مجالس الآباء والأجداد.. مدارس تنبض بالكرم والأصالة
تعد المجالس جزءا أصيلا، وعنصرا أساسيا من عناصر التراث الإماراتي، ودول الخليج، إذ كانت ومازالت لها الدور الأساسي في تعليم وتربية الأجيال على مواجهة الحياة والتغلب على متاعبها، فهي مدرسة الإنسان التي تسهم في بناء شخصيته، وتفرز عقولاً ناضجة وواعية تخدم أوطانها ومجتمعاتها.
وتنوعت المجالس قديما في الإمارات، فهناك على الساحل ظهرت المجالس العامة، ومنها مجالس التجار وصيادي الأسماك والبحارة، ومجالس تجار اللؤلؤ(الطواويش)، ووجدت المجالس المعروفة والمشهورة في منازل بعض العائلات الكبيرة في المجتمع الساحلي، أما في البادية فكانت المجالس عبارة عن بيت من الشعر، كما يمكن ان تكون إحدى أشجار الغاف الكبيرة ذات الظل الوارف، وتجمع أفراد العائلة تحت سقفها وحسن الاستقبال والضيافة والكرم من سمات مجالس مجتمع الإمارات في البادية والحضر على حد سواء، وقد حافظت المجالس على قيمتها منذ القدم، ومازالت حتى يومنا هذا رمزاً لذلك الكرم وصورة من صور التواصل والتكافل والتعاضد الاجتماعي.
وعرف مجتمع الإمارات ولايزال المجالس المنتشرة في كل بقاعه الصحراوية والساحلية والريفية والجبلية، ويكثر عادة التجمع في المجالس في ليالي رمضان أو في حضور الحكام، لهذا تزداد المجالس رواجا في هذه الأوقات.
وعن المجالس في البادية، يقول المواطن راشد بن عبيد بن حمود الطنيجي (80 عاما)، درجت العادة على أن يدير كل شيخ من شيوخ القبائل مجلسا، فيه يلتقون ويناقشون أحوالهم ويتناقلون الأخبار وما يستجد من أمور في منطقتهم، ويسمى المجلس في هذه الحالة «برزة». وأضاف «المجلس في البادية عبارة عن بيت من الشعر قرب بيت شيخ القبيلة أو يتوسط منازل القبيلة، وقد يكون المجلس عبارة عن مكان مفتوح محاط من ثلاث جهات بأغصان أشجار الغاف والسمر، لكي يقي الجالس الرياح وتطاير الرمال، وهذا النوع هو الأكثر انتشارا بين قبائل البادية الرحل كما يمكن ان تكون إحدى أشجار الغاف الكبيرة المتميزة بظل وارف مجلسا للاستقبال.
وتابع «البدوي في صحراء الإمارات كان عاشقا للبر والخلاء، محبا للحرية وعناصر الطبيعة الثلاثة التي وجد نفسه يتعامل معها والتي وهبه الله إياها وهي الصحراء المترامية الأطراف والقمر والنجوم في المساء، لذا نجد أبناء البادية يجتمعون في مجالسهم خلال الليالي المقمرة للسمر والسهر وتناول القهوة وحليب النوق».
وقال الطنيجي «إذا قصد الضيوف مساكن أهل البادية فإنهم يتوجهون إلى المجالس، حيث يستقبلهم أهل المنطقة بكل ترحاب فإذا أنزلوا أمتعتهم عن ظهور رواحلهم أقبل أهل المنطقة مرحبين بهم وإذا لم يجد الضيوف أهل البادية في الأماكن والمواضع التي قصدوها، بحثوا عنهم فوق الكثبان والتلال الرملية وإذا وردوا آبار المياه استدلوا بآثارهم على مساكنهم فإن كانت آثار القوم قد اختفت فهو دليل على انتقالهم وارتحالهم عن الماء إلى منطقة أخرى». وأضاف «في المجالس تتأصل في نفوس أبناء مجتمع الإمارات عادات الاحترام والتقدير فإذا ما دخل أحدهم مجلسا أو (برزة) فإنه سرعان ما يتجه إلى وسط المجلس، حيث يجلس كبير القوم سنا أو مكانة فيسلم عليه ثم يصافح من هو على يمينه واحدا تلو آخر»، وأوضح ان مجالس الحكام الشيوخ كانت تسمى «البرزة» وقد تكون داخل القصر أو خارجه وغالبا ما تكون غرفة داخلها مقاعد طويلة يجلس الحاكم للنظر في أمر رعيته ويحل مشكلاتهم مشافهة فإذا ما قدم أحد الأفراد إلى مجلس الحاكم يتوجه للسلام على الحاكم، ويقف الحاكم لرد التحية، وكذلك يقف من كان في «برزته»، ومن ثم يتجه للسلام على الآخرين، وعندما يجلس الحاكم يجلس الجميع. وأردف «كانت هذه المجالس هي منابر للحرية والديمقراطية منذ ذلك الزمن، ويحق لكل فرد من أفراد القبيلة ان يحضر في مثل هذه المجالس، وأن يدلي بوجهة نظره في الشؤون المتعلقة بعشيرته وبأموره الخاصة».
