عوارض التوحد تختلف من شخص إلى آخر. غيتي

النشاطات.. علاج مبكّر للمصابين بـ «التوحّـد»

يرى اختصاصيون أن التوحّد «اضطراب عصبي وليس مرضاً»، مشيرين إلى أنه تتفاوت أعراضه المتنوّعة من طفل إلى آخر. وعلى الرغم من أنه لم يتم التوصل حتى الوقت الحالي إلى علاج فعّال للتغلب على التوحّد، فإن متخصصين يؤكدون ضرورة التدخل العلاجي المبكر، الذي يعتمد على البرامج التدريبية لتطويـر المهارات المختلفة للمصاب بالتوحد، اجتماعية وسلوكية ولغوية، بالإضافة إلى النشاطات الجماعية التي تسهم في إخراج الطفل «التوحدي» من عزلته.

عناية

أكد مدير المركز الدولي للاستشارات النفسية في دبي، الدكتور محمد محمود النحاس، أن المصاب بالتوحّد في حاجة إلى عناية لا يدركها إلا المتخصصون الذين يعملون على إعادة تأهيله وإعداده وفق السلوك السوي، مشيراً إلى أن المصاب يعامل على أنه حالة فردية، لها طرق خاصة للعلاج والتجاوب معها، ينبغي التعرف إليها للتفاعل معها، من دون إجباره على ذلك.

وأضاف النحاس «التوحدي يشبه على أنه يعيش في بلورة زجاجية مغلقه، يراه الآخرون، ولكنه لا يرى أحداً، لذا يقل أو ينعدم تجاوبه مع الآخرين، ويطلق عليه طفل متوحّد مع ذاته»، مؤكدا أن بعضهم يتميزون بالذكاء العالي، الذي يدعو إلى الدهشة والإعجاب في كثير من الأحيان، وضرورة الالتفات إليهم واستغلال قدراتهم بما يعود فيه بالنفع على المجتمع، مستدركا «لكن للأسف لا توجد مراكز متخصصة كثيرة في الدولة تعمل على تنمية واستغلال هذه القدرات وتوظيفها في مكانها الصحيح».

وطالب بضرورة زيادة مثل هذه المراكز، لاحتواء المصابين بالتوحّد والاعتناء بهم، لاسيما أنهم يلجأون إلى ممارسة بعض السلوك غير السوي، وقد يظهرون سلوكاً عنيفاً أو مؤذياً للذات، وتختلف هذه الأعراض من شخص إلى آخر وبدرجات متفاوتة، فيشكلون حالة خطرة في الأسرة، إذا ما تم العناية بهم، وأخذهم إلى هذه المراكز التي تعمل على تأهيلهم وإعدادهم وفق السلوك السوي.

وأشارت مديرة مركز دبي لتطوير نمو الطفل في هيئة تنمية المجتمع في دبي، الدكتورة بشرى الملا، إلى أن التوحّد يصيب الذكور أكثر من الإناث بنسبة أربعة أضعاف تقريباً، وقالت ان «علماء أثبتوا أنه اضطراب عصبي قد يحدث نتيجة لأسباب مختلفة، كالاضطرابات الأيضية، أو إصابات الدماغ قبل الولادة أو بعدها، ويظهر بوصفه إعاقة تطورية أو نمائية عند الطفل خلال السنوات الثلاث الأولى».

وأضافت الملا لـ«الإمارات اليوم»: «قد تؤدي العدوى الفيروسية لحديثي الولادة كالحصبة الألمانية للإصابة بالتوحّد، والتشنجات وبعض الاضطرابات الوراثية أيضاً في بعض الحالات، وبناء على ذلك يصنف في الـوقت الراهـن ضمن الاضطرابات الجسدية، وليس ضمن الاضطرابات الانفعالية، ولا يرتبط بعوامل عرقية أو اجتماعية».

أعراض

عن أعراض التوحّد، قالت مديرة مركز دبي لتطوير نمو الطفل: «تتفاوت بشدة علامات التوحد من طفل إلى آخر، فقد تكون الإصابة بسيطة إلى شديدة، لذلك قد لا تظهر العلامات مجتمعة عند الأطفال، يكمن أهمها في مجال تطور المهارات اللفظية، وسلبية السلوك والتفاعل الاجتماعي».

