يخفّض نسبة هرمون «الكورتيزول»

صوت الأم.. مهدئ طبيعي للتوتّر

صوت الأم طريقة مثالية وسريعة لتحسين المزاج. غيتي

لطالما ارتبطت كلمة الأم بالحنان والعطاء، وكان القليل من كلماتها التشجيعية، أو تربيتها على رأس ابنها مهما كبر سنه، هي أعظم الهبات التي يحتاج إليها للمضي في حياته بمختلف تعقيداتها، إلا أن هذه المشاعر التي يكنها الأفراد لأمهاتهم ليست فقط عواطف يحركها حب الأم، بل مجموعة من التفاعلات الكيميائية في الدماغ تجعل اتصالات بسيطة من الأم، طريقة سريعة لتهدئة الأعصاب المتوترة، عبر إفراز هرمون قوي مهدئ للتوتر، بحسب دراسات أميركية.

وقامت العالمة في علم الإنسان الحيوي في جامعة ويسكونسون ماديسون ليزلي شيلتزر، باختبار مجموعة من المتطوعين بين عمر السابعة وحتى 12 عاما من الفتيات، اللاتي يعانين مشكلات في المخاطبة العامة، وفي مادة الرياضيات، وهو الاختبار الذي تم أمام مجموعة من الأشخاص الغرباء، ما أعان على رفع مستوى التوتر لدى الفتيات، بسبب ارتفـاع هرمون الكورتيزول المرتبط بالتوتر، حيث بين البروفيسور في علم النفس ومختبر مشاعر الأطفال في الجامعة سيث بولكا، أن مواجهة اختبار وتحد مثل هذا يضع الشخص أمام التقييم المفتوح، يمكن أن يرفع مستويات التوتر لدى الكثير من الناس.

بعد رفع مستويات التوتر لدى الفتيات، قسمت المجموعة إلى ثلاثة أقسام، حظيت فتيات المجموعة الأولى بتشجيع الأمهات، وتحديدا عبر معانقتهن، ووضع اليد حول الكتف، وتلك السلوكيات التي تنم عن الحنان، بينما عرض فيلم تسجيلي محايد المشاعر للمجموعة الثانية، وأعطيت المجموعة الثالثة من الفتيات الهاتف، حيث كانت أمهاتهن على الخط الثاني منه كنوع من التشجيع، وكانت النتائج بحسب الخبراء مثيرة.

تفاعل

وقالت شيلتزر إن «الفتيات اللاتي تفاعلن مع أمهاتهن مباشرة، أفرزن الهرمون ذاته الذي أفرزته الفتيات اللاتي تحدثن مع أمهاتهن عبر الهاتف»، إذ ارتفع هرمون الـ«أوكسيتوسين» الذي غالبا ما يعرف باسم «هرمون الحب» لدى المجموعتين عند اللاتي تفاعلن مع أمهاتهن بشكل كبير جدا، وهو الهرمون المعروف ارتباطه بالتواصل العاطفي، وبقدرته على التخلص من هرمون «الكورتيزول» المرتبط بالتوتر، وأوضحت، أن إفراز «هرمون الحب» غالبا ما كان يعرف بارتباطه بالتواصل العاطفي المباشر والحي بين شخصين والاتصال الجسدي، إلا أنه من الواضح الآن عبر هذه النتائج أن صوت الأم يمكن أن يكون له التأثير نفسه في الحالة النفسية السيئة للابن مثل العناق، حتى وإن لم تكن الأم موجودة أمامه.

وأشار بولكا إلى أن تأثير هرمون الحب قد يستمر فترة طويلة، تتعدى مرحلة التقييم المثير للتوتر، ففي الوقت الذي قد يصل الطفل فيه إلى المنزل بعد اليوم المدرسي، من المحتمل أنه لايزال مستمتعا بمزايا تلك العواطف الأمومية التي قدمت له في وقت سابق، حيث بقيت مستويات هرمون التوتر منخفضة لوقت طويل بحسب الدراسة التي نشرت نتائج في دورية «بروسيدينغ أو ذي رويال سوسايتي بي»، مع نظرية أخرى تشرح كيف يمكن لحالات التوتر أن تتفاوت بين الرجال والنساء، حيث يميل الرجال إلى النزاع والهرب عند مواجهة تهديد ما، بينما قد تبحث الأمهات، أو الحوامل عن خيارات أخرى لخفض توترهن «حيث يصعب على الأم الهرب أو المقاومة عندما تكون مع أطفالها أو عندما تكون حاملا»، بحسب شيلتزر، ويمكن للتواصل الاجتماعي أن يكون الحل المنطقي للأم في موقف مثير للتوتر، سواء عبر التهدئة أو التواصل الفيزيائي عبر اللمسة، فمن الواضح أن هرمون الأكسيتوسين، يقلل من التوتر لدى النساء، بعد الاتصال الصوتي والجسدي، والذي يمكن أن يعزز التواصل بين الأفراد.

أمر مثير

وقال بولكا إنه «لسنوات طويلة، كنت أشاهد طلابي يخرجون هواتفهم المتحركة للاتصال بذويهم، وهي أول حركة يقومون بها بعد الانتهاء من امتحاناتهم، وكنت دائما أتساءل كيف يمكن لهؤلاء الآباء المهتمين بأبنائهم بشكل مبالغ، والذين قد يبعدون آلاف الأميال عن أبنائهم في تلك اللحظة أن يكونوا قادرين على تشجيع أبنائهم أو تحسين حالات التوتر لديهم، إلا أنني الآن أيقنت أنها طريقة مثالية وسريعة لتحسين المزاج»، مشيرا إلى أن رفع مستويات هرمون التوتر في الجسم أمر صعب، كما أن رفع مستويات هرمون الحب في الجسم صعب أيضا، ما يعني أن الحصول على هذا الهرمون المهدئ عبر اتصال هاتفي بسيط، هو أمر مثير حقا.

وقام الخبراء في الجامعة بتطوير طريقة لقياس مستويات هرمون الأكسيتوسين دون الاضطرار إلى رفع التوتر بشكل كبير على المتطوعين، كما استكملت شيلتزر الدراسة عبر تقييم تأثير طرق أخرى للتواصل ومدى إيقاظها لهرمون الحب، مثل الرسائل النصية القصيرة، مشيرة إلى أن الأمر «لا يرتبط بنا نحن البشر فقط، هناك الكثير من الكائنات الحية التي تتواصل صوتيا، فمن جهة نحن مهتمون بمعرفة مدى تأثير الأمر فينا نحن البشر، ومن جهة أخرى نحن نتمنى من الباحثين الذين يدرسون تأثيرات التواصل الصوتي، أن يأخذوا إطلاق هرمون الأكسيتوسين وتأثيراته في الاعتبار لدى المخلوقات الأخرى، ورؤية التأثير بنظرة أوسع وأشمل».

تويتر