التماهي يحسن مستوى مهارات الطفل ويكشف هواياته. أرشيفية

أطفــال يلعبون أدوار الكبار

يعتبر التقليد الوسيلة الأولى التي يتعلم من خلالها الطفل المهارات في سنواته الأولى، إذ يبدأ كل الأطفال منذ صغرهم تقليد كل ما يرونه في محيطهم للتعلم. وما إن يكبروا حتى يأخذ التقليد أو التماهي لدى الأطفال منحى مختلفاً، إذ يتجهون إلى تقليد آبائهم وأمهاتهم والمقربين منهم. ويمارس الأطفال أثناء لعبهم الكثير من المهن أو حتى الأدوار الاجتماعية التي يختارها بعضهم تأثرا بصاحب المهنة أو بما يشاهدونه في التلفزيون، وفي احيان أخرى قد يختار بعض الأطفال مهناً معينة بسبب هوايات تبرز مهارات فعلية موجودة لديهم، وعلى الاهل ان يتنبهوا الى تنميتها وصقلها.

ترى السعودية أم ريان، أن «الأطفال لا يقلدون الأمهات والآباء ومهنهم بشكل دائم، بل على العكس هناك بعض مناطق الألعاب المتوافرة في العالم العربي التي تمنح الطفل خيار تقليد مهن كثيرة ومتعددة، وشخصياً لاحظت أن ابنتي حين تلعب تحاول أن تلعب دور الطباخة، فتطبخ وتقدم الطعام، ربما لأنها ترى متعة في هذه المهنة». ولفتت الى أنه من الضروري أن يعرف الأهل ميول أطفالهم، ليتمكنوا من صقلها في المستقبل، فشخصية الطفل تتكون وتنمو من خلال ميوله وعالمه المستقل وهواياته الخاصة.

من جهتها، أوضحت الأردنية فاتن وليد، أن ابنها في المنزل يحاول تقليد دورها وأعمالها المنزلية، لافتة الى أنها تلاحظ أن الطفل يقلد ما يراه أمام عينيه، ولهذا أعتقد أن تقليد مهنة الأب لا تكون موجودة عند الكثير من الاطفال، لأنهم لا يرون آباءهم في العمل. وأكدت أن الأطفال يقلدون في سن صغيرة جداً، وقالت، «لاحظت أن ابني بدأ يقلد ما يراه حين كان عمره سنتين، كما أني لاحظت ان ابني الصغير بدأ يقلد أخوه الأكبر ويتأثر به».

قدرات

في المقابل، قالت الأردنية وسام وليد، إن «ابني الذي يبلغ خمس سنوات من العمر يقلد الاشياء التي يشاهدها في الكرتون، كما أنه قصد معي عيادة طب الاسنان ومنذ ذلك الوقت وهو يحاول تقليد هذه المهنة في البيت باستمرار». واعتبرت أنه من الضروري أن يقوم الأهل بتنمية بعض القدرات إن كانت واضحة ومهمة عند الطفل، وذلك لأنه ربما تصبح مهنته الحقيقية في المستقبل.

دوافع ومبرّرات

أكد الاستشاري في الطب النفسي الدكتور علي الحرجان، أن «الأدوار التي يمارسها الأطفال أو السلوكيات التي يقومون بها، لها مبررات ودوافع ترتبط بقدرات الطفل الذهنية والجسدية، فبعض المراكز العصبية يكون لديها مهارات متطورة، ويكون لديها رغبة في ممارسة الرسم مثلاً أو الاستماع للموسيقى، أو التعليم لأن هذا يرتبط بالدماغ بالدرجة الأولى». وأشار الى أن بعض الأطفال قد يكون لديهم تطور في مركز التكلم وبالتالي يكونون متميزين في حفظ اللغات المتعددة، في حين نجد فئة من الأولاد المتميزين في القيادة، فهذا ايضا مرتبط بالجهاز العصبي والجيني. واعتبر الحرجان أن البيئة التي يعيش فيها الطفل من الأمور المؤثرة جداً، فالطفل يكتسب من الأهل، فأحياناً يمارس الرياضة كأهله أو يعزف الموسيقى مثلهم. ولفت إلى أن التماهي مفيد ومهم، لأنه يشكل جزءاً أساسياً من التكوين الجسماني وتكوين شخصية الانسان، مؤكداً ضرورة منح الأطفال الفرصة كي يمارسوا المهن التي يحبونها، لأن هذا الأمر يمثل عملية إفراغ لما هو داخل الطفل، وبالتالي عليه أن يعطى الفرصة ليعبر عن مشاعره، ومن الضروري عدم منعه من لعب ما يحب.

