البعض يرونه استكشافاً.. وآخرون يعتبرونه اختراقاً للخصوصية

الفضول.. سلوك طفـولي بـلا هــدف

الفضولي أحياناً لا يحب أن يتدخل الآخرون في خصوصياته. غيتي

يُعد الفضول من السلوكيات التي ترافق شريحة كبيرة من الناس، ولكن مع تفاوت في درجته وطريقة التعاطي معه أو طرحه. وهناك أمور عدة تصادف المرء في حياته اليومية وتثير فضوله، كاتصال هاتفي يتلقاه شخص قريب، أو سبب غضب زميل ما في العمل، أو الرغبة في معرفة بعض التفاصيل الشخصية عن أشخاص يلتقيهم يومياً بصفة رسمية.ويميز علم النفس بين حب المعرفة والفضول، إذ إن الخط الفاصل يجب أن يحدد بالفائدة والجدوى من المعلومات التي يرغب المرء في استكشافها، فيما يعد الفضول سلوكاً طفولياً بلا هدف.

المواطن حمد عبدالله أشار الى أنه من الأشخاص الفضوليين الذين يحبون معرفة كل ما يدور حولهم، مضيفاً لـ«الإمارات اليوم» «أحياناً قد أطرح على الناس بعض الأسئلة المحرجة، فأسأل فتاة عن عمرها، ومن الصدمة قد تجيب، وكذلك أحب معرفة كل ما يدور مع من يجلس بقربي في العمل أو في المنزل أو حتى في اجتماعات الاصدقاء». واللافت أن عبدالله في المقابل لا يحب أن يعامل بالطريقة نفسها، مشيراً الى أنه لا يجيب عن الأسئلة التي يجد فيها نوعاً من التدخل في حياته الشخصية.

بينما اعترف اللبناني محمد توفيق، بأنه فضولي، ولكنه لا يطرح كل ما يدور في رأسه من أسئلة على المعنيين، فيحاول التكهن بنفسه، مشيراً الى أنه في كثير من الأحيان، تحدث بعض المواقف أمامه، وتكون مبطنة، أو أن أصحابها لا يريدون البوح بها كاملة، فيصاب بفضول كبير لمعرفة أسباب المشكلة، أو الطريقة التي حلت بها، ويحاول جاهداً الوصول الى طرف خيط يوصله لمعرفة كل ما يحدث كي لا يبدو موقفه سخفياً. وذكرتوفيق أنه لا يستطيع مقاومة العبث في حقائب صديقاته الفتيات، إذ إن لديه فضولاً كبيراً لمعرفة ماذا تحتوي كل حقيبة.

سلوك اجتماعي

 

أفاد الاختصاصي في العلوم الاجتماعية في جامعة الشارقة، الدكتور حسين العثمان، بأن الفضول هو السلوك الذي يسلكه الفرد للتدخل في شؤون الغير، اذ من الممكن أن يبدأ بطرح الأسئلة التي لها علاقة بالخصوصية، ولكن هذا جزء من الحياة الاجتماعية، مشيراً الى أنه سلوك يتعلمه المرء في الحياة، وقد يكون له الأثر النفسي في من يملك الفضول، فهو قد يواجه مشكلات مع الناس. وذكر العثمان أن هذا السلوك، يعد عادياً، يفسر عند كثيرين على أنه حب معرفة. أما طريقة التعاطي مع الشخص الفضولي، فكما أكد العثمان، ليست هناك من معادلة واضحة ومحددة للتعاطي معه، فالفضولي يجد راحته مع الأشخاص الخجولين، وذلك لأنهم قد يجارونه ويعطونه المعلومات التي يريدها، فيما البعض الآخر قد يستخدم أسلوب السكوت أو حتى الصد. وشدد على أن الفضولي لا يشعر بأنه ينتهك خصوصية الآخر، ولهذا يفترض أن سلوكياته الاجتماعية عادية. ولفت العثمان إلى أن الفضول يعتبر سمة طبيعية للبشر، ولكن عندما يزيد على الحد، قد يدفع المرء الثمن اجتماعياً، بحسب البيئة والمجتمع والأفراد المحيطين به.

