. وتستخدم الطحالب في عملية التمثيل الضوئي لامتصاص الكربون وتحويله إلى طاقة أو علف للحيوانات. وفي جامعة مينسوتا، أثبتت التجارب أن إعادة تدوير الكربون ممكنة، إلا أن الباحثين يفضلون إنشاء محطات امتصاص الكربون وتخزينه في المناطق الاستوائية. وفي ذلك يقول الباحث في «مؤسسة الكربون البريطانية» بن غرازيانو إن «أفضل النتائج في هذا المجال ستكون عند خط الاستواء، حيث تنمو الطحالب بشكل أفضل»، وتطمح المؤسسة أن تقيم مشروعاً لتحويل الكربون بالاستعانة بالطحالب بحلول ،2020 وهناك مشروعات قائمة تدرس إمكانية انتاج البلاستيك من الطحالب. ويوضح غرازيانو «يستطيع الطحلب أن يمتص ثاني أوكسيد غاز الكربون ويولد الطاقة». وينتج هكتار واحد من الطحالب ما بين 10 و15 ألف لتر من الوقود سنويا، مقابل 5000 إلى 6000 لتر بالنسبة لنخيل الزيت.
الإسمنت الأخضر
ويعتقد العلماء أن تحويل الكربون أو ما بات يعرف بـ«تكنولوجيا الكربون السلبية» ستحقق أرباحا كبيرة للدول النامية. وتحتاج هذه الدول إلى تقنية تؤهلها للتأقلم والتغلب على تبعات التغير المناخي. وتذكر مجلة «ذي إيكولوجست» ان انتاج الاسمنت يسهم بنسبة 5٪ في انبعاثات غاز الكربون، ويأتي 50٪ من غازات المصانع عند تحويل الصخور إلى مادة الاسمنت. ويطالب حماة البيئة بالتوجه إلى «الاسمنت الأخضر» الذي لايتسبب في الانبعاثات خلال الانتاج، بل يقوم بامتصاص الكربون. وقد طور الباحثون في جامعة «امبريال كوليج» في لندن، نوعا خاصا من الاسمنت الأخضر يعتمد على أوكسيد المنغنيز عوض الصخور الجيرية المستخدم في الاسمنت المعروف. وخلافاً لهذا الأخير فإن المنتج الجديد قابل لإعادة التدوير.
امتصاص الغازات
يقول الباحثون في شركة «نوفاسم» إن كل طن من الاسمنت الأخضر بإمكانه أن يمتص 0.75 طن من الكربون ويخزنه لفترة غير محددة.
ويقول مدير الشركة ستيوارت إيفانز إن الفائدة من ذلك يكمن في إزاحة الكربون من الهواء وليس استغلاله ليكون مصدراً للطاقة». ورغم أن الزراعة تسهم في توسيع الغطاء الأخضر على وجه الأرض إلا أن مساهمتها في التلوث ليست بالقليلة. ويقول الناشط في منظمة «لافيا كمبنسينا» البيئية، هنري سراغيه، إن الزراعة تسهم بنحو 30٪ من مجموع الانبعاثات في حين تقدر نسبة التلوث لوسائل النقل المختلفة بـ13.5٪.
ويوجد نحو 200 مشروع حول العالم يختبر تقنيات امتصاص وتخزين الكربون، من الناحيتين العملية والمادية. ولايزال معظمها مجرد مخططات في حين بدأ في العمل ثمانٍ منها فقط لحد الآن. وفي هذا السياق تقوم الشركة النرويجية «ستاتاويل» بإزالة غاز الكربون من الغاز المسال، في بحر الشمال، وتعمل على تخزينه تحت الأرض. وتجري العملية نفسها في منطقة عين صالح بالجزائر، بالتعاون بين الشركة البريطانية للنفط وسوناطراك الجزائرية. كما ينقل الأميركيون آلاف الأطنان من الكربون المسترجع عبر أنابيب طولها 330 كيلومتراً، من محطة توليد الكهرباء تعمل بالفحم بولاية داكوتا الشمالية، لاستخدامه في تحفيز عملية استخراج النفط في الحقول الكندية.