ابن شلحاط يعلن انتهاء عصر الشعر الفصيح
فاجأ الشاعر السعودي مانع بن شلحاط، جمهور الشعر المتابع للحلقة الثانية من مسابقة «أمير الشعراء»، بإعلان انتهاء عصر الشعر الفصيح الذي لم يعد له جمهور. وقال بن شلحاط في قصيدة نبطية ألقاها في البرنامج مخاطباً شعراء الفصحى «تشبستوا بالفصحى، وهي راح عصرها، ولا يستمعكم لا مواطن ولا والي، كلام تقولونه وعلينا ما هو غالي».
وتحولت فقرة المجاراة التي تضمنتها حلقة «أمير الشعراء» التي أقيمت أول من أمس، على مسرح شاطئ الراحة في أبوظبي، وجمعت بين الشاعر العراقي بسام صالح مهدي والشاعر السعودي مانع بن شلحاط، إلى سجال شعري ساخن عكس ما يعتمل داخل نفوس كل من شعراء النبطي من جهة، وشعراء الفصيح من جهة أخرى، والذي يظهر من حين لآخر على الساحة، حيث يرى شعراء النبط أن «شعراء الفصحى يتعاملون باستعلاء معهم، باعتبار أن الشعر النبطي يقع في مرتبة أقل من الفصيح، رغم انه الأكثر جماهيرية في منطقة الخليج». وهذا ما عبر عنه بن شلحاط في قصيدته التي بدأها بمديح أبوظبي «عاصمة الشعر»، وعدّد فيها أسماء أبرز شعراء الإمارات مثل ابن ظاهر، والجمري، وفتاة العرب، وسلطان العويس، قبل أن يفاجئ الجميع بالهجوم على الشعر الفصيح معلناً انتهاء عصره وانصراف الجميع عنه على اختلاف طبقاتهم الفكرية والاجتماعية، داعياً شعراء الفصيح إلى تركه والانصراف عنه.
تصويت
في ختام الحلقة أعلن مقدم البرنامج درجات لجنة التحكيم التي منحتها الشعراء، وتوزعت كالتالي: علي النحوي 43٪، محمد علي الخضور 41٪، عبدالعزيز الزراعي 33٪، صباح الدبي 29٪. ليتأهل النحوي للمرحلة التالية، ويبقى الشعراء الثلاثة في انتظار تصويت المجمهور. يذكر أن مسابقة «أمير الشعراء» للشعر الفصيح هي المسابقة الأولى من نوعها على مستوى الوطن العربي، ويحصل الفائز بالمركز الأول على لقب «أمير الشعراء» وجائزة مالية قدرها مليون درهم، إضافة إلى جائزة بردة الإمارة التي تمثل الإرث التاريخي للعرب، وخاتم الإمارة الذي يرمز للقب الإمارة، كما يحصل الفائزون بالمراكز الأربعة التالية على جوائز مادية قيمة، إضافة إلى تكفل إدارة المهرجان بإصدار دواوين شعرية مقروءة ومسموعة لهم. |
هذا الهجوم المفاجئ وضع الشاعر العراقي في حرج للحظات، خصوصاً عندما طلب مقدم البرنامج الفنان السوري باسم ياخور من مهدي الرد على «هذه الضربة القوية التي وجهها بن شلحاط له وللبرنامج». ولكن سريعاً ما جاء الرد من مهدي في أبيات قال فيها:
فوق أعلى قمة الشعر بنيت
من لغات الأرض بيتاً قرب بيت
ثم جاء الشاعر الشعبي بعدي مد جسراً ومشى حيث مشيت
يا أيها الشعبي
ان قلت شعر نبطي ما فهمناه
ضحكنا وبكيت.
تأهل سعودي
شهدت الحلقة تأهل الشاعر السعودي علي النحوي من شعراء الحلقة الثانية بقرار من لجنة التحكيم، ومن شعراء الحلقة السابقة أسفر تصويت الجمهور عن تأهل كل من الشاعر محمد سليمان أبونصيرة من فلسطين، الذي حصل على نسبة 70٪، والشاعر زكريا النوراي من ليبيا بحصوله على 41٪، لينضما إلى زميلهما الشاعر محمد العزام من الأردن لمنافسات المرحلة التالية، فيما خرجت الشاعرة البحرينية نادية الملاح من المنافسة إثر حصولها على أقل الدرجات بين منافسيها وهي 40٪.
وتنوعت قصائد الشعراء الأربعة الذين شاركوا في الحلقة وهم صباح الدبي من المغرب، وعلي النحوي من السعودية، وعبدالعزيز الزراعي من اليمن، ومحمد علي الخضور من سورية، في موضوعاتها وبدا ميلها إلى الموروث والتقليدية، ما جعل لجنة تحكيم البرنامج التي تضم كلاً من الدكتور علي بن تميم (الإمارات)، والدكتور صلاح فضل (مصر)، والدكتور عبدالملك مرتاض (الجزائر)، تدعو الشعراء إلى الاتجاه للتجديد والاعتماد على لغتهم الخاصة بعيداً عن الموروث.
