الضيافة في ماليزيا.. «بتتكلّم عـربي»
يعلو صوت سائق السيارة الأجرة، المعروف باسم «بن» بالغناء في شارع سلطان إبراهيم، الشهير بـ «شارع العرب» في العاصمة الماليزية كوالالمبور، فيلتف حوله المارة من كل الجنسيات العربية للاستماع له، لعله يجد زبوناً يتطلع إلى رحلة سياحية في أرجاء المدينة، أو نقله الى مكان ما مقابل مبلغ سخي. وأصبح مشهد العشرات من الناس الذين يقفون أمام السائق الماليزي بن (52 عاماً)، مألوفا وطبيعيا، إذ يحفظ بصورة تبدو محترفة أغاني المطرب السعودي محمد عبده، والإماراتي حسين الجسمي، والمصري عمرو دياب. فسيارته الأجرة التي يعمل عليها تنقل يومياً مئات السياح العرب الذين يرتادون هذا الشارع الذي عرف باسمهم مع انتشار المحال والمطاعم التي تستهدفهم بشكل كبير. ويفضل بن أن ينقل السياح العرب، فهم يدفعون له ما يزيد على أجرته، إذ يستمتعون بغنائه طوال رحلتهم معه إلى مناطق العاصمة المختلفة لمشاهدتها. وتنتشر المطاعم العربية في تلك المنطقة من كوالالمبور بصورة ملحوظة، فمنها ما يقدم الأطباق اللبنانية، والمصرية، والخليجية، وحتى المغربية، إلى جانب متاجر تستهدف الخليجيين، فتوفر لهم دهن العود، والعطور، والبخور العربية، والتوابل أيضاً، إذ لا يختلف مشهد هذا الشارع عن الأسواق الشعبية في مدن عربية عدة، ومنها دبي، بل إن العرب هم الأغلبية العظمى في شارعهم الذي سمّي باسمهم. تنتشر في ذلك الشارع مقاهي «الشيشة»، إذ أصبح من المألوف فيه أن تجد رجلا عربيا يجلس بجوار رجل صيني يدخنان معاً في مقهى «مصر»، أو أن تشاهد سيدتين خليجيتين تحتسيان القهوة العربية، وهما تستمعان لصوت سيدة الغناء العربي أم كلثوم في مقهى «خيمة الصحراء»، كما أنه من المعتاد مشاهدة أفراد من عائلات عربية يجلسون في مطعم «طربوش» لتناول المشويات الشامية.
جودة
باتت ماليزيا وجهة مميزة للسياح من كل الدول العربية، إذ يصلها سنويا ما يزيد على 150 ألف سائح من البلاد العربية، معظمهم من السعودية والإمارات، بحسب بيانات لهيئة السياحة الماليزية، التي تتطلع إلى مضاعفة هذا العدد خلال السنوات الخمس المقبلة، وزيادته بنسبة 30٪ خلال نهاية العام الجاري. وبحسب سياح عرب استطلعت «الإمارات اليوم» آراءهم فإن «الأسباب التي تدعوهم إلى تكرار زيارة ماليزيا تتلخص في مواصفات الجودة العالمية للخدمات السياحية التي يحصلون عليها، إذ توفر لهم المنتجعات والفنادق ومناطق الترفيه والتسلية والتسوق، إضافة إلى الأجواء الاجتماعية والخدمات المتميزة بأسعار تنافسية مقارنة بغيرها من الدول الأخرى، بالإضافة إلى الشعور بالأمن».
ويقول المصري أحمد زين، إن «ماليزيا نجحت خلال السنوات الأخيرة في استقطاب العرب، إذ تحولت عاصمتها وجهة سياحة وتسوّق للعائلات، تمتلئ بالمراكز التجارية التي تناسب كل المستويات ومختلف الميزانيات، فهنا في ماليزيا، الجميع يبتسمون في وجهك منذ أن تصل إلى مطار كوالالمبور، لا توجد إجراءات معقدة للحصول على الفيزا للسياحة، وتتم الضيافة على أفضل وجه». واستطرد أحمد «عندما أذهب للسياحة في بعض دول أوروبا أو في الولايات المتحدة، فإن الكل يسألني عن سبب وجودي، وعن مدة الفترة التي سأقضيها داخل البلاد، وأحيانا نشعر أن أصابع الاتهام موجهة لنا كعرب، لكن كل ذلك لا نراه في ماليزيا، فهي ترحب بنا وتقدر قيمتنا كسائحين وكعرب ايضاً.. بالإضافة إلى الضيافة، فإننا كسياح نحصل على أفضل مواصفات الجودة العالمية للخدمات السياحية، والتي تماثل نظيراتها في أوروبا وأميركا».
