احمرار الوجه خـجلاً.. مشاعر خوف أم فقــدان ثقة
لم تشعر الموظفة التي تعمل لدى وكالة دعاية بالسعادة حينما وقع اختيار المدير عليها لتقدم حملة الدعاية أمام العملاء، بل انتابها شعور بالخوف ناجم عن تخيلها لنفسها وهي واقفة أمام العملاء بينما تعلو حُمرة الخجل وجهها. وتقول ابنة الـ30 ربيعاً «هذا التصور هو الكابوس الذي يؤرقني». ويرجع تخوف الموظفة الشابة إلى معاناتها تحت وطأة ما يُعرف باسم «الإيروتوفوبيا»، أي الخوف من احمرار الوجه.
ومنذ فترة المراهقة يُصاب وجهها بالاحمرار بشكل متكرر، حتى في أتفه المواقف، على سبيل المثال عندما يسألها شخص ما عن رأيها، على حد قولها. وتقول المعالجة النفسية بمدينة مانهايم جنوب غرب ألمانيا دوريس فولف «بتدقيق النظر لا تكمن المشكلة الحقيقة في احمرار الوجه، بل في دلالة الاحمرار، فهو يعني للمرضى شيئاً محرجاً أو مخجلاً أو مخزياً».
وأوضحت رئيسة رابطة الأطباء النفسيين الألمان كريستا روت زاكينهايم، أن الخوف من احمرار الوجه غالباً ما يبدأ خلسةً في مرحلة الشباب، ويصيب في المقام الأول الأشخاص الذين يفتقرون إلى الثقة بالنفس. ويصيب هذا المرض النساء أكثر من الرجال، إلا أن أسباب ذلك غير معروفة. وعن الأسباب المحتملة تقول روت زاكينهايم «ربما يرجع سبب ذلك إلى أن سلوك النساء بوجه عام يراعي الأمور المرغوبة اجتماعياً بشكل أكبر من سلوك الرجال».
أعراض مزعجة
في البداية دائماً ما تظهر على المريض أعراض مزعجة؛ إذ يحمر وجهه، ويشعر بالخجل، وربما يُصاب بفقدان الوعي، ويود لو أن تنشق الأرض وتبتلعه، كي يختبئ عن عيون الناس. ويتخذ المرض مساراً خطيراً عندما يبدأ المريض تجنب المواقف التي يخضع فيها للمقارنة بالآخرين، ويلاحظ جسده بشكل مكثف جداً، وينزلق في دائرة مفرغة من الخوف.
ماذا يحدث بالجسم؟ يحدث احمرار الوجه دائماً بسبب الشعور بالخجل، وكنتيجة لهذه الإثارة العاطفية ينتقل الجسم إلى وضع التنبه ويسخن، وهو ما يفسر الشعور الذي كثيراً ما ينتاب المرضى بأن رؤوسهم تتوهج. ويدل الاحمرار على أن الجسم قام بتوسيع الأوعية الدموية كوسيلة لتبريد الجسم مجدداً، وفي الوقت نفسه يتصبب كثير من المرضى عرقاً، ما يساعد أيضاً على تبريد الجسم. ويؤدي التفكير في وقوع كارثة أثناء احمرار الوجه إلى مزيد من الاحمرار، وهو ما يمكن تفسيره كالتالي: يتم تنبيه الجسم دون انقطاع، ما يزيد من سخونته، وبالتالي يُزيد الجسم من الاحمرار كمحاولة للتبريد. |
وأوضح المعالج النفسي بمدينة هامبورغ شمال ألمانيا مايكل شيللبيرغ «حينئذ يترسخ الخوف، كما هي الحال مع أي حالة فوبيا».
ومن فرط خوفها تفكر الموظفة في وكالة الدعاية جدياً في أن تأخذ إجازة مرضية في اليوم المخصص لتقديم الحملة. وتعبر الموظفة عن مخاوفها، وتقول «سيكتسي وجهي باللون الأحمر الصارخ أثناء التقديم، وسيضحك الجميع بداخلهم عليّ، وسينتشر الخبر في الوكالة بأكملها، وسأصبح مثاراً لسخرية الموظفين على الدوام».
ويرى الخبراء أن الشخص الذي يحمر وجهه لا يكون بمقدوره الاختباء خلف واجهة هادئة وواثقة؛ إذ تتبدى مشاعر الخوف وعدم الثقة بالنفس عليه جلياً. ويتسبب الخوف أيضاً في فقدان المرضى السيطرة على النفس، فالجسم يفعل شيئا لا يستطيع المريض أن يفعل شيئاً حياله.
هناك قاسم مشترك بين جميع حالات الفوبيا، هو خوف الانتظار، أي الخوف من تكرار حدوث الحالة. وينصح شيللبيرغ المرضى بالذهاب إلى معالج نفسي، إذا شكل الخوف من احمرار الوجه عائقاً حياتياً، ويعلل شيللبيرغ ذلك بقوله «إذا تم علاج اضطراب الخوف مبكراً فإنه سيزول بسرعة مجدداً». وبشكل عام يقدم شيللبيرغ لمرضى الإيروتوفوبيا النصيحة التي يسديها لكل مرضى الفوبيا، هي تعلم تقنيات الاسترخاء، مثل التأمل، وكذلك ممارسة الرياضة التي تعتبر دواء لكل داء.
مدة الحالة
يؤكد الخبراء أهمية عدم إعطاء الحالة حجماً أكبر من حجمها الحقيقي، ومن الأمور التي تهدئ من روع المرضى أن احمرار الوجه لا يدوم لساعات طويلة، بل لـ10 دقائق حداً أقصى، وفي معظم الأحوال يزول الاحمرار بعد خمس دقائق فقط على أقصى تقدير.
وبالإضافة إلى ذلك، يلاحظ كثير من الناس بعض الاحمرار على وجوه الآخرين. وحتى إذا لاحظ الناس احمرار وجه شخص ما، فإن بعضهم يبدي مزيداً من التعاطف معه، وتعلل روت ذلك بقولها «احمرار الوجه له تأثير حقيقي وغير مصطنع. وبالإضافة إلى ذلك، يتعاطف الكثيرون مع هذه الحالة لمرورهم بها شخصياً».
وهناك بعض النصائح والإرشادات التي يمكن أن تحول دون تفاقم الوضع في الحالات الخطيرة. فمن الأمور غير المفيدة على الإطلاق عقد العزم على ألا يتعرض الوجه للاحمرار، وعن خطورة هذا العزم تقول المعالجة النفسية الألمانية دوريس فولف «تتحقق بذلك نتيجة عكسية تماماً». وتنصح فولف التي ألفت كتاباً حول هذا الموضوع بالتهدئة من روع الجسم بطريقة أخرى، على سبيل المثال بواسطة تقنيات التنفس أو استرخاء العضلات التقدمي، ومن المفيد أيضاً أخذ نفس عميق والتنفس بهدوء، وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن يردد المريض جملاً من قبيل «أنا أتنفس بهدوء»، أو «أنا أشعر بالثقة».