عامل نجاح يتحوّل أحياناً إلى اضطراب في الشخصية
الاعتداد بالذات.. خيط رفيع بين الثقة والغرور
تعد الثقة بالنفس واحدة من صفات النجاح في أي عمل قيادي، إلا أن الأمر قد يتعدى الحد المفروض، وتتحول تلك الثقة الشديدة التي قد تعد صحية، إلى أخرى «مرضية»، وفي تلك الحالة، قد تصعب رؤية ذلك الخيط الرفيع الفاصل بين المقبول وغيره.
قد يختلف تعريف الغرور بين شخص وآخر، خصوصاً بين الفلاسفة وعلماء النفس، إلا أنه غالباً يعرف، بأنه اعتداد المرء بنفسه، وثقته العالية بذاته، كبرياؤه، وتقييمه العالي لذاته، وهو الأمر المتأثر في النهاية بالعديد من العوامل، منها الجينات، وطريقة النشأة منذ السنوات الأولى، إضافة إلى التوتر والضغط النفسي. ويعتبر العالم سيغموند فرويد، أول من ربط بين العقل الباطن وتأثيره في السلوكيات، وذلك عندما ربط بين الغرور والعقل الباطن، في بدايات القرن ،19 وهي الفكرة التي لاتزال تستخدم في علاجات التحليل النفسي، إلا أنه لم يتمكن أحد من تأكيد تلك النظرية، بينما يبين رئيس الوحدة الطبية في كلية بيلور، والرئيس المنتخب في رابطة علماء النفس الأميركيين جون إم. أولدام، أن كلمة الغرور لم تعد مستخدمة، إذ استبدلت بمصطلحات، مثل الاعتداد أو الثقة بالنفس، أو الوعي بالذات، التي تعتبر مصطلحات أكثر انتشاراً حالياً، والتي تستخدم حديثاً كفئة تشخيصية لمن يعانون من اضطرابات في الشخصية.
علم الأعصاب
على الرغم من أن الغرور قد يؤثر ويحدد سلوكيات وتصرفات الأفراد مع الآخرين، وعلى الرغم من وجود معانٍ واضحة للغرور في المجالات النفسية، إلا أنه لا يوجد أي تعريف للغرور في علم الأعصاب.
«الغرور لا وجود له في الدماغ»، هذا ما قاله البروفيسور الفخري في علم النفس في جامعة هارفارد جيروم كاغان، موضحاً أن ما يحويه الدماغ، هو دائرة تتحكم في المشاعر المتداخلة، من توتر وشكوك بالنفس وقدراتها، الأمر الذي قد يكون المسؤول عن تكوين الثقة بالنفس، إلا أنه يؤكد أن العلم لم يتمكن حتى الآن من الوصول إلى مسمى «لما يجعل المرء يشعر بأنه رائع وعظيم، نحن لا نعلم حتى الآن تلك التركيبة الكيميائية التي تسبب هذا الشعور، أو أي جزء من الدماغ هو المسؤول عنه».
في المقابل، يرى عالم الأعصاب الحيوية في جامعة نيويورك جوزيف ليدوكس، أن الغرور ليس أمراً لا يتوافق مع علم الأعصاب الحديث، وليس مصطلحاً قديم الطراز قد يفهمه فرويد فقط «لكن يجب على العلماء الوصول إلى طرق ووسائل أفضل لتحليل النفس، وعلاقتها بالدماغ، فالعديد من الأفراد يرون أن الذات والدماغ، مختلفان»، وذلك بحسب ما ذكره ليدوكس في كتابه «النفس المتشابكة» مبيناً فيه أن الحقيقة هي ان شخصياتنا التي تعتبر نحن بالكامل، موجودة في الدماغ مجموعة من الأنماط المتداخلة والمعقدة «إننا عبارة عن عقدنا المتداخلة».
واستخدمت دراسات تركز على النفس، وتجارب ترتكز على علم الأعصاب الحيوية، إذ يتم الطلب من المتطوعين قول جمل خاصة بمواصفات شخصية مثل «أنا صديق جيد»، مقابل جمل أخرى محايدة مثل «الماء مهم للحياة»، ومحاولة دراسة نشاط الدماغ لدى الأفراد الذين يعانون من اضطرابات في النفس، وتم تحديد القشرة الوسطى من الدماغ مكاناً يحتوي على أعلى نشاط تفكير، بينما يقل نشاط الدماغ في حالته التلقائية أو الافتراضية أي تلك المعتادة على الروتين اليومي للفرد، عند القيام بهذه التجارب، وتبين الدراسات أن هذه الحالة للدماغ، قد تحمل العديد من الأجوبة حول الذات والنظرة إليها.
الذات المضطربة
تُبين الدراسات أن هناك العديد من الاضطرابات النفسية التي تتأثر من خلالها النظرة إلى الذات، والتي قد تصل إلى التساؤل «من أنا؟» و«كيف يراني الآخرون؟»، وفي حالة مرضى الانفصام الشخصي، على سبيل المثال، غالباً ما تكون حدود الغرور أو الوعي بالذات غائبة، حيث يترجم المرضى الاحداث المحايدة غير الشخصية، إلى أخرى متعلقة بهم، إضافة إلى عدم القدرة على التمييز بين ما يحدث معهم، أو يحدث في الخارج.
ويبين أولدام، أن اضطراب الشخصية النرجسية، على سبيل المثال، غالباً ما تعني تضخيم وتعظيم أهمية النفس، والانشغال والاندماج الشديد مع الذات لدرجة خسارة القدرة على رؤية الأمور من وجهات نظر الآخرين، وفي المقابل، فإن الأفراد الذين يعانون من اضطراب الشخصية البينية (الحدية)، يعانون نقصاً شديداً في النظرة الشخصية حول الذات والوعي بماهيتها، وفي أحيان عدة يكونون شديدي التعلق والارتباط بالآخرين، كما لو كانوا يحتاجون إلى التماهي وعيش سلوكيات وشخصية شخص آخر، وفي التوحد غالباً ما تختفي الذات تماما، أو يكون مبالغاً فيها بشدة، بحيث لا يتم التعرف إلى الآخرين، مشيرا إلى أن الاكتئاب غالباً ما يترافق بشدة مع قلة الثقة الشديدة بالنفس.
وأوضح أولدام أن كل الشخصيات والسلوكيات السابقة موجودة في الجميع، مع وجود تطرف في كلا الطرفين من الحالة الواحدة، التي أحياناً يتم تعديها من دون الشعور بذلك، لتتحول بعد ذلك إلى سلوك نفسي مضطرب، مبيناً أن المفتاح الذي يعين المرء على التعرف إلى ذلك يكون من خلال درجة الاضطراب أو التعطيل، التي قد تعانيها حياة المرء وعلاقاته وأنشطته اليومية، بينما يتأثر كل ذلك بمجموعة من العوامل بين تلك الجينية، والبيئية المحيطة بالمرء، والمرتبطة بالتوتر والضغط النفسي، إلا أن الأمر لا يزال يحمل الكثير من الأسئلة والقليل من الأجوبة «نحن لا نزال نعمل على فهم كل ذلك، وليس هناك حقائق ثابتة لأي منها، كل ما لدينا هو تلميحات وافتراضات».
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news