رحلات إلى مستوطنات نائية في الغرب الكندي

«بريتش كولومبيا» طعم البراري

المنطقة تقع غرب كندا ويقطنها قاطعو الأخشاب. د.ب.أ

في براري مقاطعة «بريتش كولومبيا الكندية»، حيث لا توجد طرقات تؤدي إليها، يستطيع السياح أن يشعروا بأنهم رواد، وأن ينعموا على الرغم من ذلك بالراحة أثناء السفر، ويستمتعوا بمذاق الأطعمة الشهية. وعلى متن سفينة شحن يستطيع السياح عبور المضايق المائية الواقعة في غرب كندا صوب المستوطنات النائية التي يقطنها قاطعو الأخشاب. في هذه الرحلة يتذوق روادها الطعم الخاص للبراري. ولم تكد السفينة zaroruA تسير في ممر «ديسكفري» لمدة 20 دقيقة، حتى هتف القبطان، رون ستيفنسون، مخاطباً الركاب «انظروا جهة اليمين إلى المنارة. هناك يجلس نسر أبيض الذيل اصطاد للتو سمكة سلمون، وهو يتأهب لرحلة إلى براري بريتش كولومبيا». وستبحر سفينة الشحن الصغيرة التي تقل على متنها 12 راكباً، إضافة إلى طاقمها المكون من ستة أفراد عبر الألسنة المائية التي تشبه المضايق على مدار ثلاثة أيام.

ويَعد جاي آدامز، مدير شركة الملاحة الصغيرة «مارين لينك تورز» بمدينة كامبل ريفر بجزيرة فانكوفر، الركاب قائلاً: «سنسافر إلى مكان لا تصل إليه سفينة سياحية أخرى». وأثناء حديثه يشير آدامز إلى السفن السياحية العملاقة التي تنطلق من مدينة فكتوريا عاصمة بريتش كولومبيا بمحاذاة الساحل الغربي لكندا عبر مضيق جورجيا وممر «إنسايد» شمالاً باتجاه الآسكا.

طهي

في الظروف العادية يوجد طاهي السفينة، بات سيفتون، في مطبخ مطعمأ Kingfisher Restaurantz الكائن في خليج «كورتيناي». ولكنه أخذ إجازة من أجل السفر على متن السفينة zaroruA. وعن الطهي على السفينة يقول سيفتون: «الطهي لـ 18 شخصاً فقط يُعد متعة بالنسبة لي. يتم تقديم كل الأطعمة طازجة». وفي منطقة «بريم ريف» يُدلي طاقم السفينة سلال الصيد في الماء مساءً، وفي صباح اليوم التالي يجد الطاقم نحو 20 من حيوان الروبيان يتلوى في الشباك. ويتم إعداد الروبيان لتقديمه ظهراً على الغداء. ويتوافد الركاب على خليج مينزيز من أجل الرحلة على متن سفينة الشحن zaroruA من بلدان كثيرة، من جنوب إفريقيا واليابان وهونغ كونغ ونيوزيلاندا ومن بريتش كولومبيا نفسها؛ فها هو غوردون المنحدر من عاصمة المقاطعة «فكتوريا» قطع رحلة استغرقت ثلاث ساعات بالسيارة ليأتي إلى هنا. ويفسر غوردون رغبته في القيام بهذه الرحلة قائلاً: «لا يستهويني السفر بالسفن السياحية العملاقة، أما على متن zaroruA فما زال كل شيء على أصله، كما تتسنى لنا الفرصة لنعايش عن كثب كيف يعمل طاقم السفينة».

وتمتاز السفينة zaroruA بأنها أصغر حجماً من هذه السفن السياحية العملاقة؛ إذ يبلغ طولها 41 متراً ولا يزيد غاطسها على 1.80 متر. وفي بادئ الأمر كانت هذه السفينة المشيدة عام 1970 مخصصة للاستخدام في مجال صناعة النفط، وكانت تجوب مياه نهر «ماكينزي» الواقع في مقاطعة الأراضي الشمالية الغربية والقطب الشمالي. ومنذ عام 1995 أصبحت تبحر في المسطحات المائية الساحلية الواقعة شمالي جزيرة فانكوفر بنحو 200 كيلومتر. وأوضح آدامز «أننا نبحر على مدار العام، ونمد معسكرات قاطعي الأخشاب والمستوطنات متناهية الصغر بكل احتياجات الحياة الضرورية». وأضاف آدامز «ومن نهاية مارس إلى بداية نوفمبر نصطحب معنا السياح على متن السفينة، وفي الشتاء يكون الطقس متقلباً جداً».