وأوضح الحرجان أن هذا التماهي أثناء اللعب يوضح لنا مهارات الطفل، وقد يساعدنا على توجيه الطفل للرسم أو الموسيقى أو حتى الكتابة، وكذلك نسهم في تخفيف الضغط على الطفل، وتحسين مستوى قدراته.

أما السعودي عبدالسلام المفلحي، فقد رأى ان البنات يقلدن مهن الأم غالباً، بينما يلجأ الابن الى تقليد الأب، معتبراً أن توجيه الأطفال للمتابعة في الهوايات منذ الصغر أمر قد لا يجدي نفعاً أحياناً، لأن المهن التي يقلدونها لا يمكن أن تشير إلى ما يمكن أن ينتج عن الطفل الصغير في المستقبل. وأشار الى أن الأطفال يحبون ممارسة المهن فقط لحب التباهي. ويعارضه المواطن جمال خليفة الذي يؤكد أن أطفاله يقلدون معظم المهن التي تعرض في التلفزيون، ويطبقونها على ألعابهم، كما أنهم يغيرون طريقة التماهي وطريقة لعبهم مع تقدمهم في العمر. واعتبر خليفة أن كل مناطق الألعاب الموجودة في الإمارات والدول العربية ربحية غالباً، وليست تعليمية توجه الطفل وتعزز قدراته. وأضاف، «اصطحبت أولادي الى مناطق ألعاب عالمية في أوروبا، ولاحظت الفرق بينها وبين الموجودة في الدولة، إذ تعمل تلك المناطق على توجيه الطفل وتحسين مستوى ثقافته ومهاراته بشكل لافت، فتقدم المعلومات العلمية الوفيرة عن الكثير من الأمور التي يستخدمها الطفل في حياته اليومية».

اهتمام

العراقي نمير ياسين لفت إلى وجوب الاهتمام بما يحاول أن يقوم به الطفل في المنزل، وأشار الى أن ابنه بدأ منذ صغره يقلد ويقوم بلعب الكرة، كما اكتشفنا فيه موهبة الرسم منذ الصغر، وحين بلغ أربع سنوات أدخلته نادياً رياضياً، وهو اليوم يلعب مع فريق كرة القدم الناشئين في انجلترا. وأشار الى ان الابن غالباً ما يقلد والده مهنيا ورياضيا، بينما عاطفيا يرتبط بأمه. واعتبر أن العربي يحب أن يستكشف ولا يحب ان يعتمد على غيره في التعلم، وهذه نقطة إيجابية للطفل العربي الذي يجب أن يشجع في الصغر. بينما أكدت اللبنانية أم بسام أن ابنها الصغير الذي لم يتجاوز ثلاث سنوات، يقوم بممارسة بعض الاعمال التي ربما يكون لها علاقة بالهندسة الالكترونية، فغالباً ما يحاول تصليح الآلات التي تستخدم في المنزل، مشيرة الى أن هذه المهنة لا ترتبط بمهنة والده أو أحد أقاربه، بل ربما لأنها هواية لديه منذ الصغر، وعلينا الاهتمام بها حتى يكبر ويبرع فيها.

الأكثر مشاركة