أحاديث الحـلاقـين.. ودّ يزيــد على الحد أحياناً
تحتاج بعض المهن الى حد أدنى من العلاقة مع الزبون، بحكم طبيعتها التي تفرض على العامل التحدث مع المتردد عليه، كي يكسب وده. وتعد الحلاقة إحدى هذه المهن، ولذا غالباً ما يحاول الحلاق أن يتحدث عن بعض الأمور معظمها يكون عاماً، فيبدأ من حالة الطقس، ليصل الى مشكلات الحياة الاجتماعية، وحوادث السير مثلاً، وكل ما يواجه المرء في الحياة اليومية، حسب مواطنين ومقيمين التقتهم «الإمارات اليوم»، فيما اتفق حلاقون على أن أحاديثهم سواء كانوا يبالغون فيها مع الزبائن أم لا، يكون لها هدف مشترك، هو تأمين الراحة للزبون كي يتردد على الصالون.
ويلاحظ السوري محمد شاهين، أن معظم الحلاقين يحاولون التحدث باستمرار مع الزبون، كي يوفروا له التسلية أثناء الحلاقة، وغالباً ما تكون أحاديثهم عامة، وعن الحياة الاجتماعية، كالعمل وارتفاع أسعار بعض السلع، أو ارتفاع سعر البترول، وقد يتطرق بعضهم احياناً للحديث عن الحالة الاجتماعية للزبون، وإجازات العمل، مشيراً إلى أنه يحضّر نفسه جيدا قبل ان يذهب الى صالون الحلاقة، لأنه يعرف أن هذا المشوار يتطلب الاستماع الى أحاديث كثيرة، وبالتالي حين يكون يعاني من صداع وألم في الرأس قد يؤجل الذهاب الى الصالون.
بينما يرى الاردني كامل شعبان أن معظم الحلاقين معروفون بالثرثرة، و«غالبا لا أصدق كلامهم، فبعضهم يحاول رسم بطولات خيالية في أذهان الزبائن عن مواقف تحدث معه»، معتبراً أن هناك اختلافا في طريقة التعاطي بين الحلاقين الاجانب، والعرب، لافتاً الى أن الاجنبي غالبا ما يكون قليل الكلام، بينما العرب بسبب طبيعة اللغة المشتركة يكثرون الكلام مع الزبائن.
أما المواطن خالد سالم، فيشير إلى أن الحلاقين لا يتحدثون بكثرة مع الاشخاص الذين لا يعطونهم الفرصة لذلك، فهم يريدون كسب الزبون، وبالتالي إن أظهر لهم أنه لا يحب كثرة الكلام سيتوقفون كي يكسبوه، فالأمر يتوقف على طبيعة شخصية كل رجل.
السوري عمر عبدربه يرى ان مشكلة ثرثرة الحلاقين غير موجودة في دبي، كما في بقية البلدان العربية، بسبب طبيعة الجنسيات المختلفة، كما انه أحيانا ما يكون الحلاق أجنبياً، ولا يتحدث اللغة العربية، مضيفاً «أحب أن تكون فترة الحلاقة فترة استراحة واسترخاء، وبالتالي لا يحب فتح الاحاديث مع الحلاقين، لاسيما حين يحاولون السؤال عن الحياة الخاصة». ويؤكد عبدربه انه يتفهم وضع الحلاقين، فهم يجلسون في الصالون لساعات طويلة، وهذا يسبب لهم نوعاً من الملل في معظم الاحيان، ولهذا يحتاجون الى التحدث مع الزبائن كنوع من التسلية.
تعارف
يقول مدير صالون «دي ساج باريس» طوني حبشي، ان «الحلاق إجمالاً يتحدث مع الزبون كي يكون هناك حد أدنى من التعارف بينه وبين الزبون، وغالباً ما تبقى العلاقة ضمن هذا الإطار البسيط، ولا تتطور لصداقة فعلية»، مشيراً الى وجود «اتيكيت» خاص بالتعاطي مع الزبون «ولهذا يخضع الحلاقون لتمرين حول كيفية التعاطي مع الناس، الأمر الذي يجعلنا نترك الزبون هو الذي يتحدث، إن أراد التكلم، ولكن لا نشعره بثقل أحاديثنا إن وجدناه غير متجاوب ولا يريد التحدث».