طرق مختلفة

في منطقة تقدر مساحتها بنحو 10 آلاف كيلومتر مربع تسلك السفينة zaroruA ثلاثة طرق مختلفة انطلاقاً من المحطة الصناعية في خليج «مينزيز». ويطلق على الطريق الثالث اسم «الرحلة الغامضة». وعن هذه الرحلة يقول آدامز: «يحدد السياح وحدهم وجهة (الرحلة الغامضة) التي تستغرق ثلاثة أيام، في حين يخضع الطريقان الآخران لجدول سفر محدد». وأضاف «نحن أولاً وأخيراً بعثة بحرية». ويمكن خلال الرحلة التي يزيد طولها على 400 كيلومتر زيارة ما يصل إلى 17 ميناء. وبذلك ربما تُعد رحلات السفينة zaroruA أكثر الطرق غير التقليدية التي يكتشف بها السائح البراري ويتعرف الى الحياة اليومية على ساحل المحيط الهادي لبريتش كولومبيا. ويقول القبطان رون ستيفنسون ضاحكاً: «موانئ، كلمة مبالغ فيها للغاية»، مشيراً إلى أن السفينة zaroruA لا تعدو كونها مجرد قارب إنزال ذي منصة عريضة قابلة للطي، وهو يمكنه بكل بساطة الصعود على أي شاطئ تقريباً بفضل غاطسه المنخفض.

وتعتبر السفينة zaroruA بمثابة الجسر الذي يربط معسكرات العمل النائية والمستوطنات متناهية الصغر بالعالم الخارجي؛ حيث لا توجد هنا أية طرقات. ويتسم إيقاع الحياة على متن السفينة بالبساطة وعدم التكلف؛ إذ لا يوجد على متنها عشاء قبطان أو عروض راقصة أو حياة ليلية في البار، وإنما يخيم الهدوء على أجواء السفينة وتحيط بها مناظر الطبيعة الخلابة من كل الجهات. وكما هو معتاد خلال الرحلات السياحية، يكون الطعام على متن السفينة رائعاً وممتازاً.

أسرة كبيرة

مثل الأسرة الكبيرة يتم إطلاع الركاب على الجدول اليومي؛ إذ يوضح القبطان، رون ستيفنسون، للركاب كل صباح أثناء الإفطار خط السير لهذا اليوم ومحطات التوقف. وفي كابينة القيادة يستطيع الركاب أن ينظروا من فوق أكتاف القبطان، ويتابعوا صورة الرادار وحركات التوجيه. ويرسل بعض الركاب تحياته إلى أهله في وطنه عبر البريد الإلكتروني، إلى أن ينقطع الاتصال بالإنترنت، ويقول ستيفنسون: «حينئذ نكون فعلاً في البراري، حيث لا تعمل سوى إشارة الأقمار الاصطناعية».

وتقطع بعض الجولات البرية رحلة السفينة. وتبدأ إحدى هذه الجولات في المستوطنة متناهية الصغر «بلايند تشانيل» التي يقطنها 15 شخصاً فقط، وتضم بين أركانها بعض المنازل وسوبرماركت ومكتب بريد وميناء يخوت. وانطلاقاً من هنا يتجول الركاب عبر الغابة الكثيفة وصولاً إلى أشجار الأَرز العملاقة التي يبلغ عمرها 800 سنة. وعن هذه الأشجار يقول فيليب مينيترير، موجّه الدفة في السفينة: «إنها نمت هنا حين أبحر كولومبوس إلى أميركا». وفي بداية الرحلة وعد القبطان ستيفنسون الركاب بمشاهدة الدببة السوداء، وربما الرمادية أيضاً، إلا أنه لا أحد من الدببة يريد الظهور على الشواطئ العشبية الصغيرة. وبدلاً من ذلك يرى الركاب شلالات هادرة، وفي محمية «ملناش آيلاند» يرى الركاب العقارب ذات الرأس الأبيض وعشرات من كلب البحر التي تستجم على الصخور القليلة تحت شمس الظهيرة.

تويتر