معظم الكواكب دخلت إلى عمق الشمس منذ 4 مليارات عام. تصوير: غلام كاركار

الفلــك يُربــك العلمـاء ‏

عندما بدأ علماء الفلك رصد الكواكب حول النجوم البعيدة ومتابعة أحوالها في اواسط التسعينات أصيبوا بحالة من الارتباك والحيرة. فكثير من الاكتشافات الفلكية المبكرة شمل كواكب ضخمة بحجم المشتري أو أكبر، وتنتظم من حولها نجومها في مدارات محددة بشكل يجعل السنة في كل منها مجرد أيام. ولا يمكن لأحد ان يتصور كيف يمكن لكوكب ضخم مثل المشتري ان يتشكل في مكان عدواني قلق حيث يؤدي الاشعاع القادم من النجوم الاكبر «النجوم الآباء»، إلى دفع الغاز الخفيف الذي تتكون منه الكتلة الكلية للنجوم إلى أبعد مسافة ممكنة في نظامنا الكوني قبل ان يلتئم.

ولكن عمليات الرصد والدراسات وفرت مجموعة نظريات علمية بين يدي العلماء تقدم تفسيراً افضل لما يحدث في تلك الكواكب البعيدة وحولها، ومنها ان الاجرام العملاقة يمكن ان تكون قد تكونت في مواقع حساسة كما كان الحال مع المشتري، ثم ارتحلت الى الداخل متخذة مدارات ثابتة لها، ويبدو هذا التفسير منطقياً باستثناء مشكلة صغيرة وهي: أن هذا النموذج الفلكي يقول ايضاً إن كواكب صغيرة مثل الارض ما كان يجب ان تكون موجودةً على الاطلاق. وبالتأكيد ينسحب هذا على الاقمار الصغيرة التابعة لها كما هو حال القمر بالنسبة للارض، لأن معظم الكواكب التي تماثل حجم كوكبنا دخلت الى عمق الشمس منذ أكثر من اربعة مليارات عام، لكن الشمس او غيرها لم تبتلع كوكباً بحجم المشتري في حال اقترابه منها. ويقول الفلكي في المتحف الاميركي للتاريخ الطبيعي في نيويورك مورديساي مارك ماكلو، إن هذا يعد مشكلة حقاً، لكنه ومساعديه قدموا ورقة علمية الى إحدى المجلات المتخصصة أخــيرا، يجادلون فيــها ان النظرية القديمة لتحطــم الارض كانت صحيحة بشكل عام، ولكــن كانت تنقصها بعض التفاصيل المهمة، منــها ما يتعلق باعادة التشكيل وكيف يؤثر ذلك في وجود الكواكب الاخرى التي نعرفها.

وحينما تشكلت نجوم نظامنا الكوني أول مرة كانت تسبح في سحابة ضخمة من الغاز تشبه القرص، وعمل مسارها على تعكير الغاز وضغطه ما أدى الى مرور الغاز المضغوط بثقله على الكواكب الصغيرة منها، وهو التأثير الذي ادى الى ارتحال تلك الكواكب الى داخل النظام. وحينما توقف تحرك الكواكب تبدد الغاز، ولكن في وقت متأخر كانت قد انزلقت فيه الى داخل الشمس. غير أن تلك الفرضيات المبكرة لم تأخذ في الحسبان حقيقة أن الغاز المضغوط ترتفع حرارته الى درجة تحديد مستوى تكثفه وتحديد مدى صلابته وهي عوامل يعتمد عليها مروره على الكويكبات الصغيرة. وتقوم الجاذبية الذاتية للكوكب بقذف الغاز وتفريقه من حوله وهو ما لاحظه علماء وكالة الفضاء الاميركية (ناسا) خلال متابعتهم لاحدى السفن الفضائية المتجهة الى كوكب زحل وهي تأخذ دفعة من المشتري خلال عملية تشبه القذف بالمقلاع.

ويقول سيجمي جان بارديكوبر، أحد مساعدي ماكلو، ويعمل الآن في جامعة كامبريدج، إن هناك أماكن تقوم فيها القوة الصافية للكوكب بدفعه الى الداخل واماكن أخرى تدفعه فيها الى الخارج، وبين هذين النوعين من الامكنة هناك اماكن يكون دفع تلك القوة صفراً، وبالتالي فإن الكواكب تستقر في مواقعها، وهذا النموذج الاخير يشمل الكواكب الصغيرة المماثلة لكوكبنا. ومع تبدد قوة الغاز وتفرقها واستقرار الكواكب الصغيرة في مداراتها التي تعتمد في مواقعها على مختلف العوامل الخاصة بنظام كل كوكب او كل مجموعة لاسيما كمية المادة الموجودة في كتلة حجم الكوكب او سحابة الغاز الشبيهة بالقرص وما فيها من غاز وما فيها من غبار وحجم ذرات هذا الغبار ودرجة حرارة الكوكب، وهناك سبب آخر وهو توقعنا من كل نظام كوني ان يختلف ولو قليلاً عن الانظمة الاخرى.

وتبدو هذه النظرية الجديدة ذات جاذبية عميقة واضحة للمهووسين بالكواكب ودراستها، ولكنها ليست كذلك بالنسبة لبقية العلماء، ولكن لابد للجميع من الاخذ في الاعتبار انه لو كانت هذه النظرية غير صحيحة لما كان احد منا موجوداً للتفكير في أي شيء.

الأكثر مشاركة