أديب سليمان يحلم بأن يمتلك مختبراً خاصاً ليواصل تطبيق تجاربه. تصوير: دينيس مالاري

أديب.. يحلم بأن يصبـح عالماً

أديب سليمان، تلميذ إماراتي في الصف الثاني الابتدائي في مدرسة القيم النموذجية في دبي، يبلغ السابعة من عمره، ويلقب بـ«العالِم الصغير»، فهو موهوب بإجراء تجارب علمية. وحاز شهادات تقدير وجوائز عدة، من بينها جائزة حمدان بن راشد آل مكتوم للأداء التعليمي المتميز، في فئة «الطالب المميز»، عن تجربته العلمية «الفقاعة المائية». كما حصل على المركز الأول على مستوى الدولة في مسابقة «ملتقى اللغة الإنجليزية».

ويتمنى الطفل أديب أن يحظى بلقاء سمو الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، رئيس المجلس التنفيذي، وأن يطلع سموه على مكتبته العلمية المتواضعة في منزله، واختراعاته الصغيرة. ويؤكد أنه يحلم بأن يغدو عالماً يخدم وطنه الإمارات، ويكتشف مزيداً من كنوز الأرض.

ونتيجة لعدم توافر القدرة المالية الكافية لدى عائلته، وإعاقة والده الذي يمشي على قدم اصطناعية، يتمنى أديب أن يكون لديه مختبر صغير ليواصل تطبيق تجاربه. ويقول «أسكن في منزل صغير، وتشاركني غرفة نومي شقيقتي، لكنني أحتاج إلى مساحة خاصة بي. فأنا أريد أن أصبح عالماً إماراتياً يقدم لبلده كل الخير».

ويضيف عن علاقته بأقرانه، بلغة الكبار «أحبهم، لكنني أشعر بأنهم يهتمون بأشياء لا أهتم بها، فهم يحبون التزحلق وأنا أيضاً، لكنني أجب البحث أيضاً عن آلية التزحلق. وهم يحبون الدراجات، إلا أنني أحب معرفة المواد التي تصنع منها الدراجات كي أصنعها بنفسي، وهم يحبون اللعب باستمرار، وأنا أحب التأمل بالكون ومعرفة ما يدور حوله».

استثمار المستقبل

الاهتمام المبكر بالأطفال الموهوبين يعود على مجتمعهم بكثير من الفوائد، إذ إنهم استثمار للمستقبل. وتنبه إلى ضرورة توافق عملية التعليم مع قدرات الطفل عدد من عظماء القادة والمفكرين، فبعد أن ألحّ أفلاطون على ضرورة عزل الأطفال الموهوبين وتنشئتهم في أجواء خاصة، تم تطبيق هذه النظرية مرات عدة على أرض الواقع.

ويذكر التاريخ تجربة السلطان العثماني محمد الفاتح، الذي استفاد جيداً من تجربته الخاصة، وحظي باهتمام بالغ منذ نعومة أظفاره بتوجيهات من والده، ما ساعده على إطلاق مواهبه التي تنوعت بين إتقان اللغات والشعر والخط العربي، وبين القدرات القيادية والعسكرية التي وضعت اسمه في سجل عظماء التاريخ الإنساني. أنشأ السلطان مدرسة خاصة بالأطفال المتميزين، نجحت بإمداد الدولة العثمانية بكفاءات إدارية عالية، كان لها دور مهم في نهضة البلاد إبان القرنين الـ15 والـ.16

ويميز العالم غيلفورد بين أنواع أربعة للذكاء، أضيفت إليها أربعة أنواع أخرى في ما بعد، وهي: الذكاء اللغوي، الحسي- الحركي، المنطقي - الرياضي، التفاعلي- القيادي، الذاتي- التأملي، البصري- الهندسي، الحيوي- الطبيعي، وأخيراً الموسيقي، وكلها استعدادات نحو التميز إذا ما رصدت منذ الصغر، من خلال مقاييس دقيقة للكشف عنها، وبرامج لتطويرها.

أديب عاشق الرياضيات والعلوم الذي يعيش مع أسرته في بيت متواضع، يقول «أريد أن أصبح مثل الطفل الأميركي فيلو الذي كان يحب الاختراعات، ويجري اختبارات عديدة، حتى نجح في اختراع أول صورة تلفزيوينة أدت إلى اختراع جهاز التلفزيون الموجود حالياً في كل بيت وكان هذا في عام 1927».

