الصدمة النفسية في الصغر تبقى بالذاكرة
غالبا ما تترك التجارب الصادمة، ذات الأثر السيئ في البالغين، آثاراً كارثية لدى الأطفال. ويقول فريدريش هوكس، من أحد مراكز معالجة الصدمات النفسية في ألمانيا، إن الأطفال، «على عكس البالغين، لم تتشكل لديهم بنية قيمية».
وعلى سبيل المثال، يعلم البالغون أن الاعتداءات وجرائم الاغتصاب هي أمور سيئة، بيد أنه عندما يمر الطفل بتجربة سيئة، لا يمكنه تصنيف تلك التجربة أو التحدث بشأنها، ومن ثم تترسخ تلك الصدمة في ذاكرة الطفل، ويظل متأثرا بها مدى الحياة في أسوأ الحالات.
وكلمة «صدمة» مرتبطة بكلمة «جرح»، حيث إن الشخص المصاب بالصدمة يظل مصابا بجرح نفسي مدى الحياة، وانطلاقا من رغبة الطبيبة النفسية زابينه آينز ـ أيبر في الحيلولة دون مرور صغار السن بمثل هذه التجارب الصادمة، قامت وزملاؤها بتأسيس مشروع لعلاج الصدمات النفسية في مدينة هاله، والذي يعد الأول من نوعه في ألمانيا.
وفي هذا المشروع، جرت معالجة أشخاص تتراوح أعمارهم بين ثلاثة أعوام و26 عاما، تعرضوا للضرب أو الاغتصاب أو الاعتداء أو مروا بتجارب صادمة مثل العثور على جثة أو رؤية حادث مروع.
ويوفر المشروع مواعيد زيارة سريعة لأطباء متخصصين، ويقوم فيه الأطباء بزيارات منزلية أو زيارات للمدارس، ويعملون مع اختصاصيي الأطفال والهيئات الحكومية. وقد حقق هذا المشروع بالفعل نجاحا في معالجة المرضى.
وقالت ايبر «عادة ما يطول انتظار موعد زيارة طبيب نفسي». فقد يستغرق الأمر عاما للحصول على أول استشارة من الطبيب، وهو أمر عصيب للغاية بالنسبة للأطفال والشباب المصابين بالصدمات النفسية الذين يخضعون للعلاج في هذا المشروع، الذي يدعمه نظام التأمين الصحي العام في ألمانيا. وربما يتعمق تأثير الصدمة النفسية لدى المريض أثناء انتظاره موعد زيارة الطبيب، ما يزيد من صعوبة علاجه.
وفي جميع الأحوال، فإن علاج صغار السن أصعب بكثير من علاج البالغين، حيث يزداد العلاج تعقيدا كلما كان سن المريض صغيرا، ويرتبط ذلك الأمر بالبنية القيمية غير المدربة لدى الطفل، حيث لا يمكن للأطفال الرجوع إلى تجارب سابقة أو فهم الأحداث بتعقل واتزان.
وأكثر الصدمات النفسية التي يصعب علاجها تلك التي تحدث في إطار علاقة المريض مع شخص موثوق به، مثل المعلم أو أحد الأبوين. وأوضحت ايبر قائلة «هذا أمر يصعب كثيرا تحمله نظرا لأنه غير طبيعي إلى حد كبير». فمن الطبيعي أن يحمي الآباء أطفالهم ويضعون لهم أساسا لحياتهم، ومن ثم، عندما يتعرض الأطفال لإساءة المعاملة، ينهار هذا الأساس أو يصبح من المستحيل تشكيله.