وتتمثل علامات التوحد في الميول ـ كما بينت الملا ـ في العزلة والبقاء منفرداً، وعدم الميل للاختلاط، إذ يتسم المصاب بفتور المشاعر، ومقاومة التغيير من خلال اعتماد روتين خاص به يصعب تغييره، إلى جانب الارتباط غير الطبيعي بأشياء معينة كدمية مثلاً، والروتين اللفظي، وترديد ما يسمع، وعجز في التحصيل اللغوي واستعمالاته، وعجز في استعمال الأساليب غير الفظية للتعبير (الحملقة في العين، وحركات جسمية، أو التعامل بالإشارات)، بالإضافة إلى القيام بحركات غريبة مثل (رفرفة اليدين، والقهقهة بلا سبب، وفرك الأشياء)، وبعض المصابين لا يبدي خوفاً من المخاطر، ومن الممكن أن يؤذي نفسه بشد الشعر أو العض، كما أن بعضهم يبدي حساسية مفرطة ببعض المثيرات الحسية مع أنها تكون مقبولة وهادئة، في حين قد لا يزعجهم مثيراً آخر صاخب ومزعج.

تشخيص وعلاج

أما بخصوص تشخيص التوحّد، فأكدت الملا أنه لا توجد فحوص طبية مثل التحاليل المخبرية أو الإشعاعية، تثبت التوحّد أو تعتمد تشخيصـه، «والذي يتم من قبل اختصاصيين يقومون باعتماد أسئلة تشخيص التوحّد حسب مقياس (دبي إس إم 4) المعتمد عالمياً»، لافتة إلى أنه ليس هناك علاج فعّال للتوحّد، مشددة على ضرورة وأهمية التدخل العلاجي المبكر، والذي يعتمد على البرامج التدريبية لتطوير المهارات اللغوية والاجتماعية والسلوكية.

ويركز الأسلوب العلاجي على النشاطات الجماعية تحت إشراف معلمين ومدربين يتولون توجيه الأطفال خلال ممارستهم للنشاطات البدنية المكثفة العالية التنظيم، ولا يسمح للطفل «التوحدي» بالانسحاب من النشاط للتقوقـع في عالمـه الخاص، وهـذا النشاط أعطى نتائـج إيجابيـة ـ حسب الملا ـ في ما يتعلق بتمكين أطفال التوحّد من المشاركـة والتفاعل في النشاطات الاجتماعية.

وحول كيفية التعامل مع الطفل المصاب بمرض التوحّد، قالت مديرة مركز دبي لتطوير نمو الطفل: «يواجه التوحدي صعوبة في إيصال أفكاره ورغباته إلى من يحيط به، ويحاول التواصل مع من حوله لكنه غالباً يفشل، لأنه لا يجيد استعمال اللغة التي يملكها بشكل مناسب، وفي الوقت نفسه غالباً ما يفشل في استعمال بدائل اللغة مثل حركات الجسم وتعابير الوجه»، لافتة إلى ذلك يؤدي إلى إحباط التوحدي، ويزيد من ميوله إلى العزلة، ويؤدي أيضاً إلى تفاقم السلوك غير المقبول لديه وكذلك نوبات الغضب، فقد يلجأ إلى إيذاء الآخرين أو إيذاء نفسه فتجده يشد شعره أو يضرب رأسه بالحائط أو يعض نفسه.

ونبّهت إلى أن المعرفة الجيدة بطبيعة المرض، توضح للأهل والمجتمع المحيط بالطفل سبب تصرفاته، ما يسهّل التعامل معه بأسلوب علمي مدروس يخفف أعراض المرض وشدته، ويخلق بيئة مناسبة لاكتساب المهارات اللغوية وكيفية التواصل، وتجنب السلوك غير المرغوب قدر الإمكان، الأمر الذي يهيئه للدخول إلى المجتمع والتعامل معه بشكل أفضل.

الأكثر مشاركة