قرية في أم القيوين شكلت ممراً للقوافل

«بياتة».. صفحة من ذاكرة الوطن

«بياتة» انتشرت فيها المراعي والأعشاب والماء. تصوير: إريك أرازاس ــ أرشيفية

تحفل الإمارات بقرى ومدن تاريخية، سكنها كثيرون منذ زمن بعيد لغناها بالآبار التي توفر المياه العذبة والأعشاب والنباتات، وتدل أسماؤها على ما فيها، وما حصل على أرضها من حوادث وآثار، فهي أماكن تردد ذكرها في بطون التاريخ والمعاجم، ومنها قرية «بياتة» في إمارة ام القيوين.

المواطن سالم بن سيف الشاوي، أحد أبناء «بياتة» أبا عن جد، لم يفارق البر، رغم كل التطورات التي حصلت في المدينة والتغيرات التي طرأت على حياة سكانها، يقول «بياتة عبارة عن تجمع سكاني في البادية كانت تشكل ممراً للقوافل، كما كنا نعمل في جمع الحطب من المنطقة، ونبيعه في مناطق الساحل، قانعين بأن الله هو الرزاق، فبياتة أرضها مبروكة بفضل الله تعالى ثم بفضل الماء، إذ كانت الأمطار غزيرة تجري الوديان بعد سقوطها في حين كنا نعتمد في الصيف على الطوايا (الآبار)».

وعن سبب تسميتها يوضح الشاوي أنه «يعود إلى طوي بياتة الذي كان بجواره عود بياتة (شجرة غاف)، إذ كانت القوافل تمر على الطوي لتشرب منه وتسقى رواحلها، ويبيت أفرادها (ينامون) تحت شجرة الغاف، فسمي طوي بياتة، ومن ثم سميت المنطقة منطقة بياتة، مازال الطوي موجوداً حتى يومنا هذا نهتم به ونحفره وننظفه بالدلاء، ونشغل عليه المكائن، ونروي منه (نشرب منه) ماء حلوا».

وعن الماضي يذكر الشاوي «كانت الحياة صعبة، ولكن الخير والنعمة متوافران بكثرة على الرغم من أننا عشنا في الخيام، وكنا نأكل الموجود، وما يجود به حلالنا من حليب وألبان وغيرها من المنتجات، فيما نأكل العيش والسح (الأرز والتمر) وكانت النساء يقمن بأعمال المنزل ويجلبن المياه من الطوايا (مفردها طوي أي بئر) ويجمعن الحطب.. في الماضي كانت حياتنا بسيطة، وكانت بقعتنا (منطقتنا) من أجمل البقع فيها المراعي والعشوب والماء وعندما تسير في المنطقة تجد أمامك طوي وعرب يسكنون عنده ولديهم الحلال والخير من بوش وهوش (الإبل والغنم)، وكنا في هذه المنطقة نعتمد على القنص حيث كنت تجد فيها الحبر والأرانب والظباء».

وأردف «كانت بقعتنا قبل الاتحاد تتعرض بين الفترة والأخرى لغارات قبائل تريد نهبها وسلبها، لذا كان أهلنا دائما مسلحين، ولا ينامون إلا بالتناوب مع بعضهم بعضا، إذ كان كل فرد منا يحرص طوال الوقت على ان تكون بندقيته في يده وخنجره ومحزمه مشدودين على بطنه ليدافع عن نفسه وأهله وحلاله، وكنا لا نبتعد عن الديار بمفردنا وعندما نضطر لذلك نسير في مجموعات، وفي حال ذهب اثنان بعيدا وحل عليهما الليل كان احدهما ينام أول الليل ويقوم الثاني بحراسته ليصحو النائم ويحرس صديقه الآخر الذي ينام حتى الفجر». وتابع «الحمد لله، المغفور له الشيخ زايد غير حالنا هذا، ونشر الأمن والأمان عندما وحد القبائل، وساوى بينها من السلع، وحتى الفجيرة، فلم نعد نسمع بأحداث السلب والنهب التي اصبحت من الماضي».

ويواصل الشاوي «كانت معيشتنا في يسر، وكنا على خير ووفاق، وعندنا الذبائح، ونقنص في البر صيفا وشتاء، ونصطاد الأرانب والكروان والحبارى، كما كنا بدوا رحلا، نسير ونتبع المرعى وموارد المياه، وكانت بقعتنا هذه كلها طوايا، بعضها حفره أهلنا، وهناك طوايا قديمة محفورة منذ زمن بعيد.. كانت بياتة منطقة قنص، واشتهرت منطقة اليمحة شمال بياتة منطقة قنص».