والد أديب الذي يعاني الإعاقة، يضطر إلى الذهاب يومياً إلى العاصمة أبوظبي، للعمل، ثم العودة إلى دبي. كما أن والدته تركت عملها في أحد البنوك المحلية، للتفرغ لرعاية ابنها وتشجيعه على الابتكار، بناء على توصية مدرساته ومديرته في المدرسة. وتقول والدته «لدى سليمان أخت واحدة تشاركه غرفة النوم، ما يؤثر كثيراً في مخيلته»، موضحة أن زوجها بعدما ترك عمله الأول في بنك محلي، لم يوفق في الحصول عن عمل حر ليوفر للعائلة متطلباتها، ولأديب كل ما يحتاجه من مواد لمواصلة هوايته».

وحول كيفية اكتشاف تميز ابنها، تقول والدته التي تنوي زيارة جمعية رعاية الموهوبين لتسهم في رعايته وتوجيهه، «على الرغم من صعوبة اكتشاف الطفل الموهوب عندما يكون قابعاً في جو اعتيادي ولا يحظى برعاية خاصة، إلا أن التربوي المحترف لابد أن يكون قادراً على ملاحظة جوانب التميز لدى الطفل»،موضحة أن مديرة روضته، عندما كان في الرابعة من عمره، آنذاك، لفتت انتباهها إلى تميز طفلها، «استدعتني مديرة الروضة، مؤكدة لي ان أديب يتمتع بقدرات علمية تفوق سنّه بكثير». وعبرت المديرة عن دهشتها من قدرة أديب على تعلم اللغة الإنجليزية بسرعة، وعشقه الحساب وكل ما له علاقة بالعلوم.

وتضيف «عدت إلى المنزل، وناقشت الأمر مع زوجي، واتفقنا على أن أقدم استقالتي من عملي من أجل التفرغ لرعاية أديب»، مشيرة إلى انها تابعت من خلال وسائل الإنترنت مميزات الطفل الموهوب كي تبدأ مراقبتها لدى طفلها، ووجدت ان سرعة تعلم اللغات والقراءة والمهارات اليدوية وسرعة إجراء العمليات الحسابية وغيرها من القدرات التي تدل على جانب معين من جوانب الإبداع، وهي مؤشر لتميز الطفل، وقد وجدتها بالفعل لدى طفلها أديب.

وتبين أم أديب أنه عندما يخرجون للتنزه، يذهب أديب إلى ركن وحده ويمشي، لكنه يعود مسرعاً طالباً الرجوع إلى المنزل كي يفتح جهاز كمبيوتره ويبحث عن شيء لفت انتباهه. وتضيف «نحاول أن يعيش أديب عمره، وبمساعدة مدرسته أيضاً، لكن في ما بعد سنفكر في الخطوة المقبلة».

أديب الذي يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة ويتابع المسلسلات الكرتونية بالإنجليزية، ويقرأ كتباً علمية بالإنجليزية، يقتسم غرفة مع أخته الصغرى، لكنه احتل مساحة، في زاوية منها صور لحكام الإمارات وأولياء العهود، وفي جانب آخر يضع جهاز الكمبيوتر ومكتبته العلمية.

يقول أبو أديب «على الرغم من صغر سن ابني، إلا أنه مولع في العلوم ومتابعة القنوات العلمية، خصوصاً قناة (أبوظبي جيوغرافيك)»، موضحاً أن الألعاب التي يلهو بها أطفال في سنّه تشكل له تحدياً في البحث عن كيفية صناعتها والمواد التي صنعت منها، ليذهب الى كمبيوتره الخاص ويبحث عن تفاصيل تصنيعها، مشيراً إلى انه يضطر إلى الذهاب في عطلة نهاية الأسبوع إلى رأس الخيمة لابتياع طلبات طفله التي تزداد كل يوم، لأنها تباع هناك بأسعار مناسبة.

ويؤكد أنه يواصل تلبية طلبات ابنه الموهوب، لأن ذلك يساعد على نمو عقله، وفق ما يؤكده مدرسوه، متذكراً مشهد طفله وهو في الثالثة من عمره يلعب بلعبة المكعبات، ويصمم منها بناية مشابهة للبناية المطلة على منزلهم، «منذ تلك اللحظة توقعت مستقبلاً مميزاً لابني، وتيقنت أن لديه عقلاً مميزاً يحتاج إلى الدعم والرعاية العلمية التي أخاف وبسبب إعاقتي وظروفي المادية الصعبة ألا أحققها له».

الأكثر مشاركة