ويشير حبشي إلى أن الأحاديث التي يتم التطرق اليها تكون عادية، وغير متعلقة بحياة الرجل الشخصية، تماما كأي حوار يفتح بين شخصين يلتقيان للمرة الأولى في أي مكان، على أنه يفضل الابقاء على وجود حدود فاصلة مع الزبون، لأن تحول العلاقة معه الى صداقة ستجعل الحلاق يخسره كزبون، وإن كانت هناك علاقات صداقة تتطور بين الحلاق وزبونه، فتكون حالات استثنائية.
ويوضح أهمية وضع الثقة لدى الزبون «فغالباً ما يكون في صالون الحلاقة نوع من الافراغ، فالرجل أحياناً يحب التحدث عن بعض الامور التي تحدث معه، وغالباً ما يحاول الشخص أن يغير نفسيته في الصالون»، لافتاً الى أن النسبة الكبرى من زبائنه يراهم مرة واحدة، لاسيما أن صالونه في فندق كمبينسكي، وبالتالي معظمهم يكونون نزلاء في الفندق، مضيفاً ان «كثرة التعامل مع مختلف الجنسيات توجد لدى الحلاق ثقافة أو نظرة عامة فيصبح قادرا على التكهن بشخصية الزبون، ويعرف إن كان من الذين يحبون التحدث أم لا». ويشدد على وجوب انتظار الزبون كي يتكلم، وذلك كي يكسب ثقته دون أن يسبب إزعاجه.
ثقة الزبون
يرى الحلاق طوني حبشي، انه يوجد أكثر من عامل يسهم في إيجاد عامل الثقة بين الحلاق والزبون، ومن هذه العوامل الراحة والثقة بعمل الحلاق، ثم الجو العام الموجود في الصالون، وكيفية تعاطي الموظفين مع بعضهم بعضاً امام الزبائن، وتعاطيهم مع غيرهم، بالإضافة الى كيفية استقبالهم الزبون، والابتسامة والمعاملة الجيدة. بينما تأتي أيضا الخدمات المقدمة في الصالون من الامور الاخرى التي تساعد في الحفاظ على الزبون. ونوه بأن جمع هذه العوامل كلها في صالون واحد ليس سهلاً، وتحتاج إلى خبرة وجهد كبير. |
محادثات
يفيد مدير صالون الارز، عتاب مرسل، بأن التعرف إلى أي زبون يبدأ بالسؤال عن مهنته، ومن أي بلد وأين يسكن، ثم التطرق الى بعض الامور العامة، مشيراً إلى أن الحلاق يتهم بالثرثرة، علماً أننا نحاول في الصالون فقط سؤال الزبون عن اشياء محددة كي نشعره بالراحة، ولكن هو الذي يبدأ بالاحاديث المطولة.
ويؤكد أنه يطلب من الحلاقين في الصالون عدم التطرق للموضوعات الخاصة، كي يشعر الزبون انه في المكان المناسب له، معتبراً أن الاحاديث الخفيفة ضرورية لأن النجاح في مهنة الحلاقة يعتمد على نجاح الحلاق في التعاطي الاجتماعي مع الزبون. ويلفت الى ان «مهنة الحلاقة تتطلب الثقافة في الكثير من الأمور، فنحن في الصالون نلتقي بالطبيب والمهندس وكل الأشخاص من أعلى مستوى، وحتى الموظف العادي، وبالتالي علينا ان نتحدث بأسلوب لبق مع الزبون، ونبرز مستوى جيد من الثقافة. أما السر في الحفاظ على الزبون، فيعتبره مرسل قائماً بشكل أساسي على عدم التدخل في أموره الخاصة، وعدم التطرق للأسئلة الشخصية، لأن هذا الامر يفقد الصالون الزبون.
ويقول: «من خلال خبرتي، أعتقد أن 15٪ فقط هي نسبة الزبائن الذين يكشفون أمورا عن حياتهم الخاصة في الصالون»، مشيراً الى أنه في الصالون يحدث اختلاط كبير في الثقافات، وتعرف إلى مختلف الجنسيات، ولهذا فاللباقة في الحديث أساسية للمحافظة على الزبون.