[video1]
إجازات
يفضل الإماراتي عبدالله أحمد، ماليزيا وجهة سياحية يرتادها في أوقات الإجازات، ويقصد مثل كثيرين «شارع العرب»، إذ تحول أحد أشهر شوارع كوالالمبور إلى منطقة عربية يشكل الخليجيون والإماراتيون فيها نسبة كبيرة من السكان. ويقول أحمد: «هذه المنطقة تلبي احتياجاتنا، إذ توجد المطاعم التي تقدم المأكولات العربية الحلال، وهناك مقاهي (الشيشة) التي تتجمع فيها الأسر العربية للتواصل في ما بينها. وتوفر ماليزيا الأجواء الاجتماعية والعائلية، والخدمات المتميزة بأسعار تنافسية مقارنة بغيرها من الدول الأخرى». واستقبلت ماليزيا خلال العام الماضي نحو 23.65 مليون سائح أجنبي، منهم مليون سائح من الصين وحدها، وبلغ معدل إنفاق السائح ما يعادل 2500 درهم، في حين بلغ عدد السياح من دول الشرق الأوسط 284 ألف سائح خلال العام الماضي مقابل 264 ألف سائح في عام .2008 وسجلت ماليزيا ارتفاعاً في عدد السياح خلال العام الماضي بنسبة 7.2 ٪، ما يؤهلها لتكون على قمة دول آسيا من حيث عدد السياح الأجانب، رغم الأزمة المالية العالمية التي أضرت باقتصادات العالم منذ عامين وحتى الآن. ولدى ماليزيا أكثر من 2373 فندقاً فئة خمس نجوم، ونحو 1689 ألف غرفة سياحية، ولكل ولاية من ولايات ماليزيا مزاياها الخاصة بها التي تختلف فيها عن غيرها، حيث الحدائق والمتاحف والمباني التراثية والمراكز العلمية، فهناك حديقة حيوانات نيجارا، والمركز العلمي الوطني وحديقة طيور كوالالمبور، ورويال سيلانجور بوترا، وباكيت ميراه ليكتاوز، وبرج كوالالمبور الشهير.
|
أمن
يرى السعودي عبدالرحمن علي أن هناك أسباباً تشجعه على اختيار ماليزيا وجهة سياحية، من ابرزها «الاستقرار الأمني الذي تعيشه البلاد، والتطور الكبير في البنية التحتية، ومنها الطرق والمواصلات، وأيضا تعدد خيارات شركات الطيران التي تنطلق من عواصم عربية عدة»، مشيراً إلى توافر الطعام الحلال الذي يمثل أحد أهم أسباب ارتياح السياح العرب والمسلمين في ماليزيا. ويقول عبدالرحمن إن «ماليزيا تنظم برامج خاصة ومتنوعة تراعي خصوصية السائح العربي، فيما تستقبل السياح عبارات ترحيبية واعلانية في صالات مطار كوالالمبور»، لافتاً إلى المناطق الكثيرة التي تحمل الروح العربية، ومنها منطقة «عين عربية»، في شارع «بوكيت بينتانج» ضمن الحي العربي في كوالالمبور. وتقول كويتية، فضلت عدم ذكر اسمها، إنها تسافر إلى ماليزيا كل عام، فهي وجهتها المفضلة لقضاء الاجازات، خصوصاً أنها تجد هنا كل ما ترغب فيه، مضيفة «وحتى أسماء الشوارع هنا تكتب باللغة العربية، فالمرء هنا يعرف أنه كعربي محل تقدير، إذ توفر له الدولة كل الإمكانات لراحته، وهناك عامل مهم جدا يجذبنا كعرب إلى هذه البلاد، وهو الأمن، فحوادث السرقة قليلة، كما أن هناك عاملاً آخر وهو انخفاض أسعار الفنادق والشقق الفندقية المفروشة». وتقول: «خلال اجازة الصيف آتي إلى هنا وعائلتي ونستأجر شقة لمدة شهر كامل، فالكل يعمل على راحتنا، وتجد المساعدة في كل مكان، وهنا في شارع العرب نشعر كأننا في بلادنا، والبائعون من الجنسيات الآسيوية المختلفة يتكلمون اللغة العربية، ويفهمون طبائع العرب ما يمكننا من التعامل معهم بسهولة ويسر». وتشير إلى أن ماليزيا يوجد فيها هامش كبير من حرية التجار، بما يسمح لنا بتنويع مشترياتنا، كما نجد هنا البضائع المقلدة رخيصة الثمن، التي تصل بلادنا وتباع لنا أحياناً على انها أصلية، بينما هنا يبلغك البائع بأنها مقلدة، وهناك حزمة كاملة من الترفيه يتلقاها السائح هنا، فالطبيعة ساحرة، والجبال والغابات تجعل من ماليزيا مقصداً مهماً للسياحة الخليجية، على حد تعبيرها.