مبانٍ بطراز فيكتوري وسط مناظر خلابة في المدينة النيوزيلاندية
«دونيـدين».. فخــامـة وطبـــيعة ساحرة
تشتهر نيوزيلاندا بالطبيعة الساحرة، وليس بالمدن الجذابة الجديرة بالزيارة، ولكن تُشكل مدينة دونيدين استثناءً؛ إذ أسهم التنقيب عن الذهب في نمو مدينة قديمة جميلة، وأمام باب المنزل مباشرة يجد السائح فيها طبيعة خلابة أيضاً.
وتتلالأ دونيدين في ليالي الصيف كالذهب، وتعانق خضرة شبه جزيرة أوتاغو قليلة التعرجات، والمحاطة بمياه المحيط الهادئ الزرقاء اللامعة كالفولاذ.
ويبلغ عدد سكان مدينة دونيدين 120 ألف نسمة، وهي رابع أكبر مدينة في جنوب شرق نيوزيلاندا وتُشكل نقطة انطلاق مثالية لرحلات تستغرق يوماً واحداً إلى البيئة المحيطة. وفي هذه الرحلات لا يحتاج السائح إلى أحذية تجول أو قوارب ببدالات، أو قدرة تحمل خاصة.
وبينما يكون كثير من المدن النيوزيلاندية عبارة عن تجمعات متفرقة من ضواحٍ سكنية دون مركز حقيقي، تضم دونيدين وسط مدينة قلما يضاهيه وسط مدينة آخر في أوروبا؛ إذ يتخذ الميدان الذي يتوسط المدينة شكل مُثمن الزوايا، وهو يُعد بمثابة واجهة المدينة ونافذتها.
وإبان فترة التنقيب عن الذهب في الثمانينات من القرن الـ19 أصبحت دونيدين أغنى وأعظم مدن نيوزيلاندا، ومبنى البلدية ذو الطراز المعماري الفيكتوري ينطق بالفخامة والأبهة، ويتوجه برج أجراس بديع. وبجوار مبنى البلدية تقع كاتدرائية سانت بول التي شُيدت مطلع القرن الـ20 على الطراز القوطي الحديث والتي تمتاز بتصميمها الرشيق ذي البرجين. وحول الميدان يقع مسرح ومعرض دونيدين للفن العام والذي يعرض أعمالاً لفنانين عالميين من أمثال ويليام ترنر وكلود مونيه.
وتحت الأشجار الواقعة في قلب الميدان، يجلس متسكعو المدينة والطلاب الذين يشكلون خُمس سكان دونيدين. ويقطع شارعي تسوق الميدان ثماني الزوايا، ويضم هذان الشارعان مقاهي وستيك هاوس ومطعماً آسيوياً تصطف إلى جانب بعضها بعضاً.
وحينما تنتهي الإجازة المدرسية ويتدفق الطلاب على المدينة مجدداً، تتحول المدينة القديمة إلى كثيب نمل، ومن خلال المباني البديعة المُشيدة بالبازلت والحجر الجيري وأماكن الجلوس وفيرة الظلال أسفل الأشجار الشامخة وجدول الماء الهادر يستحضر الحرم الجامعي في الذهن صورة الجامعات الإنجليزية، وهنا يستطيع المرء قضاء فترة ما بعد الظهيرة بالكامل.
أما شبه جزيرة أوتاغو التي تكسوها الخضرة، ففي مقدمتها تقع فنارة ذات قبة حمراء اللون على صخرة عالية، وإلى جوار الفنارة تقع مستعمرة طائر القطرس الأبيض والرشيق والذي يعتبر واحداً من أكبر الطيور في العالم؛ إذ يصل طول أجنحته المفرودة إلى ثلاثة أمتار تقريباً، وتعتبر مستعمرته هنا المستعمرة الوحيدة على اليابسة في العالم.
أما محطة السكك الحديدية الضخمة في دونيدين، فتم تشييدها أيضاً بالأموال التي تم جنيها من وراء التنقيب عن الذهب، وهي عبارة عن قصر مشيد من البازلت والجرانيت، ويعلو الجملون والمشربيات برجا بارتفاع 37 مترا، و هي أكثر المباني التي يتم تصويرها في نيوزيلاندا، ومعظم خطوط السكك الحديدية تم إلغاؤها منذ عقود.
ويُعد الخط الوحيد الذي لايزال مشغلاً جديراً بالمشاهدة، ويمتد إلى داخل البلاد، وحتى المصب تقريباً يسير هذا الخط بمحاذاة نهر تاييري الصغير الذي يشق طريقه عبر الوديان المنحدرة الناشئة بين الصخور الإردوازية المتهدمة، ويؤدي هذا الخط إلى بوكرانجي، التي تعني تل السماء باللغة الماورية التي يتحدث بها سكان نيوزيلاندا الأصليين.
ويتألف القطار من عربات مطلية باللون الأصفر ذات طراز عتيق يعود إلى حقبة العشرينات من القرن الماضي، تجرها قاطرة ديزل قوية، ومن الداخل تكون هذ العربات مكسوة بخشب داكن اللون.
وينطلق القطار محدثاً أزيراً، وبمجرد أن يغادر الوادي الفسيح؛ حيث يصب نهر تاييري في البحر، تتغير معالم الطبيعة؛ إذ تتحول غابات الصنوبر الكثيفة التي تكتسي باللون الأخضر الداكن إلى سلسلة جبلية متهدمة ذات بيئة نباتية فقيرة وتعج بالكتل الصخرية، ويسير القطار فوق جسور عالية تتيح دائماً إطلالات رحبة على مياه هادرة وقمم جبلية حادة الحواف وسماء نيوزيلاندا الشاهقة.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news