‏‏‏علماء يقتربون من أدلّة على وجودها

«المادة السوداء» سـرّ وجود الكون ‏

«الطاقة المعتمة» لاتزال غامضة. أرشيفية

‏يتفق علماء الفلك على أنها سر وجود الكون وتشكل معظم مادته، ولم تقترب أبحاثهم ومشاهداتهم وعمليات الرصد الفضائي منها إلا في العقدين الاخيرين. إنها المادة السوداء او المظلمة او الطاقة المعتمة التي ظلت يلفها الغموض لآلاف السنين، والتي يقول العلماء إنها سميت بهذا الاسم ليس لأنها بعيدة او غير مرئية، بل لأنها غير معروفة بشكل تام حتى الآن من حيث الخصائص الفيزيائية. ومنذ اختراع التلسكوب قبل أربعة قرون أصبح الفلكيون قادرين على اكتشاف المزيد من أسرار الكون ومجراته ووظائفها، وما يطرأ عليها من تحولات من خلال عمليات الاندماج او الانفجارات، بواسطة مراقبة السماء وتطبيق بعض معادلات الفيزياء والرياضيات.

ويقول الباحثون إن الكون، الذي اصبحنا نعرفه بشكل أفضل، مكون من مجموعة كبيرة من المواد لا تزيد على 5٪ فقط بينما تتمثل المادة المجهولة المعتمة النسبة الساحقة المتبقية والتي كان العلماء في السابق يعتقدون لوقت طويل أنها المادة التي كونت كل شيء من الانسان وحتى الكواكب والنجوم في مجرتنا، وفي 125 مليار مجرة أخرى تم اكتشافها حتى الآن

وعلى قاعدة «كلما ازدادت مراقبتنا ازدادت معرفتنا» قال باحثون اميركيون انهم تمكنوا من تحديد اشارتين يمكن ان تدلا على وجود جزيئات المادة المظلمة غير ان دراستهم التي نشرت في مجلة «ساينس» تشير الى ان الاحتمالية الاحصائية لتحديد المادة المظلمة هي بنسبة 23٪، حيث قالت الدكتورة جودي كولي من جامعة «ساوثرن ميثوديست» في مدينة دالاس التي قادت فريق البحث الذي قام بالدراسة «انها حالة بالغة الصعوبة ولكننا تمكنا من تحديد اشارتين وواجهنا تذبذباً إحصائياً في تفسيراتنا، ما حال دون الجزم بدليل مؤكد على المادة المعتمة». وتواصلت دراسات معمقة منذ عام 2003 في مختبر في منيسوتا لتحديد الجزيئات الافتراضية الضخمة ضعيفة التفاعل، وهي الجسيمات التي لا تصدر الضوء أو أي إشعاع كهرومغناطيسي، حيث طور العلماء أخيرا تجارب اكثر دقة وحساسية في هذا المجال منها تجربة البحث الكريوجيني، باستخدام درجات برودة عالية عن المادة السوداء، وهي نتاج جهود مشتركة بين عدد من الجامعات والمعاهد العلمية الاميركية. ويصف العلماء المادة المظلمة بأنها تشبه «دعامات الجاذبية التي تسببت في تجمع المادة الطبيعية في المجرات التي نراها اليوم». ويعتقدون أن المواد العادية المكونة للنجوم والكواكب مثل الغاز والذرات الغبارية تشكل اقل من 5٪ من الكون، أما بقية الكون فهو غير مرئي، ومعظمه «الطاقة السوداء»،

ويذهب فريق من الباحثين الى أن المادة السوداء مكونة من جزيئات بحجم أصغر من الذرة، من تلك الجسيمات الافتراضية الثقيلة الضعيفة التفاعل، بينما يرى فريق آخر أن المادة المعتمة تتألف من المادة العادية، وأن الكون بكامله مؤلف تقريباً من المادة العادية، وأنه طبقاً لأكثر النظريات شيوعا فإن الانفجار العظيم أنتج فائضا صغيرا من المادة المعتمة على المادة العادية. كما تأمل كولي أن تسهم التجربة التي طورها العلماء في اطار الدراسة في تسريع عملية البحث عن دليل على المادة المظلمة، وتقول «انها لحظة مثيرة للغاية جدا في هذا المجال».

كما ظهرت نظريات تفسر طبيعة هذه المادة، قالت انها تتشكل من كتل متراصة وجزيئات أولية وتظهر على الشاشة في الأجهزة التلسكوبية الحديثة كأنها سحابة رقيقة داكنة ترصع القبة السماوية، محدثة ومضات ذات طاقة هائلة.

وفي السبعينات بدأ الفلكيون ملاحظة أمر لم يبد متلائماً مع قوانين الفيزياء هو ان المجرات اللولبية مثل مجرتنا كانت تدور حول نفسها بمعدل يجب أن يجعلها منذ القدم تتذبذب خارجة عن السيطرة وتتمزق طولياً، وتطرح النجوم في كل اتجاه وكانت المجرات تعيش بسرعة ولكن لا تفنى وهي فتية، مما قاد الباحثين الى التساؤل عما إذا كانت هالة أي شيء افتراضي تمثل غطاء لكل مجرة.

وفي أواخر الثمانينات حاول فريق من الفلكيين العثور على إجابة واضحة ومقنعة لسؤال حول ما اذا كان هناك في الكون اكثر مما نراه وكم هي هذه الزيادة، وسعوا فعليا الى محاولة تسوية قضية كانت تزعج الفلكيين منذ اكتشف العالم الفلكي ادوين هابل في 1929 أن الكون يبدو أوسع مما نعتقد، واعتقدوا ان الجاذبية ستبطئ من توسعه لكن تساؤلات عدة مازالت قائمة حول سرعة تباطؤ الكون ومدى توسعه.

وفي عام 1997 قام فريقان فلكيان أحدهما أميركي والآخر دولي بتجميع بيانات من أكثر من 50 نجماً شديدة السطوع، حيث لاحظ أعضاؤهما أن بعض هذه النجوم لم يكن أكثر سطوعا مما كان متوقعاً بل اكثر عتمة، ما دفع بعضهم الى التساؤل عما اذا كانت قد وقعت أخطاء في عمليات الرصد وجمع البيانات، وفي العام التالي أعلن الفريقان توصلهما الى الاستنتاج نفسه وهو ان معدل توسع الكون ليس بطيئاً وانما بدأ يتسارع وهو ما يناقض توقعات بعض العلماء.

واستناداً الى العلماء، فالصفة المميزة للمادة السوداء أنها لا تقع فقط خارج مدى الرؤية ولكن أيضاً ما وراء الطيف الالكترومغناطيسي الكلي ولا تستطيع حواسنا كشفها الا بشكل غير مباشر، لأن حركات المجرات لا تحدث إحساساً ما لم نستدل على وجود المادة السوداء التي قال بعضهم في السبعينات عنها إنهم كانوا يتوقعون اكتشافها تماماً والتعرف إلى خصائصها وتوضيح كل غموض فيها خلال مدة لا تزيد على عقد، ورغم التساؤلات الكثيرة والعويصة حول وجود الطاقة السوداء وخواصها وكيفية الاستدلال عليها كان فيزيائيو القرن التاسع عشر يعتقدون أنها الاثير الذي يعم الفضاء، بينما يتطلع الباحثون الجدد الى ان تمكنهم أجيال التلسكوبات الحديثة من تحقيق اختراقات علمية خلال العقدين الجاري والمقبل.

تويتر