وأكد الطنيجي أن للمجالس عموما دورا إيجابيا في حل الخلافات والمشكلات التي تنشأ في المجتمع، حيث يتحاكم المتنازعون أمام أحد كبار السن، كما أن هناك مجالسا لحل مشكلات معينة، لهذا كان دور المجلس بارزا في خدمة أبناء القبيلة أو المنطقة، وهي وظيفة ذات أهمية اجتماعية للدفاع عن حقوق الأفراد، كما أنها تسهم في الإصلاح وحل النزاعات وخلق روح الوئام بين المتنازعين بالطرق السلمية، وكانت المجالس مدرسة اجتماعية تربوية للأبناء، حيث كانوا يشاركون آباءهم في حضور هذه اللقاءات الجماعية.
وعن مجالس الحضر والساحل، قال المواطن خميس بن زعل الرميثي «وجدت المجالس في المدن والمجتمع الساحلي المستقر، وتنوعت أشكالها وتفاصيلها إذ تختلف المجالس في الساحل عن البادية من حيث نوعية بنائها، فقد يكون البناء من السعف، ويستخدم فيه جريد النخيل، وقد يكون من الأحجار والصخور البحرية المحشوة بالطين، وقد يكون المجلس عبارة عن خيمة مصنوعة من السعف»، وتفرش من الداخل بالحصير، ويثبت في الخيمة الفنر (هو مصباح الإنارة الذي يعمل بالكيروسين). وأكد أن المجلس هو بحق ديوان للزوار والضيوف حيث يحل الضيف على أحد المجالس فيستقبل بترحيب، ويبدأ بتوضيح مقصده من زيارة المدينة سواء للتجارة في اللؤلؤ، أو لشراء بعض السفن، أو أن يكون قاصدا الزواج أو للزيارة أو أي أمر آخر.
وعن مجالس النساء، قالت المواطنة عائشة عبيد الكتبي (أم راشد)، لقد «عرف مجتمع الإمارات المجالس النسائية منذ القدم، فتجتمع نساء الحي في المناسبات كالأعراس والأعياد، ففي كل صباح ومساء تأتي كل واحدة بما أعدته لهذه المناسبات من طعام وشراب.
وأضافت «في أيام عيد الفطر والأضحى يجتمعن عند الريوق (الإفطار) والغداء وهذه الاجتماعات بالنسبة للنساء ملزمة ولا تتخلف عنها إلا صاحبة عذر».
وذكرت أن النساء تتبادل الزيارات العادية حيث يجتمعن يوميا صباحا بعد ذهاب رب البيت إلى عمله فتقوم كل واحدة منهن بإحضار إفطارها ويجلسن في مسكن واحد للحديث، وعند إعداد الغداء يذهبن ويكون لقاؤهن الثاني عصرا ومساء بعد صلاة العشاء، وهذه اللقاءات تتم في المنازل المتجاورة والقريبة من بعضها بعضا، وتجلس البنات معنا في المجالس من عمر 11 عاما، يتعلمن الحديث وتدبير الأمور المنزلية.
تابعوا آخر أخبارنا المحلية والرياضية وآخر المستجدات السياسية والإقتصادية عبر Google news