غنثر نيومان.. رحلة نجاح حولته من طبيب إلى صاحب شركة عالمية. تصوير: دينيس مالاري

نيومان: الحياة في دبي تُعاش أكــثر من مرّة

كل ما احتاج إليه طبيب الأسنان الألماني غنثر نيومان هو زيارة واحدة إلى دبي في العام ،2001 ولمدة أسبوع فقط، كي يقرر الانتقال إليها وبدء حياته العملية فيها، بعد سنوات عدة من الدراسة بين بلده الأم ألمانيا، وأميركا، وفرنسا، فكان قراراً حاسماً لم يخضع لوطأة قيظ أغسطس، حيث زار الإمارة سائحاً، ويقول «كانت دبي خياراً حتمياً، فالمرء يمكن أن يعيش حيوات عدة عندما يكون في دبي، بل ان الحياة الواحدة في دبي تعاش أكثر من مرة، فالحياة ليست عملاً فقط، رغم التحديات الكثيرة والمنافسة، وهذا ما يجعل دبي مدينة رائعة، ولكن مع استمرار اليوم، يجد المرء نفسه أمام خيارات رائعة من الترفيه والأنشطة المختلفة، تتفاوت بين متعة التزلج على الجليد صباحاً والاستمتاع بدفء أمواج البحر في المساء ذاته»، مبيناً أنه «من الرائع جدا اكتشاف ما يمكن للمرء أن يقوم به في اليوم الواحد». من هناك بدأت رحلة نجاح استطاعت أن تحول طبيب أسنان شاباً بدأ من الصفر، إلى صاحب شركة بدأت أخيراً التوسع داخل الدولة عبر فروع عدة، والتحول إلى شركة عالمية خلال 10 سنوات فقط.

وقد كان كل ما احتاج إليه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، نظرة واحدة، ومحادثة بسيطة في أحد مصاعد أبراج الإمارات، حيث افتتح نيومان أولى عياداته، ليتمكن القائد من التعرف إلى تلك النظرة العطشى للنجاح في عيني الطبيب الألماني، فما كان من سموه سوى أن يذكره في كتابه «رؤيتي» الذي صدر في يونيو 2006 بفقرة واحدة استطاعت أن تختصر بداية انطلاقة نيومان في دبي، ذلك الطبيب الذي لا يعرف من العربية سوى كلمات بسيطة، لم يتوقع أن تجربته يمكن أن تعلق في ذهن، أو أن تذكر في كتاب إلا بعد أن أخبره صديق إماراتي بذلك، والآن يزين الكتاب إحدى زوايا مكتبه، رغم عدم قدرته على قراءته، لكنه يعلق «لا يمكنني سوى أن أشعر بالفخر الشديد لكوني مذكوراً في هذا الكتاب التاريخي».

قد تكون إنجازات طبيب الأسنان الألماني الشاب مدهشة جداً لجهة الفترة الزمنية التي تحققت فيها، وقد يكون هذا سبب ارتباطه الشديد بإمارة أحبها، ووجد فيها ما يشبه روحه من شباب وطموح وأحلام تعانق السماء، فبين عمله طبيباً يتعامل مباشرة ويوميا مع مرضاه، وبين إدارته العمل، يستطيع نيومان أن يقسم ساعات يومه بين الرياضة القاسية عبر ساعات من الجري، تحضيراً للمشاركة في ماراثون نيويورك، وبين تعلم اللغة اليابانية، وهي آخر هواياته العديدة، التي بدأت بتعلم قيادة الطائرات والحصول على رخصة قيادتها، وتعلم رياضة الهوكي، وتعلم ركوب الخيل، «كل ما علينا القيام به هو التخطيط الصارم والمنظم لساعات اليوم، عبر برنامج واضح يوازن بين النوم والرياضة والعمل، وانتهاء بمراجعة يومية لما أنجز خلال اليوم».

