تجتمع في الجزيرة مجموعة من العناصر الثقافية التي تجعلها الأكثر تنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــوعاً حول العالم. د.ب.أ

بينانغ جزيرة الدهشة

فيما مضى كانت السيدات اللائي يُطلق عليهن لقب «نيونيا» في جزيرة بينانغ الماليزية لهن الكلمة الأولى والأخيرة داخل المنزل، وكن يخصصن في منازلهن صالوناً لألعاب الكوتشينة، ويلححن على الرجال المغرمين بهن قبيل الزفاف خصوصاً ليضعوا على وسطهن حزاماً مرصعاً بالفضة، وكن يهمسن في آذان عشاقهن قائلات «اجعل الحزام طويلاً قدر المستطاع كي أهبك أطفالاً كثيرة». ولكن السبب الحقيقي وراء الحزام الطويل المرصع بالفضة كان دنيئاً. وأوضحت ليليان تونغ أن الغرض الحقيقي من هذا الحزام «إمكانية نزع الفضة منه ليسددن ديونهن التي وقعهن فيها خلال ألعاب الكوتشينة».

وتحمل تونغ نفسها لقب «نيونيا»، ومازال هذا اللقب يطلق حتى يومنا هذا على السيدات اللائي ينحدرن من أسرة لأب صيني مهاجر وأم ماليزية من سكان البلد. وتقول رئيس هيئة السياحة الماليزية أووي جيوك لينغ «أراد الصينيون بدء حياة جديدة هنا، وأرسوا دعائم ثقافة جديدة، واليوم يمكن في جزيرة بينانغ رؤية الصالون والحزام المُرصع بالفضة اللذين يعدان شاهدين على هذه الثقافة في متحف ينطق بالفخامة، إنها جزيرة الدهشة».

درة الشرق

على مدى فترات طويلة كانت دُرر ثقافة النيونيا أو البيراناكان عبارة عن أطلال، فالمنازل تهدمت وضاعت، وصفات الطعام الشهية المميزة لها، وانقرضت الحرف والمهن التي زاولها أتباعها. وبناءً على ذلك كاد تاريخ جزيرة بينانغ التي كان يطلق عليها قديماً «درة الشرق»، أن يكون طي النسيان، ولكن تم إنقاذ هذه الثقافة من الاندثار، وذلك حينما أدرجت اليونسكو قبل عامين عاصمة الجزيرة جورج تاون مع مدينة مالاكا الساحلية جنوب ماليزيا على قائمة التراث العالمي.

وفي متحف «Pinang isnaM nakanarePَ» تعيد ليليان تونغ هذا التاريخ إلى الحياة مرة أخرى بسردها حكايات وقصص من فترة طفولتها، إذ تقول إن جدتها علمتها أن «النيونيا الحقيقية تمضغ ثمار التنبول». وهكذا كانت ليليان الصغيرة وهي في عمر ثمانٍ أو تسع سنوات تجلس مع السيدات العجائز وتلوك مضغة التنبول. ويشار إلى أن اسم الجزيرة مشتق من نبات التنبول، إذ يسمى هذا النبات باللغة الماليزية «بينانغ».

وتقول تونغ وهي تتفقد أحد المنازل التي يعود تاريخها إلى القرن الـ19 «أحضر التجار الصينيون إلى الجزيرة بضائع من كل أنحاء العالم، لذلك يرى المرء هنا أعمدة درابزين حديدية اسكتلندية ونوافذ ذات طراز قوطي وزجاجاً من فينسيا ولوحات إنجليزية وأثاثاً إيطالياً، وكذلك يوجد مذياع عتيق ماركة «فيليبس» في غرفة النوم. وتم تلوين زجاج النوافذ على الطراز الأوروبي ولكن بنقوش ورسومات ذات طابع صيني، وفي الخزانة توجد نعال صينية مصنوعة من الحرير ولكن برسومات «ميكي ماوس» و«بيضاء الثلج».

