الاكتشاف سيؤثر في مسيرة البشرية

عـلـمـاء يـنـتجـون أول خلية اصطناعيــة حيّة

المنتج الجديد لقي ترحيباً من علماء مختصين. غيتي

نجح، فريق من العلماء الأميركيين أخيراً في انتاج أول خلية اصطناعية حية في العالم، بتطوير «برمجية جينية» في خلية جرثومية، ومن ثم زرعها في خلية مضيفة، الامر الذي يعد فتحاً علمياً جديداً، ستكون له آثاره الكبيرة في البشرية ومسيرتها. وقال فريق الباحثين من «معهد جي سي في اي» في ولاية كاليفورنيا إن «الميكروب الحي الناجم عن الزراعة الخلوية الجديدة تصرف كأنواع الكائنات التي تسير بموجب الحمض النووي (دي إن أي) الاصطناعي».

ولقي المنتج الجديد، والذي نُشرت نتائج البحث المتعلقة به في مجلة «ساينس» المتخصصة، ترحيباً من العلماء المختصين الذين اعتبروه انجازاً علمياً يشكل علامة فارقة في تاريخ علم دراسة الخلية وعلوم الأحياء، إلا أن منتقدي التجارب والنتائج التي تمخضت عنها، يقولون إن هناك أخطاراً تشكلها الكائنات الاصطناعية التي تم إنتاجها على أيدي فريق الباحثين بقيادة الدكتور كريغ فينتر.

ويأمل العلماء في التمكن من تصميم خلايا بكتيرية تساعد على إنتاج أدوية ووقود، وتقوم بامتصاص الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وكان البروفيسور فينتر واعضاء فريقه تمكنوا من قبل من تحضير وانتاج جينوم بكتيري، وزراعة إحدى الخلايا الميكروبية في خلية أخرى.

أما في التجربة الأخيرة فاستخدم العلماء كلتا الطريقتين معاً لإنتاج «الخلية الاصطناعية»، رغم أن جينوم الخلية الجديدة هو اصطناعي ايضاً. وبعد ذلك قام فينتر وفريقه بربط المنتج الذي توصلوا إليه ليتمكنوا من تصميم برمجة جديدة للخلية التي يعملون على إنتاجها.

ونسخ العلماء أيضاً الجينوم البكتيري الراهن، ثم ربطوا شفرته بشكل متسلسل، وانتجوا نسخة جديدة بطريقة كيميائية. لتكون هذه هي المرة الأولى التي تتم بها السيطرة الكاملة على الخلية من خلال حمض نووي اصطناعي. وقامت البكتيريا الجديدة بالتوالد والتكاثر مليار مرة، منتجة بذلك نسخاً جرى احتواؤها والتحكم بها من قبل الحمض النووي الاصطناعي.

http://media.emaratalyoum.com/inline-images/249180.jpgكريغ فينتر

ولد كريغ فينتر في أكتوبر 1946 في مدينة سولت ليك بولاية يوتاه الأميركية، ولم يكن مجتهداً او نابغاً في سنوات دراسته ما قبل الجامعية،

وحصل على البكالوريوس في الكيمياء البيولوجية عام 1972 من كلية سان ماتيو في كاليفورنيا، ثم الدكتوراه في علم التشريح والصيدلة من جامعة كاليفورنيا في سان دييغو، واصبح استاذاً متفرغاً في جامعة نيويورك ستيت يونيفيرسيتي في مدينة بافالو، وانضم الى المعهد القومي للصحة «إن إتش آي» في بافالو، ويرأس حالياً «معهد كريغ فينتر»، وأنجز العديد من الدراسات والابحاث الجينية حتى اصبح بحق رائد علوم الجينوم والحمض النووي.

كائنات اصطناعية

قال فينتر «أصبح الآن بمقدورنا زرع الكروموسوم الاصطناعي داخل خلية، وحالما يتم إدخال البرنامج الجديد في الخلية، فإنها تقوم بقراءته وتحويله إلى كائنات محددة في تلك الشفرة الوراثية نفسها، وأظن ان ما يحدث قد يكون ثورة صناعية جديدة ». وأضاف أنه اصبح بمقدور العلماء الحصول على خلايا تقوم بإنتاج ما يريدونه، وقد تساعدهم على الإقلاع عن استخدام النفط، وفي إصلاح الضرر الذي يلحق بالبيئة عبر التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون وتجميعه، غير أن المنتقدين للبحث الجديد يقولون إن الفوائد الممكنة والمرجوة من الكائنات الاصطناعية المنتجة مبالغ فيها.