تفعيلة
بداية الأمسية كانت مع الشاعرة صباح الدبي التي قدمت قصيدة تفعيلة بعنوان «سكرة الضوء» التي اعتبرها فضل «مجازفة وسط قصائد معظمها عمودية»، لافتا إلى الاستطراد في القصيدة، والارتباك في بعض صورها. فيما رأى بن تميم أن «القصيدة مملوءة بالوجد الصوفي في محاولة للاتكاء على الصوفية، كما أنها مربكة، وتتشكل بشكل متسارع». وأشار مرتاض إلى أن «اللغة الشعرية في القصيدة في غاية الدلالة والغموض الجميل، واللغة المعجمية أنيقة وسليمة.
صور يمانية
قصيدة «مائية» قدمها الشاعر عبدالعزيز الزراعي تحت عنوان «بين ظمأ الماء وبرق القصيدة». علق عليها فضل بالقول «كأني بك حين تتحدث عن الشرب والكأس تتذكر أبوالطيب المتنبي، أما صورك فهي يمانية بذكرك بلقيس وسليمان وسبأ، صحيح أن الأبيات محتشدة لكنك تعود ثانية لمخاطبة شارب الكأس، وعلى الرغم من أن أبياتك قوية إلا أنك تضطر لقافية معينة مضطربة أحياناً»، وأشار بن تميم إلى عنوان القصيدة «بين ظمأ الماء وبرق القصيدة» الذي يبدو كأنه يجمع بين البؤس والأمل، فالقصيدة من بدايتها تتمحور حول ثنائيتين، ثنائية الواقع المحدود، والأفق الشعري اللامحدود، وهي تحمل الكثير من المفردات التي تتعلق باليمن وحده مثل الخصوبة والأمل وبلقيس وسبأ». في حين رأى مرتاض أن «المتسابق حمّل اللغة ما لا تحتمل، من خلال توظيف قيم روحية وتاريخية ومحلية يمنية، لكن القافية كانت تملكك أحياناً، مع العلم أنك لم تكن تريدها، وتلك هي المشكلة في النص، حيث توجد كلمات لا داعي لها».
عظمة المتنبي
«المتنبي في غفوته الأخيرة» هو عنوان القصيدة التي ألقاها المتسابق علي النحوي، وهو العنوان الذي لَفَت فضل، فقال «تحلق في سماء المتنبي بقوة واقتدار، لكن المتنبي مضى منذ ألف عام وأكثر، ومنظومة القيم تغيرت غير أننا لا نلمح ذلك في القصيدة، فمفهوم الحرية الشخصية المحدود يختلف تماماً عن مفهومها الآن، ومع ذلك فأنت شاعر كبير، وقصيدتك محكمة وجميلة، وننتظر منك رؤية جديدة ونفساً مبتكراً». ورأى بن تميم أن «القصيدة لم تضف شيئاً جديداً لعظمة المتنبي وكبريائه، إنما استوعبت المعجم اللغوي، وقدمت صورة المتنبي بنوع مستهلك، حتى إن الشاعر لم يتخذه - أي المتنبي - قناعاً، وبالتالي لم يكن له حضور حقيقي، أما مأزق القصيدة فتجسد في محاولة استحضار المتنبي». وأشار مرتاض إلى جمال النص، وإلى روح الأعشى التي تبدت في قافيته، معتبراً أن الأبيات الأخيرة من القصيدة «كانت طافحة بالشعرية أكثر من أبياتها الأولى».
أندلس
الشاعر محمد علي الخضور كان آخر المتسابقين الذين اعتلوا مسرح شاطئ الراحة مقدماً قصيدة «موشح من أندلس القلب» التي قال عنها فضل «موشح جميل لكن لا علاقة له بالأندلس، فالأندلس كلمة شديدة الإشعاع، ومنها تنهمر الإيحاءات، فيتبادر إلى ذهن المتلقي أنك تتحدث في نصك عن الأندلس، في حين أن النص ذاتي، وعلى الرغم من أنك بارع في صناعة الصور، إلا أن خيالك مازال يدور في الموروث، ولهذا عليك التجديد». وأشاد بن تميم بإلقاء الخضور، وبشعره الجميل، وقال «إنّ المفهوم يوتوبي شامل خاص بالشاعر ولا يرمز للأندلس، إنما كانت الأندلس جسراً يسلكه الذاهب من الماضي إلى الحاضر، فالأندلس شعرية غائبة، وذكريات حين تهبط على الشاعر وعلى جسر القصيدة تمسها وتصيبها، وتذكر بالشاعر لسان الدين الخطيب، وأقول إن القافية كانت رائعة وهامسة، وتستشعر لحظة بوح مملوءة بالخوف من الذكريات، وختاماً أجد أنها قصيدة جميلة». وقال مرتاض «ثمة رومانتيكية وصورة تمثل أيقونة مرسومة بالزيت عالية المستوى».