من جانبها، تقول المواطنة غديرة سيف سالم الشاوي من أهل بياتة «نحن بدو رحل، كنا نرتحل في الماضي من مكان إلى آخر، ولم نذق طعم الاستقرار إلا عندما بنى لنا الشيخ زايد، والشيخ راشد بن سعيد، طيب الله ثراهما منازل شعبية في هذه المنطقة». وتضيف «كانت من عادة نساء بياتة الذهاب إلى مورد الماء في الصباح الباكر، ثم بعدها يجلسن في المنزل يحضرن القهوة، ثم يتجمعن لتناول طعام الإفطار في حين ترعى البنت الهوش (الغنم) ويرعى الولد البوش (الإبل) طوال اليوم، وفي المساء كل يحلب حلاله في اناء كبير، استعدادا لحضور الضيوف فإذا حضر الخطار (الضيوف) ذبحوا لهم، وتناولوا العشاء، وجهزوا لهم القهوة، وحلبوا البوش وصبوا لهم ولكن جيل اليوم يشرب القواطي (العبوات المعدنية) ولا احد يسأل عن أحد، وفي كثير من الأحيان لا يعلم الجار شيئاً عن جاره إلا عندما يصله خبر وفاته، فيذهب من أجل العزاء فقط».

وزادت «كانت النساء تغزل وتدبغ وتحطب وتذهب إلى احضار الماء من المورد على الراحلة، وإذا لم تجد الراحلة ملأت الاناء، وحملته على رأسها، وعادت للمنزل وملأت موقدها بالحطب، في حين يأتي الماء في هذه الأيام في الأنابيب، ويصل الغاز الى المنازل».

وأضافت «كان الرجال يعتمدون على الحطب والسخام (الفحم) فإذا جمعوا كمية رفعوها مع بعض الحشيش والثمام على ظهور الإبل، قاصدين دبي والشارقة وعجمان وأم القيوين ورأس الخيمة لكي يبيعوا بضاعتهم على أهل الساحل ويشتروا بثمنها مير البيت (المواد الغذائية اللازمة لأهل المنزل)».

وبخصوص طوي بياتة قالت «بناه خليفة بن هلال ومصبح بن هلال الغفلي شيخا الغفلة من زمان، وعيالهما مازالوا موجودين، نروي منه منذ أكثر من 40 عاماً يستفيد من مائه العذب الإنسان والحلال، ومن الطوايا الأخرى القريبة من منطقة بياتة طوي السمحة وخريجة وحريملة وجوبعة ولقرن والسرة ومهذب وطوي حارب وطوي غرا».

وذكرت ان الطوي قديم جدا، لكن اهالي المنطقة اهتموا به في الـ40 سنة الماضية عندما شحت المياه، حيث ذهبوا منذ 40 عاما إلى المرحوم الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، رحمه الله، واشتكوا له الحال بعد ان قلت الأمطار وضرب الجفاف المنطقة، وكان المال قليلاً لديهم ما حال دون تنظيف الطوي والاستفادة منه، وطلبوا مساعدته من أجل تنظيف وتجديد الطوي لكي يشرب الناس والحلال منه فوافق الشيخ راشد بلا تردد، وقال لهم «فالكم طيب سنرسل لكم العمال والسميت (الاسمنت) وبنى لهم حوضا حق البوش وحوضا حق الغنم وثبت لهم غرطاسا (ماكينة لسحب الماء)، وتبلل العرب وارتاحوا بفضل الله، ثم بفضل راشد بن سعيد، رحمه الله، وجعل هذا العمل في ميزان حسناته».

وحول زيارة الشيوخ إلى المنطقة قالت «مازلت أذكر زيارة الشيخ زايد والشيخ راشد للمنطقة في بداية السبعينات من القرن الماضي، إذ هبط كل منهما بطائرته العمودية صباحاً، بالقرب من الخزان، وتفقدا المنطقة، وأمرا يومها ببناء المنازل الشعبية فتغير حال المنطقة إلى الأحسن، وأصبحت بالنسبة لنا مدينة بكل المقاييس».

تويتر