من كتاب «رؤيتي»

 

قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في كتابه «رؤيتي» عن الطبيب الألماني غنثر نيومان: «كثيرون زاروا دبي ثم عادوا إليها واستقروا- الآلاف- ولكل منهم قصة. أحدهم طبيب أسنان ألماني درس في هارفارد وكان يحاضر في جامعة برلين ثم جاء إلى دبي سائحا فأعجبته الحياة فيها فعاد إليها واستقر. متى جاءها سائحا؟ في أغسطس! تصوروا! في أغسطس. وماذا ترك وراءه؟ ألمانيا وجامعة برلين».

زيارة الطبيب

خلافاً لكل الأطفال في عمره، كانت زيارة طبيب الأسنان بالنسبة لنيومان هي رحلة عائلية مسلية وممتعة، يتشوق للقيام بها، بينما يجد الآخرون في زيارات طبيب الأسنان ذكرى مروعة عن الطفولة، جعلت من طبيب الأسنان شخصية غير محببة في صورة نمطية رسمته بشكل قاس، إلا أن الأمر كان معاكساً مع نيومان، «كنت أجد في مهنة طبيب الأسنان منذ الطفولة أمرا مشوقا ومسليا، رغم أنني لم أعان يوما من مشكلات في أسناني، إلا أن مراجعة والدي لطبيب الأسنان كانت واحدة من ذكرياتي المفضلة، وسببا في اختياري هذا المجال لاحقا»، مشيراً إلى أنه كان شغوفاً بمراقبة ما كان يقوم به الطبيب خلال جلسته مع والده، «كنت أحب ذلك جدا، لقد كان أمرا ممتعا، فقد كان هناك الكثير من الأجهزة التقنية والأدوات والأصوات التي يستخدمها الطبيب، والتي كانت تبهرني بقدرته على التعامل معها، كنت أراقب وظيفة كل أداة، وكنت أجد أنها أمور جميلة ومثيرة للفضول»، ومن هنا كان اختياره لأن يكون طبيبا للأسنان قرارا شخصيا مبنيا على شغفه بها، «وعلى الرغم من أن المهن في عائلتي تميل أغلبها إلى المهن العلمية، بين هندسة وأبحاث، إلا أنني الطبيب الأول في العائلة».

حب دبي

بعد تخرج نيومان طبيباً للأسنان في ألمانيا وهو لايزال في الـ24 من عمره، وهو عمر يعد صغيرا لهذه المهنة هناك، بدأ بدراسة طب الأسنان التجميلي وتقويم الأسنان لمدة ثلاث سنوات أخرى في جامعة هارفارد في ولاية بوسطن الأميركية، وهي الفترة ذاتها التي استطاع خلالها أن يكمل دراسته للدكتوراه في هذا المجال، ليحصل نيومان على الدكتوراه وهو لايزال في الـ28 من عمره، إلا أن الأمر لم يكن كافيا له، حيث قرر الالتحاق بأحد البرامج النادرة في تركيب التقويم الداخلي غير المرئي للأسنان في باريس لمدة عام كامل، «في ذلك الوقت كان الأمر نادرا جدا، وكنت سعيدا عندما تم قبولي لأن البرنامج لم يكن متاحا للجميع»، وفور تخرجه، كانت تلك الزيارة الخاطفة للسائح نيومان إلى دبي، والتي استطاعت أن تأسره مباشرة، وجعلته خلال ذلك الأسبوع، يبدأ بزيارة الجهات الطبية المعنية للتعرف إلى إمكانية افتتاح عيادته الخاصة هنا.

«لقد كان الأمر قدراً بالنسبة لي، فشعرت بمجرد وصولي إلى دبي، بأنني في مكاني المثالي، إنه المكان الذي أريد أن أنطلق منه وأبدأ حياتي»، وخلال أيام معدودة فقط، ودون انتظار لدراسة الفكرة، قام بزيارة دائرة الصحة في دبي، والاستفسار عن الإجراءات المتبعة وكيفية افتتاح عيادة في دبي، «وكان حدسي في محله، حيث كانت جميع الإجراءات ميسرة وسهلة المنال، وكان الجميع متعاونا ومرحبا بشكل لا يجعل للتردد مكاناً في داخلي، واستطعت خلال شهر واحد فقط أن أحول الفكرة إلى واقع، ومنذ ذلك الحين وأنا سعيد جدا».