شارع التآلف

يبلغ عدد سكان العاصمة جورج تاون اليوم 170 ألف نسمة، وتشهد شوارعها حركة مرورية كثيفة. ولحسن الحظ يمكن استكشاف معالم الشوارع بصورة جيدة سيراً على الأقدام. ويُعد «شارع التآلف» من أشهر شوارع العاصمة، قد سمي بذلك لأنه يضم بين جنباته مسجداً وكنيسة كاثوليكية ومعبداً صينياً ومعبداً هندوسياً على مساحة ضيقة ودون أن تحدث أي مشاكلات أو خلافات بين أتباع هذه الديانات. وتقدم الكتابات الصينية واللاتينية والعربية والتاميلية على جدران المنازل دليلاً دامغاً على التعدد الثقافي التاريخي الذي تمتاز به عاصمة الجزيرة. ومن يرغب في الهروب من صخب المدينة يمكنه السفر إلى الحديقة الوطنية الواقعة شمال غرب الجزيرة. وفي هذه الحديقة يرشد جوزيف تيو الزوار عبر زخم من الروائح التي تداعب الحواس، إذ يقطف أعشاباً ونباتات تفوح منها روائح الفلفل والزنجبيل والنعناع والكاري.

وعندما يتحدث تيو عن حيوانات ومياه الغابة يمكن أن ترتعد فرائص المرء، فهي تضم بين جنباتها قرود ماكاكا العدوانية وثعابين الكوبرا الملك السامة، وسمك أبومنقار الذي يقفز من المياه ليلاً ويلدغ بمنقاره المدبب الصيادين في قواربهم، وقناديل البحر السامة، والورل الآكل للحوم التي تلتهم قناديل البحر على الشواطئ. ويؤكد تيو ضاحكاً «يمكننا أن نعيش جميعاً في سلام ووئام».

أنواع مختلفة من طرز العمارة         د.ب.أ

حياة برية

تقدم ماليزيا لسياحها المزيد من الحياة البرية في جزيرة بورنيو التي تبعد ساعتين بالطائرة عن بينانغ. وتُعد مدينة كوشينغ عاصمة إقليم سراواك بمثابة بوابة للغابة المطيرة العتيقة الموجودة داخل هذه الجزيرة. وتقع الحديقة الوطنية على بعد نصف ساعة ويمكن الوصول إليها بالقارب أو تجولاً. يشار إلى أن الجولة عبر الغابة المطيرة مجهدة. وعلى الرغم من أن قمم الأشجار الكثيفة المتعانقة توفر ظلالاً وافرة، فإن رطوبة الهواء خانقة، ومن ثم يتصبب زوارها عرقاً، ولكن الانطباعات الرائعة التي تتكون لدى الزوار تكاد تُنسيهم هذه الرطوبة العالية.

وقرب المقصف الذي يقع عند مدخل الحديقة تتلوى أفعى خضراء على ورقة شجر، وتصدر أصوات حشرات الجندب وصراصير الليل من جميع الجهات. وأوضح المرشد السياحي سيلفام ناجالينجام «الغابة تقدم كل ما يحتاج إليه الإنسان»، ضارباً مثالاً على ذلك بلُب النخيل. وتحتاج بعض الأطعمة الشهية الأخرى إلى التعود على مذاقها. وأضاف ناجالينجام «تبقى الجذوع ملقاة على الأرض كي تتحلل، وبعد ذلك تأتي الخنافس وتضع يرقاتها بداخلها، وهذه اليرقات تُعد طعاماً لذيذاً».

ويعرض ناجالينجام للسياح نباتات صالحة للأكل وأعشاباً تشفي الجروح وجذوراً لعلاج الأمراض ونبات السرخس الذي يستخدم في بناء الأسقف. وبعد ذلك يأتي الدور على النمل وهو مثالي «لخياطة» الجروح القطعية. وأوضح ناجالينجام كيفية القيام بذلك قائلاً «يمسك بها المرء بالقرب من الجرح فتمد مخالبها إلى الجرح، فيقوم المرء بإدارة عنقها خلف رأسها ثم يجعل الرأس تشبك في المخالب». وخلال هذه الجولات التي تستغرق أياماً عدة يعيش ناجالينجام وضيوفه على منتجات الغابة فقط، ولا يصطحبون معهم غير القهوة والسكر.

الأكثر مشاركة