قالت الدكتورة هيلين ووليس من مؤسسة «جينيتش ووتش يو كي» وهي منظمة بريطانية تعنى بمراقبة ورصد التطورات في مجال تقنيات الجينات «إن البكتيريا الاصطناعية قد تكون خطرة، وإن أنت أطلقت كائنات حية جديدة في البيئة، فيمكن أن تتسبب بالضرر أكثر مما قد تجلب من فوائد، وبإطلاقك الكائنات الحية الجديدة في مناطق التلوث بغرض تنظيفها فأنت في الواقع تطلق نوعاً جديداً من التلوث لأنك لا تدري كيف تتصرف تلك الكائنات في البيئة». واتهمت ووليس العالم فينتر بالتقليل من المخاطر والعيوب التي قد تخلفها الكائنات التي يعكف اعضاء فريقه على إنتاجها.

مخاوف أخلاقية

وذكرت صحيفة الإندبندنت البريطانية ان نتائج دراسة فينتر وفريقه على مستقبل البشرية ستكون هائلة ويصعب تخيلها وتنبئ ببوادر ثورة في مجال التكنولوجيا الحيوية (البيو تكنولوجي)، إذ تفتح الباب للعلماء لتصنيع اشكال جديدة من الحياة التي يمكن برمجتها جينياً لتأدية وظائف محددة، كإنتاج وقود خالٍ من الكربون او انتاج لقاحات او اشكال جديدة من الاطعمة والمياه النظيفة، فهي باختصار قفزة عملاقة في العلم لها تأثيرها الكبير في مستقبل البشرية. لكن الصحيفة تستدرك بالتنبيه الى أن الدراسة تثير مخاوف اخلاقية بشأن امكانية وقوعها بأيد مارقة او خاطئة ليتم ستخدامها في صنع اسلحة بيولوجية ومجالات محرمة. وتسرد ما قدمه رائد دراسات الجينوم (الخريطة الوراثية) فينتر من شرح لكشفه العلمي حيث يقول إنها «المرة الاولى التي يتمكن فيها الانسان من بناء ما مجموعه 1.08 مليون قاعدة من ازواج الكروموسومات وتوزيعها في خلية مضيفة، حيث يمكن للكروموسوم الجديد ان يستولي على هذه الخلية ويتحكم بها ويحولها الى نوع جديد يحدد بخصائص الكروموسوم الجديد، والمرة الأولى التي يحصل فيها العلماء على خلية يتحكم فيها كاملةً كروموسوم اصطناعي».

ويضيف «لا نعتبر ذلك خلقاً للحياة من العدم، بل نحن نخلّق حياة جديدة من حياة موجودة باستخدام حمض نووي (دي إن أي) اصطناعي لبرمجة الخلية لتكوين خلايا جديدة يحددها الحمض النووي الاصطناعي، ونعرف ذلك بالحياة الاصطناعية محددة كلياً بواسطة كروموسوم اصطناعي. نحن بدأنا بخلية حية لكن الكروموسوم الاصطناعي حوّل الخلية الحية كلياً الى نوع جديد من الخلية الاصطناعية.

ويوضح «لا نعتبر ذلك - خلقاً للحياة من العدم - بل نحن نخلّق حياة جديدة من حياة موجودة باستخدام حمض نووي (دي إن أي) اصطناعي لبرمجة الخلية لتكوين خلايا جديدة يحددها الحمض النووي الاصطناعي».

ومن جانبها تقول «الغارديان» إن هذا الكشف العلمي الذي عمل فيه 20 عالماً لأكثر من 10 سنوات وكلف قرابة 40 مليون دولار يمهد الطريق امام تصميم كائنات حية من خلال بناء تكوينها الجيني من الصفر. وانه - وطبقاً لما يقوله العالم فينتر - يمكن استخدام اشكال الحياة الجديدة لفائدة البشرية بدءاً من البكتيريا التي تنتج وقوداً حيوياً او تلك التي تمــتص ثاني أكسيد الكربون من الفـــضاء الى تصنيع اللقاحات.

وتشير الى أن المعارضين لمثل هذا النوع من التجارب كالجماعات الدينية حذروا من ان الكائنات الاصطناعية هذه قد تتسرب الى الطبيعة، وتتسبب في خراب بيئي او قد تستخدم في صنع اسلحة بيولوجية، والى التجارب التي اشتمل عليها بحث فريق فينتر تفتح الحدود امام قابلية الانسان للتلاعب في العالم الطبيعي.

 

تويتر