اعترافات

اعتبرت الفلسطينية نورا علي، أن الفضول من السمات التي تميزها، فهي تحب أن تعرف كل شيء، وتسأل من دون الشعور بأي حرج. وأضافت «قد أسأل زميلي عن ماذا يتحدث عبر الهاتف؟ أو ما الذي يزعجه في حال رأيته منزعجاً دون إحساس بأني أتدخل؟ وأحيانا أسمع جملة لا شأن لك، وأتقبلها، وأحياناً قد ألقى الأجوبة لتساؤلاتي، لأن السؤال قد يصدم البعض أو يحرجهم».

في المقابل يرى المصري أحمد صالح، نفسه شخصاً لا يتمتع بفضول كبير، ولا يحاول التدخل في الخصوصيات حتى مع الأصدقاء المقربين، فيحب ان يترك لهم الفرصة للحديث، والاجابة. وأكد أنه لا يحاول مجاراة الشخص الفضولي، بل يحاول صده بطريقة غير مباشرة.

بينما أكد المصري رضا النادي أن أكثر ما يثير فضوله هو غضب شخص بقربه، فحتى لو كان لا يعرفه كثيراً يحاول التقرب منه للتخفيف عنه إن لم يتمكن من معرفة سبب غضبه، لافتاً إلى ان السمات البشرية هي التي تحرك الفضول داخله، فهو لا يحاول التدخل في مشكلات الغير، الا لأنه يريد المساعدة.

قيمة

قال مدير المركز الدولي للاستشارات النفسية، الدكتور محمد النحاس، إن الفضول يُعد قيمة اجتماعية ايجابية في حال كانت ستضيف إلى المرء معلومات تفيده، بينما إن كانت لمجرد جمع المعلومات والتقصي والتجسس فهي تدخل إطار تدمير الذات كونه يعد تجسساً، مشيرا الى أن من حسن إسلام المرء ترك ما لا يعنيه، ولهذا ينبــغي توجيه الفـــضول الى الخير والمساعدة في الاســـتكشاف.

أما الإنسان الفضولي، فهو بحسب النحاس إنسان فارغ يسعى إلى إيجاد دور ما في هذا العالم الذي يعيش فيه، ولأن أدواره تافهة وليس لها أي أثر يذكر في المحيطين، يحاول أن يخترق الأمن والسلام النفسي للآخرين والمحيطين، من خلال طرح بعض الأسئلة التي تُعد شخصية، أو التي لا يتحتم دخوله مجالها. ونوه النحاس بأن الفضول هو نوع من أنواع اكتشاف حقائق الشخص الآخر، التي لا تفيد المرء بشيء سوى معرفتها. وأضاف «الفضولي إنسان أجوف ليس لديه إحساس بقيمة الذات، صورة الذات لديه صورة سلبية، ولهذا يحاول البحث عن سلبيات الآخرين، ليثبت لنفسه بأنه ليس الوحيد السيئ في العالم». وشدد على أن المرحلة الحسية الحركية، عند الطفل في المرحلة الحسية، حيث يبدأ بالعبث في كل الأشياء، وبالتالي على الأم أن تأخذ من طريق الطفل ما يزعجه، وتترك له ما لا يؤذيه كي يستكشف.

وشبّه مدير المركز الدولي للاستشارات النفسية الانسان الفضولي بالطفل الذي يحب أن يستكشف، كل ما يدور حوله، مشيراً الى أن البحث عن معلومات جديدة، هو نوع راقٍ من الفضول، وامتداد لفضول الطفولة ولكنه لهدف ما. واعتبر ان الفضول هو عبارة لا تطلق الا على المرء الذي يسلك سلوك الاطفال في اختراق المجالات النفسية للآخرين، فسلوكه بلا هدف وبلا معنى. وميز بين الفضول و«الحشرية» أو حتى الشك، مشيراً الى أن بعض الزوجات اللواتي يبحثن أو يحاولن التجسس على الزوج، كالعبث في الهاتف، أو حتى عبث الزوج في حقيبة المرأة، بأنه سلوك غير فضولي، بل ناتج عن وساوس وشك، مطالباً اياهم باللجوء الى ما يزكي الأفكار ويرقيها من خلال القراءة والبحث العلمي الهادف.

تويتر