«الجنادرية 25».. دعوة للحوار
اتفق حضور حفل افتتاح فعاليات الدورة الـ25 للمهرجان الوطني السعودي للتراث والثقافة «الجنادرية»، أول من أمس، على وجود تغير كبير في شكل وتنظيم المهرجان يوحي بتغيير «موازٍ في التفكير السعودي الذي بات أكثر انفتاحا على العالم وأكثر تقبلاً لدور المرأة في التنمية». وافتتح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز المهرجان في قرية الجنادرية بالعاصمة الرياض في احتفال مبهر شارك فيه ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، إضافة إلى الآلاف من الفنيين والمنظمين والفنانين والكتّاب والمثقفين والسياسيين والدبلوماسيين.
وشهد الحفل كثيراً من الإشارات الواضحة إلى وجود انفتاح واسع على الآخر، بداية من الشعار الذي رفعه المهرجان هذا العام «عالم واحد وثقافات عدة»، الى اختيار فرنسا ضيف شرف الدورة، بما يعني أن السعودية إحدى أهم دول منطقة الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، قررت أن تقود الحوار مع الغرب بما يضمن وصول الصوت الإسلامي واضحاً من دون لبس.
ضم حفل الافتتاح كثيراً من الشخصيات المتباينة المواقف والآراء والجنسيات والأديان والمذاهب، في دليل على ضرورة الحوار بين الجميع سبيلاً وحيداً للتخلص من الإرهاب والتعصب والكراهية المتبادلة بين الشعوب، التي أشير إليها مكملاً لمبادرة العاهل السعودي للحوار بين الأديان.
بدأ حفل الافتتاح بسباق للهجن، ثم افتتح الملك عبدالله معرضاً للصور يضم لقطات من الدورات السابقة للمهرجان منذ انطلاقه، قبل أن يتجول على الأجنحة المختلفة التي عجت بها القرية الواسعة التي تضم المهرجان والتي تعبر عن مناطق ومدن المملكة المختلفة، وعدد من الدول المشاركة، وبينها فرنسا. وكرم المهرجان الأديب والشاعر السعودي عبدالله بن دريس كما كرم عدداً ممن شاركوا في تنظيم الحفل والمهرجان.
وقال ملك البحرين إن «مهرجان الجنادرية لم يعد حدثاً مقتصراً على السعودية وحدها وإنما اكتسب أبعاداً خليجية وعربية ودولية بتواصله واستمراره عاماً بعد عام برعاية خادم الحرمين الشريفين واهتمام كبار العلماء والمثقفين والفنانين باعتباره مهرجاناً نابعا من التراث والأرض والتاريخ والثقافة الإسلامية السمحة».
وقال وزير الثقافة الفرنسي فريدريك ميتران في كلمته خلال حفل الافتتاح «أرادت فرنسا أن تعبر بدورها عن تقديرها للقناعات الراسخة لخادم الحرمين الشريفين لمصلحة الحوار بين الشعوب والأديان والحضارات، وتستجيب لرغبة قديمة للعالم العربي في التعرف إلى عوالم جديدة وتطلعاتها التي جعلتها، كما جعلت الشعب الفرنسي يتطلع إلى ما وراء الأفق، سعياً وراء قدر يرفع من شأنها». وبات واضحاً من خلال الأوبريت الغنائي الذي اختتم به حفل الافتتاح مدى التغير الكبير في أسلوب التفكير السعودي تجاه كثير من القضايا، فقد ضم الأوبريت الذي كتبه الشاعر الكبير «ساري» كثيراً من المعاني لدولة الحداثة والانفتاح على الآخر التي لا تتجاهل أبداً الموروثات والقيم الأصيلة لكنها تتعامل مع الواقع بما يناسبه.
وجاء تكليف المطرب العراقي ماجد المهندس بتلحين الأوبريت تعبيراً صريحاً عن حالة الانفتاح الفكري والثقافي السعودي ، حيث إن المهندس حصل على الجنسية السعودية فقط قبل أشهر قليلة، ولم يسبق أن لحّن أو شارك فنان غير سعودي في تلحين أوبريت الجنادرية، لكن المهندس كان موفقاً بشهادة الجميع
ومنح الأوبريت طابعاً متجدداً ونكهة مختلفة تماماً.
كما كان واضحاً أن دور المرأة في المملكة بات واقعاً لا يمكن إنكاره، حيث ظهرت لوحة نسائية كاملة بصوت المطربتين اللبنانيتين يارا وفدوى المالكي، ـ وإن لم تظهر المطربتان على المسرح إلا عبر صوتيهما ـ للدلالة على تغيير مجتمعي في ما يخص النظرة السعودية المحافظة للمرأة التي يمنع حتى الآن ظهورها بشكل رسمي.
وافتتح المهرجان مساء امس النشاط الثقافي الذي يضم العديد من الندوات الأدبية والشعرية بمشاركة مثقفين سعوديين وعرب وأجانب، إضافة إلى محاضرات عدة لشخصيات بارزة.