مواظبة

ويرى نيومان أن أهم ما يعين المرء على النجاح والاستمرار في حياته المهنية هو المواظبة على التعلم وملاحقة التطور، «لطالما كنت مواظباً على الدراسة وشغوفاً بها، فلم تكن فترات الراحة تعني لي الكثير، بل على العكس، كانت فرصة لي للبحث والانضمام إلى المزيد من الدورات والبرامج المختلفة زيارة العيادات للمراقبة النظرية لتعلم المزيد والنهل من عالم لا ينضب من المعلومات والتخصص»، مبيناً أنه «إذا أراد المرء أن يتصفح سيرتي المهنية، سيجد أنني وعلى مدى عقدين من الزمان وابتداء بتخصصي في عالم طب الأسنان، لم أترك فترة واحدة للراحة»، مؤكدا أن الحرص على النجاح والتطوير والتعلم المستمر، ليس وظيفة تأخذ من المرء ساعات محددة من يومه، بل هو أسلوب حياة كامل، مبني على حب ما يقوم به الإنسان، وهذا هو سر النجاح، أن يكون الهدف هو النجاح والتعلم المستمر، وليس أن يكون النجاح وسيلة لأهداف أخرى. ويحرص نيومان من خلال عمله في طب الأسنان على أن يكسر الصورة النمطية لطبيب الأسنان وأن يحول تجربة زيارة عيادته إلى فكرة ممتعة غير مثيرة للاستياء أو الألم، «وذلك من خلال حرصي على أن أكون وجميع فريق العمل من أطباء وموظفين قادرين على خلق الأجواء المريحة لزورانا بالقدر الكافي، خصوصاً أننا نواجه مهنة تعتبر غير محببة، وتحويلها إلى العكس تماماً هو تحد كبير»، هي تلك الروح المحببة والمرحبة بالمريض، والأجواء البعيدة تماماً عن الصورة النمطية لطبيب الأسنان الحامل للأدوات الحادة والمخيفة، «ما يجعل من عملنا أمرا ناجحا، منذ 10 سنوات حتى الآن، هناك علاقة جيدة مع مرضانا مبنية على الثقة، وعلى التواصل المستمر مع المريض والشرح والتوضيح، والراحة في التعامل».

إدارة الأعمال

رغم شغفه الشديد بطب الأسنان، إلا أن الأمر لم يكن كافيا لنيومان الذي أراد أن يأخذ مهنته إلى مستوى آخر من التطوير والنجاح، من خلال عودته إلى دراسة إدارة الأعمال في جامعة هارفارد الأميركية في عام ،2005 «لقد أردت أن أطور مجالي، وتحويل علمي وما أحمله من شهادات إلى مهنة ووظيفة للانطلاق بالطريقة الصحيحة، في تلك الفترة نقلت عيادتي من أبراج الإمارات إلى المدينة الطبية»، فمع انطلاق فكرة الاستثمار في المناطق الحرة في دبي، «كان من المنطقي استغلال تلك الفرص التي تقدمها الحكومة لتسهيل الاستثمار داخل الإمارة».

ويشير نيومان إلى أن أكثر ما يميز دبي هو «قدرتها على توفير كل أنواع الخدمات التي يمكن أن تخطر ببال المرء، إضافة إلى أنها تقدم بشكلها المثالي، فالتعليم لا يتوافر في دبي، بل يتوافر أفضل أنواعه، والترفيه لا يتوافر في دبي، بل أفضل أنواعه، وكذلك الرياضات، والبرامج، والمعارض، والدورات»، مضيفاً أن واحدة من أساسيات عمل الطبيب هي التعليم المستمر، وتطوير المهارات بالتقنيات الجديدة، «وهذا ما توفره المعارض والمؤتمرات العديدة التي غالبا ما تنظم في المركز التجاري في دبي، ما يجعل من الإمارة المكان الأفضل للاستقرار، والتطور مهنياً».

الأكثر مشاركة